استمرّت احتجاجات أزمة المياه في إيران، ليل أمس الخميس، لليوم التاسع في بعض مدن محافظة خوزستان، معقل هذه الاحتجاجات، فضلاً عن تنظيم تجمعات احتجاجية في مدينتي أليغودرز بمحافظة لرستان وشاهين شهر بمحافظة أصفهان، المجاورتين لخوزستان، تضامناً مع المحتجين على شح المياه هناك، فيما تحدثت منظمة "العفو" الدولية، اليوم الجمعة، عن مقتل 8 إيرانيين خلال الاحتجاجات الأخيرة.
وأدت احتجاجات مدينة أليغودرز بمحافظة لرستان، غربي إيران، إلى مقتل متظاهر وإصابة 7 آخرين، حسب السلطات المحلية بالمحافظة.
وقال نائب قائد قوات الأمن الداخلي بالمحافظة للشؤون الاجتماعية، العقيد علي غلالي، إنه "على خلفية الاشتباكات التي أشعلها مخربون معادون للثورة، فقد شخص حياته للأسف"، مشيراً إلى إصابة 7 آخرين من المواطنين "على يد هذه العناصر"، حسب قوله. وأضاف غلالي أن السلاح المستخدم كان من نوع "شوزن"، قائلاً إن "المناهضين للثورة عادة يستخدمون هذه الأسلحة في اشتباكات كهذه"، متحدثاً عن اعتقال عدة أشخاص على خلفية أحداث الليلة الماضية في مدينة أليغودرز، "كان من بينهم عناصر أطلقوا النار باتجاه المواطنين بهدف إيقاع قتلى"، متوعداً بمعاقبتهم "بشكل حازم وفقاً للقانون".
وأفادت وكالة "فارس" الإيرانية بأن عدداً من سكان المدينة نظموا، الليلة الماضية، تجمعاً سلمياً للتضامن مع سكان خوزستان في مواجهة أزمة المياه، "لكن قاد معارضون للثورة هذا التجمع نحو مسار منتهك للحرمات"، حسب تعبير الوكالة.
إلى ذلك، تشير الفيديوهات المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي إلى تنظيم تجمعات احتجاجية في مدينة شاهين شهر بمحافظة أصفهان المجاورة لخوزستان تضامناً مع معاناة سكانها، كما تفيد الأنباء الواردة من خوزستان باستمرار الاحتجاجات، الليلة الماضية، في مدن ماهشهر والأهواز ودزفول.
خامنئي: للحذر من "مؤامرات العدو"
وعلّق المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، اليوم الجمعة، على احتجاجات خوزستان، قائلاً إن "مسألة مياه خوزستان ومشاكل سكانها تمثل أحد القلاقل المؤلمة حقاً هذه الأيام"، مشيراً إلى أن "المواطنين عبّروا عن غضبهم، لكن لا عتاب عليهم مطلقاً، لأن قضية المياه في تلك الحرارة المرتفعة ليست قضية صغيرة". وأكد أن "أهالي خوزستان وفيون ومضحون ما كان ينبغي أن يواجهوا هذه المشاكل، ولو كانت قد تمت معالجة مشاكل المواطنين لما كان ليتشكل هذا الوضع"، داعياً الحكومة الحالية والحكومة المقبلة إلى متابعة حل مشاكل المحافظة بشكل جاد.
كما دعا خامنئي الإيرانيين إلى "الحذر من مؤامرات العدو"، لافتاً إلى أن "العدو يريد استغلال أي شيء ضد الثورة والبلاد ومصالح الشعب، لذلك يجب مراعاة الحذر لعدم إعطائهم ذرائع".
وفيما تستمر الاحتجاجات في محافظة خوزستان، التي بدأت في 15 يوليو/تموز الحالي، دعا مندوب المحافظة في مجلس خبراء القيادة، رجل الدين محسن حيدري، إلى إنهائها، قائلاً إن "استمرار التجمعات ليس لصالح الشعب، حيث تستغلها المجموعات المشكوك في أمرها والأعداء". وأضاف أن "الفوضى تتسبب بإراقة دماء الأبرياء ودخول المسلحين الانفصاليين والمنافقين، ويرتد ذلك سلباً على المواطنين، وفي هذه الظروف فالتجمعات لن تحل مشاكلهم بل تزيدها تعقيداً"، حسب تعبيره.
