في يوم مساندة ضحايا التعذيب.. شهادات صادمة من سجون الاحتلال

27 يونيو 2024
سجن من سجون الاحتلال الإسرائيلي (أحمد غرابلي/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تقرير صادر عن هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني يكشف عن ارتفاع قياسي في أعداد الشهداء من الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، معتبراً التعذيب جريمة ممنهجة منذ احتلال فلسطين.
- الإعلان بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب يؤكد أن التعذيب يشكل جزءاً أساسياً من السياسة الاستعمارية الإسرائيلية، متجاوزاً التعريف الدولي لجريمة التعذيب.
- شهادات عن التعذيب النفسي والجسدي في سجون الاحتلال تدعو إلى فتح تحقيق دولي محايد، مشيرة إلى استخدام أساليب تعذيب قاسية تؤدي إلى استشهاد وإصابة المعتقلين.

أكدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية ونادي الأسير الفلسطينيّ، أنّ أعداد الشهداء بين صفوف الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيليّ الذين استشهدوا نتيجة التعذيب منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على غزة، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، هي الأعلى في تاريخ الحركة الأسيرة.

وأشارت الهيئة والنادي في بيان صحافي، في اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، إلى أن تلك الإحصائيات تأتي استنادًا إلى عمليات التوثيق المعتمدة لدى المؤسسات المختصة منذ عام 1967، مع التأكيد أنّ منظومة الاحتلال الإسرائيليّ انتهجت جريمة التّعذيب بحقّ الأسرى والمعتقلين منذ احتلالها لأرض فلسطين. وقد بلغ عدد الشهداء الذين أُعلن عنهم منذ بدء حرب الإبادة من قبل المؤسسات المختصة (18) شهيداً على الأقل، إلى جانب العشرات من معتقلي غزة الذين ارتقوا في سجون الاحتلال ومعسكراته، ولم يفصح عن هوياتهم.

وأضافت الهيئة والنادي بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التّعذيب، الذي يصادف السادس والعشرين من يونيو/ حزيران من كل عام، أنّ جريمة التّعذيب كسياسة شكّلت أساساً للبنية الاستعمارية الإسرائيليّة، وقد مارس الاحتلال هذه الجريمة نهجاً، وعمل على تطوير العديد من الأدوات والأساليب لترسيخها، وتعدّت التّعريف عبر هذه الأساليب الذي اعتمدته المنظومة الحقوقية الدّولية لجريمة التعذيب، المتمعن في تفاصيل الظروف والحياة الاعتقالية التي يعيشها الأسرى والمعتقلون منذ عقود في سجون الاحتلال الإسرائيليّ، وكذلك سياقات السّياسات، والجرائم، والانتهاكات الجسيمة، فإنّ كل حقّ أقرته المنظومة الدّولية للأسرى، عمل الاحتلال على تحويله إلى أداة تعذيب، عبر سلب الأسير هذا الحقّ وحرمانه إياه بشتى الوسائل.

ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية بحقّ الشعب الفلسطيني في غزة، ومع تصاعد عمليات الاعتقال التي طاولت أكثر من (9400) مواطن من الضّفة الغربية، إلى جانب الآلاف من المواطنين من غزة، والمئات من فلسطينيي الأرض المحتلة عام 1948، تصاعدت عمليات التّعذيب بشكل غير مسبوق في مستواها وكثافتها، التي عكستها عشرات الشهادات التي تابعتها المؤسسات المختصة، هذا إلى جانب صور المعتقلين الذين يُفرَج عنهم، وقد شكّلت شاهداً إضافياً.

