قراءة لبنانيّة في بنود مسودة اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل

12 أكتوبر 2022
حديث عن خسارة لبنانية واضحة لحقوقه البحرية والنفطية (حسام شبارو/الأناضول)
+ الخط -

على وقع تسريب اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل، خرجت مواقف لبنانية أولية تقنية وسياسية، تفسّر الصيغة المتداولة بخسارة لبنانية واضحة للحقوق البحرية والنفطية، مع طرح علامات استفهام حول بعض البنود التي من شأنها أن تشكل عراقيل في مراحل لاحقة، المتضرّر الأول منها الجانب اللبناني، الذي سينقّب أصلاً في حقل محتمَل.

في المقابل، تركزت المواقف السياسية على اعتبار الاتفاق صفقة يستفيد منها المسؤولون اللبنانيون، وخصوصاً المعاقبين أميركياً، مع العلم أن العاملين على خطّ المفاوضات الرسميين، وصفوا صيغة الترسيم بـ"المرضية"، وبعضهم وضعها في خانة "الإنجاز التاريخي"، منهم وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، الذي ربطه بعهد الرئيس ميشال عون.

يتوقف الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، مارك أيوب في حديثه مع "العربي الجديد" عند أمرين أساسيين في الاتفاق، تبعاً للقراءة الأولية، الأول التركيز على فصل الحدود البحرية عن تلك البرية، وبالتالي عدم اعتراف لبنان بخط الطفافات "الإسرائيلي"، الأمر الذي يعني تأجيل هذه النقطة إلى نقاش لاحق مرتبط بالحدود البرية.

تبعاً لذلك، يقول أيوب إن أول نقطة للترسيم ستكون النقطة الـ20، وصعوداً، 21، 22، 23، أي حدود البلوك رقم 10، وبالتالي تبدأ بقلب البحر، ما يعني أن النقاط الـ18، الـ19، الـ20، للحدود البرية لنقطة رأس الناقورة لم يُعرف الترسيم بشأنها بعد لحين تحديد الحدود البرية.

أمّا الأمر الثاني، وفق أيوب، فهو أن الاتفاق حسم مسألة حقل قانا، بإعطاء حصة لبنان كاملة منه، على أن تحصل نقاشات جانبية بين شركة توتال الفرنسية وإسرائيل لتحديد الحقوق الاقتصادية العائدة للأخيرة من المكمن المحتمل.

لكن في المقابل، يتوقف أيوب عند نقطة في الاتفاق تطرح علامات استفهام عدّة، تفتح المجال أمام إمكانية حصول عراقيل في وقتٍ لاحق.

ويقول هذا البند إنه "رهناً بالاتفاق مع مشغل البلوك رقم 9، لن تقوم إسرائيل بممارسة أيّ حقوق لجهة تطوير المخزونات الهيدروكربونية الواقعة في المكمَن المحتمَل، كما أنها لن تعترض على أيّ أنشطة ترمي إلى تطوير المكمَن المحتمَل أو تتّخذ أيّ إجراءات من شأنها تأخير تنفيذ الأنشطة دون مسوّغ. كما أنّ إسرائيل لن تعمل على تطوير أيّ تراكمات أو مخزونات من الموارد الطبيعية في المكمَن المحتمَل، بما في ذلك الهيدروكربونات السائلة أو الغاز الطبيعي أو غيرها من المعادن، والممتدّة على طول خط الحدود البحرية".

ويضيف البند: "في حال كان الحفر في المكمَن المحتمَل ضرورياً جنوب خط الحدود البحرية، فيتوقّع الطرفان من مشغّل البلوك رقم 9 طلب موافقة الطرفين قبل المباشرة بالحفر، ولن تمتنع إسرائيل، من دون مبرر، عن منح موافقتها على الحفر الجاري وفقاً لأحكام هذا الاتفاق".

كذلك، يتوقف أيوب عند البند الذي ينصّ على أنه "يتعيّن على كلّ من الطرفين مشاركة البيانات ذات الصلة بكافة الموارد الموجودة في الجهة المقابلة من خط الحدود البحرية، المعروفة حالياً وتلك التي قد يتمّ تحديدها لاحقاً، مع الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، يُنتظَر أيضاً من المشغّلين المعنيّين الذين يعملون في أيّ من جانبَيْ خط الحدود البحرية مشاركة مثل هذه البيانات مع الولايات المتحدة. فالطرفان يدركان أنّ الولايات المتحدة تعتزم مشاركة هذه البيانات مع الطرفيْن في الوقت المناسب بعد استلامها".

ويستغرب أيوب السبب وراء طلب كهذا، إلى جانب استغرابه أيضاً ألا تكون الشركات العاملة لبنانية كما وإسرائيلية، مع العلم أن الدولة شريكة في تحالف الشركات، مع انسحاب شركة نوفاتيك الروسية، وبقاء شركتي توتال الفرنسية، وإيني الإيطالية.

تنازل

من جهته، يقول العميد الركن المتقاعد خالد حمادة لـ"العربي الجديد" إن موقف لبنان بدأ بالتنازل عن الخط الـ29 والنقطة "ب 1"، وكل الكلام عن عدم ربط الترسيم البحري بذاك البري، لا معنى له، باعتبار أن الترسيم البري غير مُنجَز بعد، وبالتالي لا يمكن استباق الأمور والتحدث عن الفصل، لكونه في ظروف أخرى مشابهة يمكن فرض ترسيم بري على لبنان كالبحري.

