أعلنت السلطات الأوكرانية، أمس الثلاثاء، اعتقال رجل الأعمال والسياسي والبرلماني الأوكراني الموالي لروسيا، القيادي في حزب "المنصة المعارضة-من أجل الحياة"، فيكتور مدفيدتشوك (67 عاما) المعروف بعلاقته الشخصية الوطيدة مع الرئيس فلاديمير بوتين، إلى حد وصف معه بـ "رجل بوتين" والمروّج الأول للمصالح الروسية في أوكرانيا.
وبعد تعارفهما في إحدى الفعاليات الرسمية مطلع العقد الأول من القرن الـ21، توطدت علاقة مدفيدتشوك بالرئيس الروسي إلى حد أن بوتين قام بتعميد ابنته مع سفيتلانا مدفيديفا، حرم الرئيس الروسي السابق دميتري مدفيديف، في عام 2004.
كما يعد مدفيدتشوك واحدا من أثرى أثرياء أوكرانيا، وضعته مجلة "فوربس العالمية" في المرتبة الـ12 بين أغنى الشخصيات في بلاده، بثروة إجمالية قدرت في العام الماضي بـ620 مليون دولار، مركّزاً أعماله في قطاعات الطاقة والإعلام والميتالورجيا (التعدين والصناعات المعدنية) والعقارات.
إلا أن ثروته ونفوذه في مناطق شرق أوكرانيا، لم تمنع السلطات الأوكرانية من اتهامه في قضية "خيانة عظمى"، ووضعه رهن الإقامة الجبرية في مايو/أيار من العام الماضي، ولكنه تمكن من الهروب مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في نهاية فبراير/شباط الماضي، ليختفي عن المشهد لـ48 يوما كاملة حتى الإعلان عن توقيفه.
وفي الأيام الأولى من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تردد اسم مدفيدتشوك كمرشح محتمل لرئاسة حكومة مؤقتة موالية لروسيا في كييف في حال تحقق رهان بوتين على تحقيق نصر سريع وإسقاط الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في أيام معدودة. لكن أهداف موسكو أصبحت تبدو بعيدة المنال بعد أكثر من شهر ونصف الشهر على بدء الحرب.
يد بوتين اليمنى
يصف ألكسندر تشالينكو المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأوكراني مدفيدتشوك بأنه "اليد اليمنى لبوتين" في أوكرانيا، مقللا في الوقت نفسه من واقعية أن يقبل بوتين استبداله بصورة غير متكافئة بعدد كبير من الأسرى العسكريين الأوكرانيين.
ويقول تشالينكو، الذي سبق له العمل في مقر الحزب الاشتراكي الديمقراطي الأوكراني (المتحد) بزعامة مدفيدتشوك آنذاك بين عامي 2001 و2002، في حديث لـ"العربي الجديد": "كان مدفيدتشوك يد بوتين اليمنى في أوكرانيا، وحلقة ربط بين النخبتين الروسية والأوكرانية، وكان يتم الاعتماد عليه كقناة اتصال نظرا لثقة بوتين به. وإذا كان يدلي بأي تصريح، فكان يتم استيعابه في الداخل الأوكراني على أنه موقف بوتين. لذلك يشكل اعتقاله توجيه ضربة إلى (رجل بوتين) في أوكرانيا".
ومن اللافت أن اعتقال مدفيدتشوك ونشر صوره مرتديا زيا عسكريا ومكبل اليدين، جاء قريبا من إعلان وزارة الدفاع الروسية عن قيام أكثر من ألف بحار أوكراني في مدينة ماريوبول الساحلية بتسليم أنفسهم للقوات الروسية، وفق رواية موسكو، مما زاد من الترجيحات بأن مدفيدتشوك اعتقل قبل فترة طويلة، ولكنه تم الإعلان عن ذلك الآن لإدراج اسمه ضمن قوائم عمليات تبادل الأسرى.
ومن المؤشرات التي تعزز رواية اعتقال مدفيدتشوك قبل فترة طويلة، وفق صحيفة "فزغلياد" الإلكترونية الروسية الموالية للكرملين، ظهوره في الصور التي نشرها الجانب الأوكراني بحالة الإنهاك الكامل، لا يشبه فيها "الرجل الثري صاحب النفوذ".
