يمكن القول ومن دون مجازفة إنه لو أتيح للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أن يحتفل بمرور سنة على "اتفاقيات أبراهام" (15 سبتمبر/أيلول)، التي كان عرّابها واستضاف التوقيع عليها في البيت الأبيض بين إسرائيل وكلٍ من دولة الإمارات ومملكة البحرين؛ لكان قد أحيا المناسبة بعرس سياسي. ولكن مع إدارة بايدن لم يحصل شيء من هذا القبيل.
مرّت الذكرى بأدنى حدّ من الحضور والأضواء، وفي الغالب من باب رفع العتب. فالرئيس من البداية غير متحمس لها، وقد أعطى أكثر من إشارة في هذا الاتجاه. وفي الأشهر الأولى استبدلت إدارته، وخاصة وزارة الخارجية، اسم "أبراهام" بكلمة "التطبيع". ليس لأن الرئيس ضد هذه الاتفاقيات أو معترضا عليها من حيث المبدأ؛ بل لأنها من تركة خصمه اللدود ترامب. وربما لأنه كان يحبذ تمريرها على يده طمعاً بثمن أو باختراق ما ينزل في رصيده.
ولذلك اقتصر التذكير بهذه الاتفاقات على نشاطات رمزية متواضعة مع تشديد الإدارة على حل الدولتين، لكن من دون التزامها بالعمل على تحقيقه. تماماً كما فعلت الإدارات المتعاقبة منذ أوسلو.
وقد افتتحت هذه النشاطات يوم الثلاثاء بمشاركة مسؤول من الدرجة الرابعة في وزارة الخارجية، نائبة مساعد الوزير، في حفل أقامته بهذه المناسبة "مؤسسة اتفاقيات أبراهام للسلام"، التي يرأسها جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب. وسبقته ندوة حول الموضوع يوم الإثنين، نظمها "مركز وودرو ولسون" للدراسات والأبحاث في واشنطن، شارك فيها سفيرا الإمارات والبحرين ونائب السفير الإسرائيلي بواشنطن وسفير إسرائيل في الأمم المتحدة، من دون مشاركة أحد من الإدارة.
وأعلنت وزارة الخارجية أمس عن لقاء عبر الفيديو يوم الجمعة 17/9 بين الوزير بلينكن ونظرائه الإماراتي والبحريني والإسرائيلي، لتبادل الحديث عن تجربة السنة الأولى، "وكيفية تعميق الروابط وتحقيق المزيد من الازدهار للمنطقة".
وتردد أن هذا الموعد جرى ترتيبه على عجل بناء على طلب إسرائيلي بعد أن كان خارج مواعيد الوزير لهذا اليوم، وبما فرض تأخيره يومين بعد تاريخ الذكرى.
وقد تكرر هذا الخطاب الإنشائي الأربعاء، في المؤتمر الصحافي في الخارجية، والذي خصص المتحدث برايس مقدمته للتنويه بأهمية هذه الاتفاقيات "كدليل على أن السلام ممكن ويستحق السعي الشجاع لتحقيقه". وعندما سئل عن طبيعة هذا السلام وتصور الإدارة للطرق المؤدية إليه، لم يكن لديه سوى لغة الوعود الخاوية من نوع أن الإدارة عازمة على "مواصلة السياسات التي تساعد على تحقيق الغرض المنشود، الذي يمكّن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي من التمتع المتساوي بالحرية والأمن والكرامة".
وتعترف الإدارة بأن "اتفاقيات أبراهام ليست بديلاً عن إحراز التقدم الفلسطيني الإسرائيلي المطلوب نحو تحقيق هدف الدولتين"، الذي تقول إنها تسعى إلى بلوغه. لكنها تسارع إلى الاستدراك بأن "الشروط اللازمة غير متوفرة في الظرف الراهن لدخول الطرفين في مفاوضات مباشرة يمكن أن تؤدي إلى تحقيق اختراق قريب".
ويُذكر في هذا المجال أنه خلال زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت لواشنطن في أواخر أغسطس/آب الماضي ولقائه بالرئيس بايدن؛ جرى التوافق على تنظيم التباينات والتعاطي معها بالتشاور والتواصل بين الجانبين، خلافاً لما كانت عليه الأمور في زمن نتنياهو. وبدا من سياق الحديث والمداولات أن ثمة مقايضة جرت بين الاثنين، وتقضي بأن "تبلع" إسرائيل اعتراضها على أي اتفاق نووي مع إيران، مقابل تجميد الإدارة للوضع الفلسطيني–الإسرائيلي عند نقطته الراهنة.
وتصريح وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس الثلاثاء، بأن إسرائيل على استعداد للتعايش مع العودة إلى اتفاق 2015، معطوفاً على كلام برايس بأن اللحظة الراهنة لا تسمح بالعودة إلى المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية؛ يعزز وجود مثل هذه المقايضة. لكن وجودها في النهاية أو عدمه لا يغير في الواقع شيئاً. في 2014 حزم الرئيس أوباما أمره ومعه نائبه بايدن آنذاك، وقرر اقتحام ساحة الحل بتكليف وزير خارجيته جون كيري قيادة فريق متخصص لإنجاز تسوية فلسطينية إسرائيلية خلال تسعة أشهر. لكن المحاولة انتهت كسابقاتها إلى طريق مسدودة، وارتضى أوباما الهزيمة.
أما الرئيس بايدن، فقد نأى حتى الآن عن تعييين مبعوث خاص للملف الفلسطيني الإسرائيلي رغم اعترافه بالاحتلال الإسرائيلي للضفة. وهو يعرف النتيجة سلفاً، ولا يبدو أنه على استعداد لاعتماد الصيغة التي لخصها مرة المستشار والخبير الاستراتيجي زبغنيو بريجنسكي، بأن المفاوضات الثنائية بين إسرائيل والفلسطينيين لن تؤدي إلى شيء؛ لأن الأولى "قوية جداً ومنقسمة، والفلسطيني ضعيف جداً ومنقسم"، المخرج الوحيد برأيه "أن تطرح واشنطن خريطة الحل، وتحمل الطرفين على القبول". وصفة لم يقترب منها أي رئيس سابق، ولن يعتمدها بايدن حتى لو أوحى حديثه بالجدية بشأن الدولتين، كما كان الوزير كيري. لكن النية وحدها لا تكفي!