شهادات صادمة عن التعذيب في سجون الاحتلال

وقد تضمنت شهادات المعتقلين أساليب التّعذيب النفسيّ والجسديّ، التي تبدأ فعليًا منذ لحظة الاعتقال الأولى من خلال طريقة الاعتقال الوحشية وعمليات الترهيب الممنهجة، والضرب المبرّح، والتقييد الذي يتعمدون من خلاله التسبب بألم شديد في أطراف المعتقل، إضافة إلى عمليات الشبح، والاحتجاز في معسكرات ومراكز توقيف وتحقيق في ظروف مذلّة ومهينة وحاطّة بالكرامة الإنسانية، وتوجيه الشتائم والكلمات النابية التي تمسّ المعتقلين وعائلاتهم، والتحقيق معهم لمدد طويلة وحرمانهم النوم، إلى جانب الاعتداءات الجنسيّة، بما فيها جرائم الاغتصاب، وقد سببت عمليات الضرب المبرّح والتّعذيب الشديد إلى جانب استشهاد أسرى ومعتقلين، إصابة المئات من المعتقلين بكسور، وتحديداً في الأضلاع، وتركهم دون علاج. 

وشكّلت روايات وشهادات معتقلي غزة في سجون الاحتلال المحطة الأبرز في عكس تصاعد مستوى جرائم التّعذيب، وكان معسكر (سديه تيمان) عنوانًا لجرائم التّعذيب، وهو يشكّل محطة واحدة من سلسلة سجون ومعسكرات أخرى. وأشارت الهيئة والنادي إلى أن سجن (النقب) لا يقلّ فيه مستوى الشهادات حول التّعذيب التي حصلت عليها المؤسسات من المعتقلين والمفرج عنهم، عن مستوى شهادات المعتقلين في معسكر (سديه تيمان)، وقد يكون هناك سجون سرّية غير معلنة يمارس فيها الاحتلال عمليات تعذيب وقتل بحقّ الأسرى والمعتقلين. 

وأشارت الهيئة والنادي إلى الكيفية التي حوّل الاحتلال فيها مرض (الجرب - السكايبوس) إلى أداة للتنكيل وتعذيب الأسرى جسدياً من خلال حرمانهم العلاج، والإبقاء على المسببات الأساسية لانتشار المرض بين صفوف الأسرى، وتحديدًا في سجن (النقب).  

كلاب بوليسية في كل مكان

واستعرض النادي والهيئة بشكل مقتضب بعض الشهادات التي عكست عمليات التّعذيب الممنهجة، وأبرزها شهادة المعتقل الصحافي محمد عرب في معسكر (سديه تيمان) الذي تمكّن المحامي من زيارته أخيراً. وأوضح البيان، استناداً إلى شهادة الأسير الفلسطيني، أن "إدارة معسكر (سديه تيمان) تُبقي المعتقلين مقيدين على مدار 24 ساعة، ومعصوبي الأعين، فمنذ أكثر من خمسين يوماً لم يبدل محمد ملابسه، وقبل الزيارة فقط سُمح له باستبدال بنطاله، بينما بقي بسترة لم يستبدلها منذ خمسين يوماً".

وأضاف: "يتعرض المعتقلون لعمليات تعذيب، وتنكيل، واعتداءات بمختلف أشكالها ومنها اعتداءات جنسية، ومنها عمليات اغتصاب، أدت مجملها إلى استشهاد معتقلين، كذلك عمليات الضرب، والتّنكيل، والإذلال، والإهانات لا تتوقف، ولا يُسمح لأي معتقل بالحديث مع أي معتقل آخر، ومن يتحدث يُعتدَ عليه بالضرب المبرّح، حتى أصبح المعتقلون يتحدثون مع أنفسهم، ويستمرون بالتسبيح والدعاء في سرهم، وهم محرومون الصلاة، وممارسة أي شعائر دينية، فهم محاطون بالكلاب البوليسية على مدار الوقت، ويُسمح لكل أربعة معتقلين باستخدام دورة المياه لمدة دقيقة، ومن يتجاوز الوقت يتعرض (للعقاب)، وينامون على الأرض، ويستخدمون أحذيتهم مخدات للنوم، وبالنسبة إلى الاستحمام فإنّ الوقت المتاح مرة واحدة في الأسبوع لمدة دقيقة، ويُمنع النوم خلال النهار، أما على صعيد الطعام فهو عبارة عن لقيمات من اللبنة، وقطعة من الخيار أو البندورة، وهي الوجبة التي تقدم إليهم على مدار الوقت، كذلك العديد من المرضى والجرحى بُترت أطرافهم، وأُزيل الرصاص من أطرافهم دون تخدير". 