ويشير العميد حمادة إلى أن لبنان تنازل أكثر ما يمكن أن يتنازل، والسبب أن التفاوض يعكس معادلة القوة بين المفاوضين، إذ يتفاوض مع الولايات المتحدة راعية الاتفاق، وإسرائيل التي هي بأوج الدعم الأميركي لها، في حين أن لبنان يعيش أسوأ الظروف الاقتصادية والسيادية، فيما البلد مُصادَر من جميع النواحي، وهو ما يتيح إمكانية فرض الحل علينا.

تبعاً لذلك، يتوقف العميد حمادة عند قول نائب رئيس البرلمان اللبناني إلياس بو صعب بأن المعادلة التي أقرّت الترسيم هي الجيش والشعب والمقاومة، معتبراً أن المعادلة الثلاثية الوحيدة التي أدت إلى الاتفاق هي الحاجة الأوروبية للنفط والغاز –الأمر الواقع الأميركي وحاجته لاستخراج الغاز من شرق المتوسط– الضعف اللبناني، مشيراً إلى أن كل الحديث عن بطولات وهمية لحزب الله بإنجاز الترسيم وفرض معادلة معيّنة على العدو الاسرائيلي، ثبت أنها مزايدات لا قيمة لها.

ويلفت إلى أن "حزب الله أسر لبنان منذ عام 2000 بمعادلة الردع مع العدو، ولغاية الآن دفع لبنان ثمن هذه المعادلة من استقراره السياسي والاقتصادي، وزاد الفساد، وتفككت السلطة نتيجة التآمر بين الفساد والسلاح، واليوم ندخل مرحلة جديدة، عنوانها يجب ألا يكون هناك وجود لحزب الله في معادلة التوازن مع العدو، ولا في معادلة العلاقات الدولية مع لبنان".

ويرى حمادة أنه لا يمكن الحديث عن إنجاز تحقق في عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، فيما هبط الاقتصاد اللبناني أكثر من تسعين في المائة، والبلد يعيش أتعس أيامه، والفساد مستشرٍ ويتفاقم منذ ست سنوات، بينما لبنان يدفع ثمن عزلته العربية والدولية كرمى لتحالف حزب الله – عون، مشيراً في المقابل إلى أن حزب الله ادعى الوقوف خلف الدولة في الملف، لأن إيران تدرك أنها في أصعب الظروف، وتعاني من عزلة دولية وانهيار اقتصادي وتفكك داخلي.

"صفقة خيانة"

بدوره، يقول العميد المتقاعد جورج نادر، العضو أيضاً في جمعية "الدفاع عن حقوق لبنان البرية والبحرية" لـ"العربي الجديد"، إن الاتفاق اليوم تمّ إخراجه لكنه صفقة أعدّ لها من قبل محور الممانعة حتى من يسمّون أنفسهم السياديين، واصفاً ما حصل بـ"صفقة الخيانة لصالح إسرائيل".

ويلفت إلى أن المسؤولين في لبنان تخلّوا عن الخط رقم 29 مقابل تسويات منها مرتبطة برفع العقوبات الاميركية عن بعض السياسيين في لبنان، وهو ما تحدث عنه مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى السابق، ديفيد شينكر، ضاربين عرض الحائط، بإحداثيات وخرائط الجيش اللبناني، والقوانين والاتفاقيات الدولية التي تعترف بحقوق لبنان ومساحات إضافية في مياهه البحرية، فكان التنازل الفاضح اليوم عن 1430 كيلومتراً مربعاً، مكرراً الإشارة إلى أن الصفقة لصالح العدو ليست إلا كرمى لعيون صهر رئيس الجمهورية النائب جبران باسيل، ومستشار رئيس البرلمان النائب علي حسن خليل، المعاقبَين أميركياً.

ويشير نادر إلى أن الاتفاق اليوم لم يأتِ على ذكر الترسيم البري، وهذه من الفضائح الأخرى، في حين أن شركة توتال ستعوّض لإسرائيل ما ستخسره بحقل قانا، لكن من قال إن هذا الحقل فيه بترول أو غاز، بعكس حقل كاريش الذي تنازل أيضاً المسؤولون في لبنان باعتمادهم الخط الـ23 عن جزء منه، الذي يحوي على ثروات نفطية هائلة.

اتفاق مهم

في المقابل، يعتبر مصدرٌ مسؤولٌ في قصر بعبدا لـ"العربي الجديد"، أن "الاتفاق مهم جداً للبنان، والصيغة الأميركية الأخيرة أتت مرضية للجانب اللبناني، وذلك بعد التعديلات التي تمسّك بها وأصرّ على إدخالها، خصوصاً لناحية نيل حصته كاملة من حقل قانا"، مشيراً إلى أن مزايدات كثيرة بدأت تخرج وتنتقد الاتفاق، لكن نحن في مفاوضات غير مباشرة منذ سنتين، وملف مرّ عليه أكثر من عشر سنوات، وما ناله لبنان أساسي ويمكن الركون إليه، وستكون له تداعيات اقتصادية مهمة.

ويلفت المصدر إلى أن ما حصل لا يمكن وضعه في خانة التنازل، بل المفاوضات، صحيح أن لبنان فاوض بداية على أساس الخط الـ29، لكن عراقيل كثيرة حالت دون اعتماده، فكان التمسك بخط يضمن حقوق لبنان النفطية والبحرية.