من جهته، أعلن الحرس الثوري الإيراني، اليوم الجمعة، أنّ قواته ضبطت شحنة أسلحة دخلت البلاد من حدودها بالشمال الغربي، مشيراً إلى أنّ "الأشرار ومجموعات مناهضة للثورة كانت تعتزم استخدام هذه الأسلحة لتنفيذ عمليات تخريبية"، وفق قوله.
"العفو" الدولية: مقتل 8 على الأقل
وفيما تشير الأنباء الرسمية في إيران إلى مقتل 5 أفراد خلال الاحتجاجات الأخيرة، من بينهم أحد أفراد الشرطة، إلا أن منظمة "العفو" الدولية تحدثت، اليوم الجمعة، عن مقتل ما لا يقل عن ثمانية متظاهرين ومارة، متهمة السلطات الإيرانية باستخدام "الذخيرة الحية لقمع الاحتجاجات"، مع حديثها عن إصابة واعتقال العشرات.
وقالت نائبة مديرة منظمة "العفو" الدولية لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ديانا الطحاوي، في بيان للمنظمة: "لدى السلطات الإيرانية سجل مروع في استخدام القوة المميتة غير المشروعة"، مشيرة إلى أن ما يجري في خوزستان يذكر بالأحداث التي وقعت خلال احتجاجات على رفع أسعار البنزين في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، والتي كانت أكبر احتجاجات تشهدها البلاد منذ عقود.
"رايتس ووتش": السلطات استخدمت القوة المفرطة ضد المحتجين
وفي غضون ذلك، اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، أمس الخميس، السلطات في إيران بأنها استخدمت "القوة المفرطة" ضد المحتجين في خوزستان، مطالبة إياها بإجراء تحقيقات تتمتع بالشفافية بشأن ثلاث حالات وفاة على الأقل وقعت بين المتظاهرين، ومحاسبة المسؤولين عنها.
واندلعت الاحتجاجات على أزمة المياه في محافظة خوزستان يوم الخميس الماضي، حيث تشهد مدن عدة فيها تجمعات احتجاجية اعتراضاً على الشح الحاد لمياه الشرب ومياه الزراعة، إضافة لتنفيذ مشاريع نقل مياه نهر كارون إلى محافظات أخرى.
وأكد الرئيس الإيراني حسن روحاني في تصريحات له، الخميس، أن خوزستان "هي القلب النابض لإيران وتكتسب أهمية كبيرة لنا جميعاً"، داعياً المحتجين إلى "تفويت الفرصة على الأعداء"، فيما طالب المحتجين بعدم السماح لـ"أعداء إيران" باستغلال الاحتجاجات و"حرمانهم من الفرحة".
وتابع روحاني، الذي يتعرض لانتقادات لعدم قيامه بزيارة خوزستان للحديث مع المحتجين، أن "الاحتجاج حق مكفول للمواطنين في خوزستان"، قائلاً إنه أمر نائبه الأول بزيارة المحافظة بنفسه، مؤكداً أن "أفراداً معدودين لا يمثلون أهالي خوزستان يمكن أن يرفعوا هتافات (..)، كما يمكن أيضاً أن يرفع شخص غير مهذب السلاح"، داعياً المواطنين الإيرانيين في المحافظة إلى متابعة المشاكل عبر الطرق القانونية.
من جهته، أعلن أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، الخميس، في تغريدة له، إصدار أوامر لأجهزة الأمن بالإفراج سريعاً عن معتقلي الاحتجاجات باستثناء من ارتكب منهم "أعمالاً إجرامية".
وتواجه إيران شحاً في الأمطار، تقول الحكومة إنه غير مسبوق منذ 52 عاماً، ما أدى إلى جفاف أنهار وأهوار وشح مياه الشرب في مدن وقرى، فضلاً عن تراجع توليد الكهرباء من السدود، والذي أدى أيضاً إلى انقطاعات متكررة للطاقة الكهربائية في أنحاء إيران خلال الفترة الأخيرة، وهي مستمرة. غير أن مراقبين وسكان خوزستان ونوابها في البرلمان يؤكدون أن الجفاف ليس السبب الوحيد وراء أزمة المياه في المحافظة، متهمين الحكومات الإيرانية بسوء الإدارة، واتخاذ قرارات خاطئة لتوزيع الموارد المائية واستهلاكها، وممارسة التهميش والتمييز بحقها على الرغم من امتلاكها ثروات طبيعية هائلة مثل النفط والغاز.