قانون مكافحة الإرهاب في العراق: التطبيق انتقائي

28 ديسمبر 2020
الدولة أضعف من المجموعات المسلّحة (فرانس برس)
+ الخط -

قانون مكافحة الإرهاب لم يطبّق على الجميع

نزل عناصر "العصائب" إلى شوارع بغداد للضغط على الحكومة

المالكي اعتمد على "المخبر السري" بين عامي 2006 و2014

بات قانون مكافحة الإرهاب في العراق، الصادر عام 2005، أسير التطبيق الانتقائي في السنوات الأخيرة، إذ طاول التنظيمات المتشددة مثل "القاعدة" و"داعش"، واستثنى المليشيات والجماعات المسلحة، حتى تلك المختلفة مع الحكومة. مع العلم أن النصّ الذي أُقرّ بموجبه القانون عرّف الإرهاب بـ"كل فعل إجرامي يقوم به فرد أو جماعة، أو منظمة، ويستهدف فرداً أو مجموعة أو مؤسسة". وبدا التطبيق الانتقائي واضحاً في استمرار تعامل السلطات العراقية مع مطلقي الصواريخ على المنطقة الخضراء، وتفجير العبوات الناسفة على الأرتال العسكرية التابعة للتحالف الدولي، بالإضافة إلى استهداف الناشطين المدنيين بالقتل والاختطاف. فقد أدرجت السلطات كل ذلك بموجب قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، الذي يشمل مختلف أنواع الجرائم ذات الطابع الاجتماعي، كالقتل المتعمد والخطأ، وما يُعرف بـ"غسل العار" والسرقة والخطف وغيرها.


تفعيل قانون مكافحة الإرهاب قد يتسبّب بإطاحة قادة ورموز في المشهد السياسي العراقي

وعاد الحديث عن انتقائية تطبيق القانون بعد موجة التهديدات والاستعراض المسلح في بغداد، لمليشيات "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله"، التي هددت أول من أمس السبت، بـ"قطع أذني" رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بسبب اعتقال الأجهزة الأمنية لعدد من المشتبه بهم بالهجوم على المنطقة الخضراء.

ورداً على ذلك، اعتبر عضو البرلمان العراقي، علي البديري، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن تفعيل القانون "قد يتسبّب بإطاحة قادة ورموز في المشهد السياسي العراقي"، مؤكداً أن قوة بعض الجهات باتت تفوق قوة أي جهاز في الدولة. ورأى أن "قوة مستخدمي السلاح القادرين على الاستهداف في أي وقت أقوى من أجهزة الدولة ولا يمكن لأحد محاسبتهم، والسبب وجود قَتَلَة ومجرمين لديهم إمكانيات كبيرة". وأوضح أن الأحداث التي شهدها العراق أخيراً مثّلت رسالة إلى الداخل والخارج مفادها بأن لا هيبة للدولة، في إشارة إلى القصف بصواريخ "كاتيوشا" الذي تعرضت له المنطقة الخضراء الحكومية المحصنة في بغداد، والتي تضمّ مقر السفارة الأميركية.

من جهته، اعتبر عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية السابق، القيادي في ائتلاف "الوطنية"، حامد المطلك، أن قانون مكافحة الإرهاب لم يطبّق على الجميع "لأن الدولة غير قادرة على فعل ذلك". وأضاف، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن الحكومات المتعاقبة عاجزة عن فرض هيبتها وسطوتها التي تمكّنها من فرض مفردات القانون على الجميع. ورأى أن الحكومة ضعيفة لأنها واقعة تحت سيطرة جهات خارجية، وقوى متنفذة تمتلك السلاح وتتصرف كما تشاء بأموال ودماء العراقيين. ولفت إلى أنه "لو كانت الحكومة قادرة على تطبيق قانون مكافحة الإرهاب، لكانت حاكمت هذه الجهات والجماعات، وطبقت القانون بحقهم".

وأشار المطلك إلى أن "الخوف من هذه الجماعات وضعف أجهزة الدولة وعدم القدرة على فرض القانون، أمور تسبّبت في تطبيق قانون مكافحة الإرهاب بانتقائية"، مضيفاً أن "الدولة ضعيفة وغير قادرة على الاحتكاك مع المتنفذين والمتسلطين الذين استباحوا الدم العراقي، واستباحوا سيادة الدولة ومستقبل الشعب، لذا فإنها عاجزة عن اتخاذ أي إجراء قانوني ضدهم".

