بحلول اليوم الأربعاء، تكون 4 سنوات كاملة قد مرّت على انطلاق حراك الريف في المغرب، دون أن تتحقق إلى حدود الساعة المصالحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الدولة ومنطقة الريف ( شمال المغرب) رغم توالي المؤشرات بإمكانية حدوث انفراج.
وشكل مصرع بائع للسمك يدعى محسن فكري مسحوقاً داخل شاحنة للقمامة كان قد صعد إليها لاسترداد بضاعته المصادرة من طرف السلطات المحلية، في ليلة 28 أكتوبر/تشرين الأول 2016، الشرارة الأولى لاندلاع حراك الريف، بعد أن نظم شباب غاضبون وقفة احتجاجية اضطرت محافظ الإقليم ومسؤولاً قضائياً بارزاً إلى النزول للشارع من أجل التفاوض معهم.
ومنذ تلك الليلة عمت الاحتجاجات مدينة الحسيمة ومناطق مجاورة لها، لتتحول من مطلب محاكمة المتسببين الحقيقيين في مصرع بائع السمك، إلى مطالب أكبر وأشمل، تتضمّن رفع التهميش وما يسمى العسكرة الأمنية عن الحسيمة، وتنفيذ مشاريع تنموية في مجالات التعليم والصحة والتشغيل.
وعرفت الاحتجاجات، لا سيما في مدينة الحسيمة، زخماً بشرياً لشهور عدة، وشملت تظاهرات شهدت مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن، انتهت باعتقال العشرات من الناشطين أبرزهم ناصر الزفزافي، قبل أن تخف حدة هذه الاحتجاجات، ويبقى التركيز على محاكمات المعتقلين.
وفي الوقت الذي جرت فيه مياه كثيرة تحت الجسر الرابط بين منطقة الريف والعاصمة الرباط، يبقى إطلاق سراح ما تبقى من معتقلين، وعلى رأسهم قائد الحراك الزفزافي، وتحقيق الملف المطلبي للحراك، والاعتذار عن "الانتهاكات لحقوق الإنسان التي تعرّض لها المعتقلون"، من المطالب الرئيسة التي يرفعها حقوقيون وجمعية عائلات المعتقلين، من أجل تحقيق تقدّم ملحوظ في مسار حلحلة الملف، الذي يدخل سنته الرابعة.
وقبل أسابيع على حلول ذكرى انطلاق الحراك توالت الإشارات بإمكانية حدوث انفراجة وتجاوز "سوء الفهم الكبير" بين الدولة والريف، والذي يمتد إلى السنوات الأولى لخروج المغرب من نير الاستعمار؛ كان من أبرزها تضمن قوائم العفو الملكي الصادر في 30 يوليو / تموز بمناسبة عيد العرش (جلوس الملك على العرش)، أسماء 24 معتقلا من الحراك، ويتعلّق الأمر بمعتقلين كانوا يقضون عقوبات حبسية أقلّ من عشر سنوات. فيما يقدّر عدد من لا يزالون في السجن على خلفية "حراك الريف" بحوالي 23 معتقلا.
عرفت الاحتجاجات، لا سيما في مدينة الحسيمة، زخماً بشرياً لشهور عدة، شملت تظاهرات شهدت مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن، انتهت باعتقال العشرات من الناشطين أبرزهم ناصر الزفزافي
كما أعاد إعراب قائد حراك الريف في المغرب، ناصر الزفزافي، خلال الأسابيع الماضية، عن استعداده للحوار مع الدولة، إلى الواجهة، التساؤل حول إمكانية الدفع نحو حلحلة ملف هذا الحراك، وإيجاد تسوية نهائية تحقق المصالحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الدولة ومنطقة الريف.
وبالتوازي مع إطلاق الزفزافي الدعوة إلى الحوار مع الدولة لطيّ صفحة "سوء الفهم الكبير"، بدا لافتا أن التبعات الحقوقية التي تركها تعامل الدولة مع الحراك على صورة المغرب دولياً، تدفع في اتجاه طي الصفحة وتحقيق المصالحة. وعلى الرغم من أن الدولة ما زالت تتحكّم في الملف بشكل كامل، وتصرّف مواقفها بنحو متدرج حسب ردود الفعل، كما تؤكد تكريس هيبتها وإبراز عدم خضوعها للمطالب والضغوط، إلا أن حل ملف الحراك دخل، بحسب بعض المراقبين، مرحلة جديدة من التعاطي مع العفو الملكي الأخير بمناسبة عيد العرش، عنوانها البحث عن مخرجات نهائية للملف بعدما وصل إلى طريق مسدود، في ظل فشل كل مبادرات الوساطة في تحقيق مطالب الزفزافي ورفاقه.
ويتوقع الناشط الحقوقي خالد البكاري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يشهد ملف الحراك انفراجا على الأقل قبل الانتخابات المقررة صيف 2021، لافتا إلى أن ثمة مؤشرات على ذلك يرتبط أولها بالعفو الأخير بمناسبة عيد العرش، والذي شمل لأول مرة أسماء بارزة في الحراك (لشخم، الحنودي، المجاوي، المخروط، اعمراشا، الأصريحي، حودو، الأبلق). ويتمثل المؤشر الثاني في تجميع ما تبقى من معتقلين محسوبين على قيادة الحراك بسجن طنجة (الزفزافي، أحمجيق، جلول أساسا) ، فيما يكمن الثالث في تحول لافت في نبرة ممثلين للدولة والأحزاب وصحافة موالية للسلطة لجهة طي الملف.
ويرى الناشط الحقوقي أن حراك الريف، في السنة الرابعة لانطلاقه، وإن كان يعرف ميدانيا انحسارا وانحباسا لأسباب كثيرة يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي، لكنه قائم سياسيا وحقوقيا باعتبار استمرار المطالبة بإطلاق ما تبقى من معتقلي الحراك، وباعتبار أن تداعياته ستكون حاضرة بقوة في مخرجات لجنة صياغة النموذج التنموي، كما ستكون حاضرة خلال الحملات الانتخابية خصوصا بمنطقة الريف.
وفي رده عن سؤال حول إمكانية تحقيق المصالحة بين الدولة والريف، يقول البكاري إن ما يمكن تحقيقه في الزمن السياسي العاجل هو انفراج سياسي وحقوقي على أرضية إطلاق سراح ما تبقى من معتقلي الحراك، وإلغاء مذكرات الاعتقال في حق نشطاء الخارج، مشيراً، بالمقابل، إلى أن المصالحة الحقيقية تحتاج إلى زمن أطول لأنها مرتبطة برهانات وأسئلة كبرى من مثل إعادة تشييد التاريخ بما يسمح بأن تتبوأ مقاومة الريف مكانتها الحقيقية في بناء الدولة الحديثة، والاعتذار الرسمي عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفتها المنطقة منذ الاستقلال مع ضمانات عدم التكرار، وكذلك جبر الضرر المجالي عبر استدراك الاختلالات التنموية الموروثة من زمن الصدام مع المركز، وأخيراً إعادة بناء الدولة على أساس الاعتراف بالخصوصيات السوسيو ثقافية انطلاقا من دولة فيدرالية قائمة على الجهات التاريخية بديلا عن الجهوية الإدارية المعطوبة.