فلسطين وإعاقة نهضة المنطقة

30 سبتمبر 2020
النضال الفلسطيني أساس لدعم حرية الشعوب العربية (حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -

لطالما شغل سؤال النهضة والتطور والتقدم عقول المفكرين والوطنيين العرب الحالمين بدول متحضرة وقوية ذات مكانة مميزة إقليميا ودوليا، قادرة على فرض إرادتها في محيطها، وهو ما عبرت عنه ثورات الربيع العربي بأكثر من صورة وشكل، انطلاقا من واقعنا المناقض لذلك على المستويين الوطني والقومي والإقليمي نسبيا. أي حملت الثورات العربية المافيات الحاكمة مسؤولية هذا الواقع الرث، في حين حمل قلة قضية فلسطين مسؤولية التراجع والتخلف العربي، لاسيما من قبل مثقفين وسياسيين محسوبين على الأنظمة، على اعتبارها قضية تستنزف الجهود والإمكانيات العربية القطرية والقومية. وهو ذات الخطاب الذي يبرر تهافت دول عربية نحو توقيع اتفاقيات ومعاهدات سلام وتعاون مع الدولة الصهيونية، على اعتبارها بداية لتحرر الأنظمة من عبء القضية الفلسطينية، وطيا لصفحة الحرب، وتأسيسا لمرحلة ازدهار ورخاء وتطور وسلام طبعا!! كما يدغدغ هذا الخطاب الموهوم عقول ومخيلة جزء من الشباب العربي الحالم بالتغيير، والعاجز عن فهم مقوماته، مما يؤدي إلى تجنيهم على فلسطين وقضيتها وشعبها من دون وجه حق.

لذا لن أتناول هذا الانحراف من زاوية إنسانية أو حتى حقوقية، بل سوف أحاول تسليط الضوء عليه من زاوية المصلحة الوطنية، أي مصلحة الشعوب والأوطان في بناء دولة متطورة ومتحضرة وقوية اقتصاديا وعسكريا وسياسيا ومتماسكة اجتماعيا. وليكن ذلك من خلال دولتي مصر والأردن اللتين لم تحققا أي تطور يذكر بعد توقيعهما لاتفاق السلام مع الدولة الصهيونية، بل على العكس تماما، ارتفعت حاجة الدولتين للمساعدات الخارجية، وزادت تبعية كليهما للقوى الخارجية، عربية كانت أم اجنبية، كما ارتفعت مستويات الفقر والبطالة، وانهار الاقتصاد المنتج صناعيا وزراعيا، وتدهورت المؤسسات التعليمية فيهما.

الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن أسباب هذه النتيجة الكارثية في كل منهما، مما يفرض علينا التدقيق بطبيعة وهدف المشروع الصهيوني، وبأسباب دعمه دوليا. فهنا مربط الفرس ومنه يمكن فهم مسؤولية قضية فلسطين الحقيقية بما يخص المشاريع النهضوية القومية أو الوطنية. إذ لا تخفي الدوائر الأمنية والعلمية والسياسية والاستراتيجية الصهيونية حقيقية توجهاتها تجاه الإقليم، التي تختصر بضرورة الحفاظ على التفوق الصهيوني على مجمل محيطه العربي منفردا ومجتمعا، وفي جميع الأصعدة والمجالات، كما لا يخفي داعمو الصهيونية حرصهم على ضمان ذلك. وهو ما تثبته الوقائع والأحداث اليومية، من الجدل الدائر حول صفقات الأسلحة العربية وعلى رأسها اليوم صفقة F-35 التي تعتزم الإمارات شراءها، إلى الشروط المفروضة على الصناعات العربية، والمستوردات التقنية المرتبطة بها، وصولا إلى القيود المفروضة على تطوير البنى التعليمية، لتحرص الولايات المتحدة الأميركية ومن خلفها الدول المتطورة والدولة الصهيونية على إدامة تخلف وانحطاط الدول العربية، كي تبقى تابعة وهشة وفاقدة لمقومات البناء الذاتي.

طبعا لا يعني ذلك تهميش قضايا وحقوق الشعوب العربية الآنية المحقة اقتصاديا وسياسيا، تحت ذريعة أولوية المواجهة مع الصهيونية، بل على العكس تماما يعني ذلك ضرورة ربط نضال شعوب المنطقة الثائرة لانتزاع حقوقها من السلطات العربية الاستبدادية والإجرامية القابضة عليها من جهة، مع المشروع الذي تخدمه سياسات وتوجهات هذه الأنظمة الرثة؛ متمثلا في المشروع الصهيوني؛ من جهة ثانية. فالاستبداد والتخلف العربي هو اللبنة الأولى الضرورية لتقويض إمكانيات المجتمعات العربية، وهو ما يتقاطع مع الغاية الصهيونية، لذا فالعلاقة بين الدولة الصهيونية والنظام الرسمي العربي الاستبدادي والرجعي والإجرامي، هي علاقة تكامل وتعاون سواء تمت اتفاقات سلام وتطبيع أم لا، وبغض النظر عن خطاب الممانعة الرنان، بل وبغض النظر عن أفعال المقاومة الطائفية منها والدعائية كذلك.

أي لا يمكن الفصل بين النضال من أجل تحرير الشعوب العربية من سيطرة السلطات المتحكمة كخطوة أولى في مسار بناء دولة الحرية والعدالة والمساواة والتطور، عن النضال من أجل تحرير فلسطين وتفكيك الصهيونية، فهما مكونان عضويان ورئيسيان يكملان واحدهما الآخر في سياق أي مشروع نهضوي جاد، سواء وعت الشعوب المناضلة ذلك أم لم تعه بعد. وعليه فإن التحالف العملي بين كل من الصهيونية والنظام الرسمي العربي والنظام العالمي الإمبريالي، هو المسؤول المباشر عن تخلف وانحطاط الوضع العربي، وهو العائق الحقيقي في وجه استعادة الشعوب لحريتها من فلسطين إلى المغرب مرورا بمجمل دول المنطقة، وهو ما تثبته أرقام نهب المال العام وقضايا الفساد المنتشرة عربيا، كما تثبته بندقية الجيوش العربية الموجهة نحو شعوب المنطقة من فلسطين إلى البحرين وسورية وليبيا واليمن والعراق إلى آخر القائمة.

المساهمون