ظلّ التفاؤل الحذر سيد الموقف في كلام معظم القيادات الفلسطينية الفصائلية في الضفة الغربية المحتلة، في تعليقاتهم على اتفاق المصالحة، الذي تمّ التوقيع عليه يوم الأربعاء، في قطاع غزة. حذر يبرره واقع أن ثلاثة اتفاقات سبق أن وُقِّعَت في السابق (في السعودية وقطر ومصر) من دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ. لكن أمراً إيجابياً ما، يدفع اليوم معظم ممثلي الفصائل الى القول: إن هذه المرة "ستكون مختلفة".
أكد أمين سر المجلس الثوري لحركة "فتح"، أمين مقبول، اليوم الخميس، بأن الاتفاق الجديد للمصالحة الفلسطينية، الذي تم التوقيع عليه في غزة "مختلف عن سابقيه، بسبب وجود خطوة عملية على الأرض، وهو ما يحدث للمرة الأولى".
وقال مقبول لـ"العربي الجديد": كنت في انتظار آليات تنفيذ اتفاق القاهرة والدوحة، وهي المرة الأولى التي يتم فيها وضع الآليات موضع التنفيذ، وتحديد جداول زمنية لتشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات.
وأشار مقبول إلى أن أجواء الطمأنينة هذه المرة "أكبر من السابق"، إذ "شرع الرئيس (محمود)عباس في مشاورات لتشكيل حكومة وفاق وطني، وعندما ينتهي من هذه الخطوة، سيصدر مرسوماً بالحكومة يليه مرسوم موعد الانتخابات، ما يعني أن الخطوات التنفيذية بدأت تأخذ مكانها على الأرض بعد الورق".
في المقابل، رأى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عن "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" تيسير خالد، أنه على الرغم من أهمية الخطوة سياسياً "إلا أن الرأي الفلسطيني العام قلق، وهو نتاج طبيعي للتجارب السابقة التي مررنا بها من توقيع على خطوات تكتيكية لاتفاقيات المصالحة في مكة، والدوحة والقاهرة، التي لم ترَ النور نتيجة الحسابات السياسية الخاطئة".
وناشد خالد، كل من حركتَي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، الى المشاركة في دورة أعمال المجلس المركزي لمنظمة التحرير التي ستبدأ أعمالها يوم السبت، المقبل، "لتعزيز ما تم التوقيع عليه في قطاع غزة".
إلى ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب: إن التجارب السابقة "علّمتنا ألا نتفاءل كثيراً". غير أن حرب، على الرغم من أجواء "التفاؤل الحذر"، يلاحظ وجود "مجموعة مؤشرات تدل على جدية الطرفين في تسيير الأمور من دون توتر كبير، لأن الطرفين بحاجة للاتفاق". من جهة، تحتاج حركة "فتح" إلى المصالحة "لأن مسار المفاوضات مع إسرائيل لم يعد مجدياً"، ومن جهة ثانية فإنّ "الوحدة مصلحة وطنية، ومن دونها تبقى كل الفصائل ضعيفة، ومن مصلحة فتح التحالف مع حماس التي لديها قوة" في غزة.
أما لجهة "حماس"، فيرى حرب، أنها أيضاً بحاجة الى الاتفاق "لأنها تجد نفسها في عزلة نتيجة التغيرات الإقليمية، وزيادة الحصار عليها من خلال هدم الانفاق وإغلاق معبر رفح، بالإضافة الى استمرار الحصار الإسرائيلي، والأزمة المالية والاجتماعية التي تعاني منها"، معرباً عن تفاؤله لأن "قرار العقلاء طغى في حماس وفضلوا إنهاء الانقسام".
ويدرك المراقب لتصريحات قيادات "حماس" في الضفة الغربية، أنها غيّرت من نبرتها التشكيكية بشكل ملحوظ، بعدما ظلت تركز، حتى صباح اليوم الخميس، على الاعتقالات السياسية كعقبة أمام المصالحة. ويوضح القيادي في الحركة الاسلامية، النائب في المجلس التشريعي حسن يوسف، أن "من حق الناس التفاؤل بحذر والمراقبة بحذر أيضاً"، من دون أن يمنعه ذلك من الجزم بأن "الأمور جدية أكثر هذه المرة لاختلاف الظروف والواقع مقارنة بالمرات السابقة". ويطمئن يوسف، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى وجود "نوايا حسنة من كلا الطرفين، والضمان الأساسي، هو الصدق من جميع الأطراف". كلام أكثر تشاؤماً تتبنّاه القيادية في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" خالدة جرار، في تصريحاتها لـ"العربي الجديد"، عندما تعرب عن تخوفها من "الغموض في كثير من ملفات المصالحة، وأنه يجب توضيحها حتى لا نصطدم بعقبات جديدة.
بدورها، طالبت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حنان عشراوي، بمساءلة شعبية لضمان تطبيق الاتفاق على أرض الواقع بشكل حقيقي وليس على الورق.
وقالت عشراوي لـ"العربي الجديد": إن الأجواء مشجعة، لكن المصالحة أمامها اختبارات كبيرة، ولن تنفذ نفسها بشكل تلقائي، فهي بحاجة إلى إدارة وإرادة ونوايا صادقة للتغلب على العقبات المتوقعة في المرحلة المقبلة". وحذّرت عشراوي من أن إسرائيل "تسعى الى قلب الأمور في العملية التفاوضية، وتعتبر أن أي تطور فلسطيني داخلي بأنه أداة للتخريب".
وعما إذا كانت المصالحة ستنعكس إيجاباً على وضع الحريات في الضفة والقطاع، يتوقع القيادي في "الجهاد الإسلامي" خضر عدنان، "توقف الاعتقالات السياسية وخروج المعتقلين السياسيين من سجون السلطة وحماس"، مشدداً على ضرورة توقف التنسيق الأمني، لأن عدم توقفه "يعني خلو المصالحة من مضمونها".