كما اقترح زيلينسكي على روسيا استبدال مدفيدتشوك بـ"شبابنا وفتياتنا في الأسر الروسي"، فقال في منشور على قناته على "تيليغرام" أمس: "أعتبر استخدامه للزي العسكري أمرا وقحا للغاية. حاول بذلك التمويه على نفسه (مقاتلا) و(وطنيا). حتى لو اختار مدفيدتشوك لنفسه الزي العسكري، فإن قواعد زمن الحرب تنطبق عليه".
إلا أن الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف شكك، اليوم الأربعاء، في إمكانية استبدال مدفيدتشوك بالعسكريين الأوكرانيين على اعتبار أنه "ليس مواطنا روسيا، ولا علاقة له بالعملية العسكرية الخاصة".
ويقلل تشالينكو هو الآخر من واقعية قبول موسكو استبدال مدفيدتشوك بالأسرى العسكريين الأوكرانيين، مضيفا "صحيح أن مدفيدتشوك يتمتع بنفوذ كبير ويملك مشاريع تجارية كبرى في روسيا، ولكن إقدام بوتين على استبداله بألف أسير أوكراني، مثلا، لن يلاقي تفهما داخليا روسياً، كون مدفيدتشوك لا يشكل أي أهمية للروس. ومع ذلك، قد تجري عملية ما لتبادل المعتقلين السياسيين تشمل مدفيدتشوك ومعتقلين سياسيين أو عناصر "القطاع الأيمن" القومي المتشدد ممن أسرتهم روسيا في الشرق الأوكراني. ولكن في جميع الأحوال من المستبعد أن تجري عملية تبادل غير متكافئة مثل: مدفيدتشوك مقابل عشرة بحارة أوكرانيين".
من المحاماة إلى السياسة
ولد مدفيدتشوك في مقاطعة كراسنويارسك في سيبيريا في عام 1954، حيث كان والده يقيم في المنفى على خلفية مشاركته في النشاط القومي الأوكراني. وفي ستينيات القرن الماضي، عادت أسرته إلى جمهورية أوكرانيا السوفييتية، حيث تخرج مدفيدتشوك من المدرسة، وكلية القانون بجامعة كييف الحكومية.
وفي إطار عمله كمحام، تولى مدفيدتشوك الدفاع عن المنشقين الأوكرانيين المدانين بتهم "الدعاية المناهضة للسوفييتية".
وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، بدأ مدفيدتشوك مسيرته السياسية بالانضمام إلى حزب حقوق الإنسان، قبل أن يتزعم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الأوكراني عام 1998، ويتولى منصب نائب رئيس البرلمان لمدة عامين، ثم منصب مدير ديوان الرئاسة الأوكرانية حتى وقوع "الثورة البرتقالية" في عام 2004، التي اختفى مدفيدتشوك في أعقابها من المشهد السياسي الأوكراني لسنوات عدة.
وفي العقد الثاني من القرن، عاد مدفيدتشوك إلى المشهد الداخلي الأوكراني، وبعد بدء النزاع المسلح في منطقة دونباس الواقعة شرق أوكرانيا والموالية لروسيا في عام 2014، برز اسمه مشاركا في مفاوضات تبادل الأسرى بين كييف وجمهوريتي "دونيتسك" و"لوغانسك" الشعبيتين المعلنتين من طرف واحد.
وصفه الرئيس الأوكراني السابق، بيترو بوروشينكو، بأنه "مندوب بوتين الفعلي" في مجموعة الاتصال، و"القناة الوحيدة لإيصال المعلومات".
وفي عام 2018، انضم مدفيدتشوك إلى حزب "المنصة المعارضة-من أجل الحياة"، وترأس مجلسه السياسي. وفي عام 2019، دعم مدفيدتشوك ترشيح قيادي آخر بحزبه، وهو يوري بويكو، لرئاسة أوكرانيا، وقام برفقته بزيارة إلى روسيا في إطار حملته الانتخابية.