وفي شهادة مجموعة من الأسرى في معتقل (عصيون) الذي شكّل كذلك محطة لجرائم التّعذيب والإذلال، "تعرض أحد الأسرى المرضى للإغماء عدة مرات، فنادى الأسرى الجنود لمساعدته، إلا أنهم اقتحموا الغرف وضربوهم وألقوا أغطيتهم خارج الغرف وأجبروهم على خلع ملابسهم وتركوهم في البرد الشديد عقاباً لهم وهم عراة، وكان رد إدارة السّجن بعد ذلك (خليه يموت)". 

تهديد بالاغتصاب

وقالت أسيرة فلسطينية، في شهاداتها: "لقد هُدِّدتُ باغتصابي، وجدد المحقق تهديده لي بالاغتصاب، وأني سأُسجَن لسنوات، وشتموني بأقذر الشتائم، وطوال الوقت قُيِّدتُ بقيود مزدوجة بالأيدي والأرجل، وكانت محكمة بشدة، ومُنعتُ من الذهاب لاستخدام دورة المياه، وصوّروني دون إذن، كذلك تعرضت للتفتيش العاري، ووُضعتُ في ظروف احتجاز قاسية جداً في سجن (هشارون)، وتعمدت السجانات وضع ملابسي على باب الحمام، وكانت هناك صعوبة بالغة في جلبها بعد التفتيش لوجود سجانين بالخارج". 

وجدّدت هيئة الأسرى ونادي الأسير مطالبتهما بضرورة فتح تحقيق دولي محايد بشأن الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي مورست بحقّ المعتقلين والأسرى في سجون الاحتلال ومعسكراته، باعتبارها وجهاً من أوجه الإبادة المستمرة بحقّ الشعب الفلسطيني في غزة، وذلك على الرغم من الصورة القاتمة التي تلف المنظومة الحقوقية الدّولية، وحالة العجز المرعبة التي سيطرت على صورتها، أمام الجرائم والفظائع التي مارسها الاحتلال منذ بدء حرب الإبادة حتى اليوم، والتي تشكل في جوهرها مساساً بالإنسانية جمعاء.

في سياق آخر، قال نادي الأسير الفلسطيني، في بيان منفصل، إنّ سياسة التّجويع الممنهجة تشكّل اليوم إحدى أبرز السياسات التي ينتهجها الاحتلال بحقّ الأسرى منذ بدء حرب الإبادة المستمرة بحقّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والتي مسّت بمصير الأسرى مباشرةً، وبأوضاعهم الصحيّة، وكانت من الأسباب المباشرة التي أدت إلى استشهاد عدد منهم، إلى جانب عمليات التّعذيب الممنهجة، وسببت إصابة العديد من الأسرى بمشاكل صحيّة مزمنة.

ولم تقتصر سياسة التّجويع على الأسرى البالغين في سجون الاحتلال، بل مسّت الأطفال والنساء والمرضى، بمن فيهم مرضى بحاجة إلى تغذية معينة، إضافة إلى أسيرات حوامل جرى اعتقالهنّ لا يوفر لهنّ الطعام المناسب، إلى جانب احتجازهن في ظروف مأساوية وقاسية.

وكانت إدارة سجون الاحتلال منذ بدء حرب الإبادة، قد حرمت الأسرى (الكانتينا) التي كانوا يعتمدون عليها بشكل أساس لتوفير الطعام المناسب لهم قبل الحرب، وكان ذلك على نفقتهم الخاصّة، وكانت إدارة السّجون فقط توفر وجبات سيئة كمّاً ونوعاً، إلا أنها لا تقارن بمستوى اللقيمات التي تقدم اليوم، وكان الأسرى على مدار السنوات الماضية يعملون على إعادة طهوها، وتعمدت إدارة السّجون في الفترة الأولى للحرب على سحب ما تبقى من الأسرى من طعام داخل (زنازينهم-الغرف).