قبضة الرئيس وديمقراطية الـ99%

29 يوليو 2022
تُذكر قبضة سعيّد ببقية نماذج حكم القبضات (الأناضول)
+ الخط -

عاش جيل المصري خالد سعيد والتونسي محمد البوعزيزي، كبقية أجيال اليمن وسورية والعراق وليبيا، وغيرها، على وقع مشاهد مسرحية مكررة: الزعيم القوي ضرورة لأمانكم وازدهاركم.

ومنذ الانقضاض على انتفاضات الشارع طلباً للكرامة والحريات والعدالة، بمركزة قرارات ومصائر البشر بمزيد من الفساد المتعجل لالتهام آخر ما بقي من الأوطان، والاستهزاء بالجماهير، يصر البعض على تقديم "أبطال" لا يشبهونهم. ووقائع اليوم، فساداً وبطالة وانحسار العدالة، والغرق في طريق هجرة الأوطان، تعيد التذكير بمشاهد ما قبل بلاهة: "فهمتكم" في 2011، وقوة صرخة "بن علي هرب".

تطابق نتائج "99 في المائة"، والمسألة هنا ليست تونسية صرفة، صار محل سخرية عند الصحافة الغربية، إذ اختار بعضها بخبث تقديمها على نحو: "فوز دستور قيس سعيّد بنسبة 94 في المائة يؤسس لأوتوقراطية جديدة"، مرفقاً بشريط للرجل ملوحاً بقبضته لهاتفين له "بالروح بالدم نفديك".

عملياً تناسى الرجل، ومعه طبقة وراثة الحكم، أن 75 في المائة من التونسيين لم يصوتوا. ورغم أن المشهد لم يصل إلى عبثية البصم بالدم واستدعاء الموتى للتصويت، على طريقة سلالة الأسد السورية، لوجود قوى ومؤسسات تونسية تؤمن بما حققته ثورتهم، فإن قبضة سعيّد تذكرنا ببقية نماذج حكم القبضات، المتواصل بأساليب فرز الشعوب بين "أخيار وأشرار".

أسست قبضتا حافظ الأسد، ملوحاً لـ"الجماهير الغفيرة" من على شرفة قصر المهاجرين، لوقائع سجني تدمر والمزة، اللذين عجا أيضاً بعرب من غير السوريين، مثل ما أسستا عند معمر القذافي لسجن بوسليم وتبديد الثروات في تورم "الأنا" القذافية. في الحالتين، وبقية الحالات، ظلت دروس الخيانة والوطنية والإمبريالية تُستحضر لتعزز تصحر الأوطان وتجمد وقائعها وتدمر دولها، غروراً وهوساً بتأليه "القائد الملهم".

إجمالاً، فإن واقع أنظمة التحول إلى سلالات وراثية (كمنظومات) لم يغير استخدام القبضة، بكل ما فيها من انفصام الاستئساد على الشعوب، والوداعة والتملق أمام الغرب. فلعبة إظهار "القائد المفدى" متمدناً، ودساتيره "أكثر عدلاً ورقياً من الغربية"، بل شكواه علنية من "ثقافة عدم قابلية الشعوب" للديمقراطية ودولة القانون، يضعنا مرة أخرى أمام مقدمات متراكمة وسابقة لـ2011 و"الآن فهمتكم".

على كلٍ، الشعوب القريبة والبعيدة، من سريلانكا إلى أفريقيا وأميركا الجنوبية، ليست أكثر كرامة وإدراكاً من الإنسان العربي، الذي سئم مسرحيات تحويل أوطانه إلى إقطاعيات عسكرية-أمنية، وأوليغارشية متوحشة ومدمرة لأبسط أسس البقاء ومستقبل حياته. وحينها سيصعب عزف أسطوانة مشروخة عن "المؤامرة".

المساهمون