بحكم طبيعتها من حيث هي استعمار استيطاني إحلالي، استمرت مسألة التفوق الديمغرافي للعرب الفلسطينيين خطراً وجودياً استراتيجياً على إسرائيل، التي سعت منذ قيامها إلى قلب موازين القوى البشرية وطرد الفلسطينيين من الجغرافيا، والتاريخ أيضا، ومن هنا تكتسب ذكرى يوم الأرض معناها العميق.
وحتى السبعينيات من القرن الماضي لم يستطع فلسطينيو الأراضي المحتلة في العام 1948 مواجهة سياسات الاستيطان الإسرائيلي أو الاحتجاج الجماعي ضدها، بسبب الحكم العسكري والقبضة الأمنية والعزلة، وعدم تبلور حركة سياسية قوية بين الفلسطينيين. تغيرت الحال في فبراير/ شباط 1976 حين أرادت حكومة إسحق رابين تفعيل قانون "تهويد الجليل" بمصادرة 21 ألف دونم في النطاق الجغرافي لقرى سخنين وعرابة ودير حنا وعرب السواعد. اجتمعت "لجنة الدفاع عن الأراضي"، التي تشكلت قبل عام من ذلك التاريخ، لبحث سبل التصدي للقرار، وأعلنت إضرابا شاملا لمدة يومين في الـ30 من مارس/ آذار. استخدمت إسرائيل المدرعات لاقتحام القرى الفلسطينية، وسقط 6 شهداء وعديد من الجرحى في عرابة وسخنين دفاعا عن الأرض الفلسطينية.
أحيا الفلسطينيون هذا العام الذكرى الـ46 ليوم الأرض بمهرجانين مركزيين، أحدهما في قرية سعوة مسلوبة الاعتراف في النقب، والثاني في مثلث يوم الأرض في البطوف في قرية دير حنا، إضافة إلى برامج وأنشطة في مختلف البلدات، وخصصت ساعة في المدارس لشرح معاني "يوم الأرض"، وسط سياسة إسرائيلية ممنهجة متواصلة لخنق البلدات العربية استيطانيا، وحرمانها من توسيع مناطق نفوذها لتتمدد بشكل طبيعي، مع محاولات حثيثة نحو الأسرلة والتهميش للبلدات العربية، وفي ظل تصعيد شرس على الأراضي العربية في النقب، وحصار أشد على البلدات العربية مسلوبة الاعتراف.
فلسطينيا، تأتي هذه الذكرى في ظل انقسام سياسي مستمر أدى إلى شبه انهيار تام للحالة السياسيّة الفلسطينيّة، وهو ما بدأ في السنوات الأخيرة يفرض أثرا ملحوظا على الهوية الفلسطينية في الداخل المحتل، خصوصا مع بروز توجّهات تؤيّد واقع "الدولة" على حساب الهويّة والانتماء، والابتعاد أو التنازل عن المطالب السياسية الجماعية للمجتمع الفلسطيني، ومعالجة اليومي المعاش من دون ربطه بالمسألة القومية ولا بطبيعة وجوهر دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ولا يبدو الأمر مفاجئا مع غياب فلسطينيي الداخل عن أي سياق سياسي يستهدف هويتهم الوطنية والقومية التي تُصاغ في الساحة السياسية الفلسطينية، وعجزهم عن التأثير فيه. فبما أنهم لا يؤثّرون على النظام السياسيّ الإسرائيليّ، وجدوا أنفسهم ينوسون بين واقع دولة الاحتلال الإداري والقانونيّ، وبين هويّتهم الوطنية الفلسطينية.
الذكرى الـ46 ليوم الأرض هي وقفة مع الذات فلسطينيا لنتأمل خياراتنا السياسية، وخساراتنا أيضا.