مرّ يومان على سحب السلطة الفلسطينية مشروع القرار الذي يدين الاستيطان أمام مجلس الأمن الدولي، قبل أن يرحب أمين سر اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ، اليوم الثلاثاء، بالبيان الرئاسي الذي ارتضته السلطة بديلاً من مشروع القرار، بينما اعتبر فلسطينيون سحب مشروع القرار لصالح البيان تراجعاً أمام أوهام وخدع متكررة لا تساوي سوى ما أسموه "الصفر الكبير".
وقال الشيخ في تصريح له: "نرحب بالبيان الرئاسي لمجلس الأمن الذي أدان الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب، وطالبها بالتوقف عنها والتزام الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين والشرعية الدولية، ونشكر الدول الأعضاء في مجلس الأمن، ونخصّ بالشكر المجموعة العربية برئاسة دولة الإمارات".
وكان "العربي الجديد" قد حاول التواصل مع الشيخ عبر الهاتف والرسائل، لسؤاله عمّا نشره الإعلام العبري عن وجود قناة حوار مع حكومة بنيامين نتنياهو يرأسها الشيخ عن الجانب الفلسطيني، لكنه لم يجب.
القيادية الفلسطينية حنان عشراوي، قالت إنها ليست المرة الأولى التي تتراجع فيها القيادة الفلسطينية عن خطوات دولية وتخضع للابتزاز الأميركي.
وقالت عشراوي في تصريحات لـ"العربي الجديد": "كل مرة نقوم ببناء شيء يجري التراجع عنه، وهذه ليست أول مرة، في موضوع متابعة محكمة العدل الدولية، جمدنا العمل، وهناك تقرير "غولدستون" وقضايا كثيرة غيرها تراجعت القيادة عن متابعتها تحت الضغط الأميركي، هذا لا يحبط الشعب الفلسطيني فقط، بل ويغضب حلفاءنا، الذين أكدوا لنا أكثر من مرة أن القيادة الفلسطينية لا تأخذ قرارات على مستوى القضية والحقوق الفلسطينية".
وتابعت عشراوي: "إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تستخدم الأسلوب نفسه الذي استخدمته إدارات أميركية سابقة، وكل ما يفعله بايدن هو البناء على إرث الرئيس الذي سبقه دونالد ترامب".
وأوضحت عشراوي، قائلة: "في أي مناسبة أو فرصة تسمح بمساءلة إسرائيل أو وجود قرارات تدين إسرائيل، سواء في الأمم المتحدة، أو محكمة العدل الدولية، أو الجنائية الدولية، حينها تتصدّر الولايات المتحدة المشهد بالدفاع عن إسرائيل، وضمان إفلاتها من أي عقاب".
وأضافت عشراوي: "هذا السلوك الأميركي تحول إلى نمط معروف بالضغط على الفلسطينيين ومكافأة إسرائيل، حتى مع الحكومة الإسرائيلية التي توجه لها الإدارة الأميركية انتقادات دائمة، لكن تبقى هذه الانتقادات لفظية لا أكثر". وتتساءل: "بأي عقل يمكن أن يساوي الإنسان بين حق فلسطيني بالحصول على حماية من مؤسسات دولية قانونية وقضائية، وعرض إسرائيل تأجيل انتهاكاتها وعمليات القتل والهدم اليومي قليلاً؟".
عشراوي: هناك شعور بالضعف، إضافة لوجود حاجة لمراضاة الإدارة الأميركية، وهذه سياسة خاطئة
وتابعت عشراوي: "الإدارة الأميركية تعتبر ذهاب الفلسطينيين إلى المؤسسات الدولية عملاً أحادياً يجب وقفه، بينما تطلب من إسرائيل تأجيل أو خفض وتيرة جرائم الحرب التي تقوم بها بشكل يومي ضد الفلسطينيين، كيف نقبل هذا التكافؤ بين الجهتين؟".
وترى عشراوي أن "هذا النمط الأميركي بالتعامل مع القيادة الفلسطينية مستمر، واعتادوا الضغط على القيادة التي تقبل بالانسحاب".
وعن أسباب قبول القيادة الفلسطينية سحب مشروع القرار الذي يدين الاستيطان قبل يومين، قالت عشراوي: "لأن هناك شعوراً بالضعف، إضافة إلى وجود حاجة لمراضاة الإدارة الأميركية، وهذه سياسة خاطئة، لأن من لا يحترم حقوقه لا أحد يحترمه".
وتابعت عشراوي: "الأمر غير معقول، هذه سخرية سوداء، إسرائيل تريد أن تحدد ماذا تسرق أقل أو أكثر، أو كم بيتاً تهدم، إسرائيل تقول إنها تكتفي بشرعنة تسع بؤر فقط خلال هذه الأشهر، هذا جنون، هذا احتلال مربح جداً".
وقالت عشراوي: "لم يبق لنا أمام القوة الغاشمة للاحتلال سوى القوة القانونية والأخلاقية، هذا كل ما نملكه من قوة الآن، ويجب ألا نضعف هذه النواحي بأي شكل من الأشكال".
