شارك قادة أركان جيوش أربع دول من الساحل الأفريقي (الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا) في اجتماع لجنة الأركان العملياتية المشتركة، الذي عُقد على مدار اليومين الماضيين في العاصمة الجزائرية، لبحث آليات عمل اللجنة وزيادة مستويات التنسيق الأمني والعسكري، وإعادة تطوير هيئة تنسيق العمليات والتعاون الأمني المشترك لمكافحة الإرهاب في الساحل.
ووافق قادة الجيوش الأربعة على مسودتين لمقترحات تقدمت بها الجزائر، لإعادة تنشيط هيئة التعاون والتنسيق العملياتي، وتنشيط هيئة الأركان والعمليات المشتركة، بهدف تشكيل ديناميكية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، والقضاء على كافة "الآفات الخطيرة" واجتثاثها نهائيا من المنطقة.
وعُقد الاجتماع، الذي وصفه بيان وزارة الدفاع الجزائرية "بغير العادي"، بمبادرة من الجزائر، بمشاركة قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحةّ، وقائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية الفريق المختار بله شعبان، ورئيس أركان الجيوش المالية اللواء عومار ديارا، بالإضافة إلى رئيس الأركان العامة للجيوش النيجرية اللواء ساليفو مودي.
ويأتي الاجتماع في ظل تنامٍ لافت لنشاط المجموعات الإرهابية، خاصة في شمال مالي والنيجر، إضافة إلى تفاقم عمليات تهريب السلع، وكذا أنشطة شبكات الهجرة غير الشرعية، والإجرام، وتجارة المخدرات، وهدَف الاجتماع لتعزيز التنسيق وتبادل المعلومات في مجال مكافحة الإرهاب وشبكات الجريمة التي تنشط في منطقة الساحل.
وقال رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة إنّ "اجتماعنا هذا سيساهم في إعادة تنشيط هيئة التعاون الأمني هذه، من خلال إعادة تكييف مهامها وتنظيمها، بغرض ضمان نجاعتها ودوامها، وكذا تكثيف التعاون بين بلداننا وجيوشنا، وتقريب وجهات نظرنا، وتوحيد جهودنا لضمان أمن المنطقة"، مضيفا أنّ "هذا اللقاء سيشكل فرصة لتقييم مشترك حول الوضع الأمني السائد في منطقتنا، ووضع ديناميكية مشتركة وفعالة للتعاون والتنسيق العملياتي، بشكل يترجم تطلعات شعوب المنطقة إلى السلم والأمن والتنمية، من خلال تكثيف التعاون وحسن الجوار بين بلدان وجيوش المنطقة، وذلك عبر أعمال مدروسة، تهدف أساسا إلى احتواء نشاطات الجماعات الإرهابية والإجرامية، وتعزيز صمود الشعوب في مواجهة تهديد هؤلاء المجرمين، لا سيما من خلال التحكم في الميدان، من أجل السيطرة الدائمة على محاور تنقل الجماعات الإرهابية ومعاقلها السابقة".
وأُنشئت لجنة الأركان العملياتية المشتركة بين جيوش الدول الأربع في 13 إبريل/نيسان عام 2010، ومقرها يقع في مدينة تمنراست جنوبي الجزائر، وأُنشئت لاحقا خلية استعلامات مشتركة "تتكفل بمهمة جمع المعلومات والمعطيات الاستخباراتية وتحليلها في ما يتعلق بتحركات مسلحي "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي في منطقة الساحل، وكذا تهدف إلى تعزيز التنسيق الأمني والميداني والمعلوماتي.
وأكد قادة جيوش مالي والنيجر وموريتانيا الحاجة إلى اعتماد مقاربات أمنية أكثر نجاعة في مجال مجابهة مختلف أشكال التهديدات الأمنية، على رأسها مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، بالإضافة إلى الهجرة غير الشرعية.
بينما أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال استقباله، أمس الخميس، رؤساء أركان الدول الأعضاء في لجنة الأركان العملياتية المشتركة، "عزم الجزائر تقديم المزيد من المرافقة والمساعدة لدول الساحل، والارتقاء بها إلى مستوى تطلعات شعوب المنطقة، داعيا المجتمع الدولي لتحمل مسؤوليته في المنطقة طبقا لقرارات منظمة الأمم المتحدة. كما حثّ القادة العسكريين إلى "السعي الدائم للمساهمة في إرساء موجبات الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة، بالاستفادة من مستوى العلاقات التاريخية والأخوية التي تربط بين دول أعضاء اللجنة".
وحضر لقاء الرئيس الجزائري مع قادة جيوش دول الساحل كل من سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وسفير ألمانيا في الجزائر، والمنسق المقيم لمنظمة الأمم المتحدة، وممثل الاتحاد الأفريقي بالجزائر.
ويصف الباحث المتخصص في الشؤون الأمنية في منطقة الساحل حسام عيسى هذا الاجتماع "بالضروري والمهم"، مضيفا في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ "هنالك مساعي لتشكيل ما يمكن تسميته بـ"ناتو" مصغر بين دول الساحل التي تتقاسم نفس الحدود، وتتقاسم نفس المشكلات الأمنية الناتجة عن ظروف المنطقة الصحراوية، وأزمات التنمية التي تتداخل مع مشكلات الأمن والإرهاب والتهريب وغيرها، بسبب هشاشة سياسات التنمية للدولة الوطنية في دول الساحل عموما، وهي مشكلات لا يمكن حلها من دون تعاون وتنسيق مشترك بين هذه الدول"، موضحا أنّ "هنالك حاجة لمراجعة عمل اللجنة العملياتية المشتركة بين الدول الأربع، خاصة مع الانسحاب الفرنسي، وفشل مبادرة مجموعة الساحل التي كانت تقودها باريس منذ عام 2013"، لافتا إلى أنّ "الجزائر تملك في الوقت الحالي كل العوامل التي تمكنها من قيادة هذا الناتو المصغر في المنطقة، خاصة أنها تعمل على ثلاثة محددات أساسية مترابطة، وهي التركيز على التنمية والأمن، واستبعاد الوجود الأجنبي، واحترام الخصوصيات المحلية للمنطقة".