لم يعد ثمّة شك في أن الهجمة المستهدفة للكل الفلسطيني على يد حكومة التطرف الصهيوني، والتي تُواجَه شعبياً من أقصى جنوب الضفة الغربية إلى شمالها، مروراً بالقدس المحتلة، يعوزها الكثير على المستوى الرسمي والفصائلي.
فأخطر ما تعيشه الساحة الفلسطينية، التي يتوحّد في مقابلها معسكر ائتلاف التطرف بقيادة بنيامين نتنياهو، هو هذا العبث المستمر منذ سنوات طويلة في رحلة الانقسام الذي لا معنى له على الإطلاق في مسار تضحيات الشعب على الأرض يومياً.
فإذا كانت "أطراف" دولية وعربية تُعبّر عن "امتعاض" لفظي، من دون تصرف فعلي إزاء هذا الائتلاف الذي يلتقي على الإمعان في مشروعي تهويد الأرض ومحاصرة الشعب الفلسطيني بدموية غير خفية، فإن ركون قطبي "سلطة وفصائل" الضفة وغزة إلى بيانات "توحيد الصف"، أمر بات مستهجناً حتى من أولئك الذين لديهم مواقف مبدئية ورافضة للاحتلال والتقصير العالمي أمام كل ما يجري.
كم من مرة خرج أصحاب القرار، في اجتماعات "إعادة الوحدة" الممتدة منذ عام 2008 وحتى أواخر العام الماضي، وبوساطات من هنا وهناك، ببيانات وصور ولقطات تحمل وعوداً سرعان ما تبين أنها مجرد تكرار لمشهد سقيم ومحبط؟
الحالة الفلسطينية، التي تواجه أكبر تحديات في تاريخها، ليست في حاجة للانشغال في عبثية "من يكون القائد التالي". ولا لهذا الجهد المهدور تحت "حسن النيات": فمسألة الشراكة في تحرر فلسطين ليست ترفاً، ويجب ألّا تخضع لابتزازات من هنا وهناك، بوعود جوفاء تستهدف "تنفيس الاحتقان"، لتطبيق الاحتلال التدريجي لمخططاته المعلنة في مزيد من توسيع الاستيطان وطرد المقدسيين من أرضهم، والتعجيل في القضاء على أي حل سياسي تحت مسمى "حلّ الدولتين".
ليس سراً أنه مقابل هذه "الحمائمية" التي يُظهرها البعض، في كواليس السياسة الفلسطينية المنقسمة على نفسها، العين على مناصب سلطوية تمسّ جوهر وروح ومكانة فلسطين في تطوراتها الخطيرة، على المستويين العربي والدولي.
وإذا كانت أغلبية الشارع العربي تجمع على أن فلسطين قضية مركزية، كما أظهرتها أخيراً نتائج المؤشر العربي الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فإن الشتات الفلسطيني في المقابل، والمتضامنين مع قضيتهم، يعيشون في أوروبا وضعاً صعباً، في ظلّ محاولات دؤوبة تستهدفهم لتجريم نشاطهم. ويساهم الانقسام الرسمي الفلسطيني، وفق كثيرين ممن يشغلهم الاستهداف الممنهج لمن يحاولون تعرية ذهاب الاحتلال إلى الأبرتهايد بصورة متسارعة، في إضعاف وسائل وأدوات المواجهة مع اللوبيات الضاغطة.
بكلمة بسيطة يردد هؤلاء: آن لعبث الانقسام أن يذهب إلى غير رجعة.