الشوبكي: من الواضح أن سقف مطالب السلطة مرتبط بدورها الوظيفي وليس بمحاسبة إسرائيل، من جهة إعطائها مساحة من التحرك المالي تمكنها من تبرير وجودها على المستوى الفلسطيني
من جهته، يشدد رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، في حديث لـ"العربي الجديد"، على وجوب النظر إلى هذا الموضوع من البداية، وليس من لحظة قرار القيادة الفلسطينية سحب مشروع يدين الاستيطان، يجب النظر إلى الرؤية التي تنطلق منها السلطة الفلسطينية لرفع مثل هذه الملفات إلى المحافل الدولية، حيث تنظر السلطة إلى هذه الملفات على أنها أداة من أدوات التفاوض والضغط على الاحتلال وعلى المستوى الدولي، ولا تنطلق من رؤية حقيقية لمحاكمة الاحتلال الإسرائيلي ومحاسبته.
وتابع الشوبكي: "هي منذ البداية ورقة تفاوضية يمكن سحبها أو طرحها وفقاً لتقدير الجانب الفلسطيني. وبالمناسبة، لا يعتبر هذا الأمر معضلة حقيقية إذا ما كانت الأهداف المرجوة من عملية التفاوض يمكن أن تكون أكبر من المنفعة المتحققة من اللجوء إلى المحافل والمحاكم الدولية. لكن حقيقة الأمر، ومن خلال ما نشره الإعلام الإسرائيلي والأميركي في الأيام الماضية، من الواضح أن سقف مطالب السلطة مرتبط بدورها الوظيفي، وليس بمحاسبة إسرائيل، من جهة إعطائها مساحة من التحرك المالي تمكنها من تبرير وجودها على المستوى الفلسطيني".
ووفق الشوبكي "يبدو أن سلطة الاحتلال والإدارات الأميركية المتعاقبة والمجتمع الدولي أيضاً نجحت بوضع السلطة الفلسطينية في سياق عمل مرتبط بالمسار الاقتصادي والأمني، ويبدو أن القيادة الفلسطينية تتعامل مع هذا الأمر بأريحية".
ومن الواضح، كما يرى الشوبكي، أن السلطة الفلسطينية لا تتعامل مع أي ضغط بأنه يهدف لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وبالتالي استخدام أي أداة قوة لتجريم إسرائيل دولياً، مثل سحب مشروع يدين الاستيطان واستبداله ببيان رئاسي "يشعر بالقلق والاستياء من الاستيطان"، أي أن هذه الخطوة حُدِّد سقفها من إسرائيل، وهو هزيمة للفلسطينيين بكل المقاييس، هذا ليس تخميناً، بل أمر معلن من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، أنه لا يجري التعامل مع الفلسطينيين كسلطة فلسطينية إلا في سياق أمني واقتصادي.
البرغوتي: القيادة الفلسطينية ساعدت الولايات المتحدة الأميركية كي تهرب من مسؤوليتها، لأننا كنا نريد أن يرى العالم بأسره أن الحديث عن حل الدولتين ليس أكثر من نفاق أميركي
أما الأمين العام لحركة "المبادرة" مصطفى البرغوثي، فوصف ما حصل من تراجع للقيادة الفلسطينية عن مشروع القرار "بالخدعة الكبيرة"، وقال: "كان يجب على السلطة ألا تقبل بأي حال من الأحوال بأن تستبدل مشروع قرار ببيان رئاسي لا قيمة له، وكان يجب الاستمرار في تقديم القرار، خاصة أن الترتيبات التي قاموا بها لا تنص على إلغاء شرعنة تسع بؤر استيطانية وإنشاء أربع أخرى، بل كما أعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بأنه سيستمر في البناء الاستيطاني".
وقال البرغوثي: "القيادة الفلسطينية حصلت على صفر كبير مقابل التنازل عن مشروع القرار الذي كان يجب أن تستمر فيه لكشف مدى النفاق الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية. القيادة الفلسطينية ساعدت الولايات المتحدة الأميركية كي تهرب من مسؤوليتها، لأننا كنا نريد أن يرى العالم بأسره أن الحديث عن حل الدولتين ليس أكثر من نفاق أميركي، كيف تتحدث الإدارة الأميركية عن حل الدولتين وهي ترى المستوطنات تذبح حل الدولتين أمام العالم كل يوم؟"، مضيفاً: "لم تحصل السلطة على شيء مقابل هذا التراجع".
وعمّا نُشر في الإعلام الإسرائيلي بأن التفاهمات تتضمن أن تقدّم الولايات المتحدة طلب فتح القنصلية الأميركية في القدس، قال البرغوثي: "هذه كذبة كبيرة، الإدارة الأميركية وعدت القيادة الفلسطينية منذ أكثر من عام ونصف بإعادة فتح القنصلية الأميركية، إذا كانت الإدارة الأميركية تحتاج إلى إذن من إسرائيل لإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، لماذا لا تقوم بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، هذا لا يحتاج إلى إذن إسرائيلي؟".
وتابع البرغوثي: "لماذا لا تقوم الإدارة الأميركية بإزالة أسماء أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني من قائمة الإرهاب لأنهم أعضاء في المجلس الوطني التابع لمنظمة التحرير؟ هذه الأمور لا تحتاج إلى إذن إسرائيلي، لكنها توضح مدى الكذب الأميركي".
وقال البرغوثي: "إن القيادة الفلسطينية حصلت على صفر كبير، ومن واجب القيادة أن تشرح للشعب الفلسطينيي ما الذي يجري، ولا يجوز ترك الشعب يستقي أخباره من الإعلام الإسرائيلي".