وشهد العراق ليل الجمعة الماضي توتراً بعد نزول عناصر في مليشيا "عصائب أهل الحق" إلى شوارع العاصمة بغداد، للضغط على الحكومة من أجل إطلاق سراح القيادي في المليشيا حسام الأزيرجاوي، الذي اعتقلته السلطات العراقية لتورطه في عمليات قصف للمنطقة الخضراء. إلا أن الحكومة لم تعلن أنها ستتعامل مع هذا الفعل على أنه "عمل إرهابي"، وأن "مرتكبيه سيحاكمون وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب"، كما يحدث عادة مع المعتقلين في محافظات شمال وغرب العراق، المتهمين بالانتماء لتنظيم "داعش" أو التعاون معه.

وتقضي المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، بالحكم بالإعدام على كل "من ارتكب أو شارك في عمل إرهابي". كما يُعاقب المحرّض والمخطط والمموّل بعقوبة الفاعل الأصلي. ويعاقب بالسجن المؤبد كل من أخفى متعمّداً أي عمل إرهابي، أو شخص إرهابي بهدف التستر. 


لم تطبّق الحكومة قانون مكافحة الإرهاب بحق قادة وعناصر المليشيات

واعتبر مسؤول سابق في الحكومة المحلية لمحافظة نينوى، شمالي العراق، طلب عدم ذكر اسمه، أن "الجميع يرغب بأن يكون القانون هو المتسيّد في العراق من أجل تحقيق العدالة والاقتصاص من القتلة والمجرمين، إلا أن ذلك لم يحدث في ما يتعلق بقانون مكافحة الإرهاب". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "لا أحد ينكر أن القانون يُطبّق أحياناً على القَتَلَة الحقيقيين، غير أنه تسبّب بظلم للآلاف بسبب وشايات وبلاغات كاذبة". وشدّد على أن "العدل يتطلب تطبيق القانون على الجميع، على إرهابيي داعش، وعلى القَتَلَة من عناصر المليشيات، وعلى قَتَلَة المتظاهرين، وعلى كل من سفك دماء العراقيين وأثار الرعب في نفوسهم".

ولفت المسؤول نفسه إلى أن "غياب التطبيق العادل لقانون مكافحة الإرهاب لا يقتصر على الحكومة الحالية، بل يمتد إلى الحكومات السابقة، خصوصاً ولايتي رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2006 ـ 2014) التي اعتمدت على (المخبر السري) الذي تسبب بزج الآلاف في السجون من دون وجه حق". يُذكر أنه نتج عن وشايات "المخبر السري" اعتقالات واسعة بناءً على تهم كيدية تم التحقق من بطلان كثير منها لاحقاً، إلا أن عدداً غير قليل من الضحايا  تضرروا بعد أن صدرت بحقهم أحكام مختلفة.

من جهته، اعتبر المحلل أحمد النعيمي، أن "انتقائية تنفيذ القانون في العراق جعله كأنه متخصص بالجماعات المسلحة الناشئة في بيئة معينة دون أخرى"، عازياً ذلك إلى "طائفية النظام السياسي". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الموضوع ليس وليد اليوم، ويمكن مُلاحظة ذلك من خلال تعامل الدولة مع الأمر منذ عمليات صولة الفرسان في البصرة بالمواجهات بين الصدريين وحكومة نوري المالكي عام 2008، التي وصفتها بأنها لضبط القانون، لا عملية بمواجهة الإرهاب". ولفت إلى أن "الأمر لا يزال مستمراً حتى مع عمليات استهداف المليشيات للمتظاهرين وقتل الناشطين وخطفهم، وصولاً إلى إطلاق صواريخ كاتيوشا". وشدّد على أنه "لو تم التعامل معهم وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب، المعروف بحدّته، لما وصلت النتيجة إلى استدعاء رئيس الوزراء لواءين من الجيش والشرطة الاتحادية لحماية استقرار بغداد من فصائل مسلحة، أصرّت الحكومات المتعاقبة على أنها جزء من مؤسسات الدولة الأمنية ضمن الحشد الشعبي".

المساهمون