لم تنجح كل محاولات توحيد فصائل المعارضة السورية وضبط بنادقها، حتى الآن، على الرغم من ظهور العديد من الكيانات العسكرية بهدف إنهاء حالة "الفصائلية" داخل المشهد العسكري المعارض. وسرعان ما تنفجر الخلافات الدامية بين هذه الفصائل، بعد كل محاولة، بسبب الصراع على النفوذ، وهو ما ينعكس سلباً على حياة المدنيين السوريين الخاضعين لسلطة هذه الفصائل في مناطق سيطرتها.
اقتتال جديد بين فصائل المعارضة السورية
وفي أحدث اقتتال داخلي بين الفصائل السورية المعارضة بدأ أول من أمس الجمعة وتجدد أمس السبت، قتل وأصيب عدد من عناصر فصيلي "أحرار الشام" و"الجبهة الشامية"، في ريف مدينة الباب، الواقعة ضمن منطقة "درع الفرات" في ريف حلب الشمالي الشرقي، والتي تزدحم الفصائل والمجموعات في مدنها وبلداتها.
ووفق مصادر محلية، فإن الاشتباكات اندلعت بسبب رفض قيادي في "أحرار الشام" ترك منصبه في الفيلق الثالث التابع لـ"الجيش الوطني السوري" المعارض. وأشارت إلى أن الاشتباكات الدامية أدت إلى إغلاق طرق تؤدي إلى مدينة الباب. وخرجت تظاهرة في مدينة الباب تدعو إلى وقف الاقتتال الداخلي بين فصائل المعارضة وحقن الدماء، ومراعاة حرمة شهر رمضان، الذي بدأ أمس السبت.
اندلعت اشتباكات الجمعة بين "أحرار الشام" و"الجبهة الشامية"، في ريف مدينة الباب
وكانت اشتباكات قد اندلعت منذ أيام عدة، في منطقة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي في منطقة شرقي الفرات، بين فصائل تسيطر على المنطقة منذ أواخر عام 2019، وهو أمر دائم الحدوث منذ ذلك العام.
تشكيلات عسكرية لتوحيد فصائل المعارضة السورية
وتبذل جهود منذ أكثر من عام من أجل ضبط بنادق الفصائل السورية المسلّحة، من خلال دمجها في تشكيلات عسكرية تتبع كلّها إلى قيادة الجيش الوطني السوري المعارض. وأبرز هذه التشكيلات التي ظهرت هي "جبهة التحرير والبناء" التي أعلن عن ولادتها منتصف فبراير/ شباط الماضي. وضمّت الجبهة كلاً من: جيش الشرقية، فرقة أحرار الشرقية، الفرقة 20، صقور الشام (قطاع الشرقية). ويتزعم "جبهة التحرير والبناء" الرائد حسين حمادي (أبو علي شرقية)، ونائبه أحمد الهايس (أبو حاتم شقرا).
وفي أواخر العام الماضي، أعلنت مجموعة من الفصائل الانضواء ضمن تشكيل عسكري واحد حمل اسم "ثائرون"، ضم كلاً من: فرقة السلطان مراد، فيلق الشام - قطاع الشمال، ثوار الشام وفرقة المنتصر بالله، بالإضافة إلى الفرقة الأولى بمكوناتها، لواء الشمال والفرقة التاسعة واللواء 112.
وكانت خمسة من أكبر فصائل الجيش الوطني السوري قد أعلنت في سبتمبر/ أيلول الماضي، الاندماج ضمن تشكيل جديد، حمل اسم "الجبهة السورية للتحرير". وسبق أن شكّلت فصائل تابعة للجيش الوطني السوري المعارض، في منتصف أغسطس/ آب الماضي، ما سمّي بـ"غرفة عمليات عزم"، التي ضمّت: فيلق الشام ـ قطاع الشمال، لواء السلام، الفرقة الثانية المشكّلة من جيش النخبة، اللواء 113، فيلق المجد، الفرقة 13 المشكّلة من فرقة السلطان محمد الفاتح، لواء سمرقند، ولواء الوقاص.
وأمِل الشارع السوري المعارض أن يكون اندماج الفصائل فعلياً، بحيث تتحمل التشكيلات الجديدة مسؤولياتها الأمنية، وتضبط الأوضاع في مناطق سيطرتها لتحقيق الحد الأدنى من الأمان الذي يفتقده سكّان مناطق "غصن الزيتون" (عفرين وريفها)، "درع الفرات" (ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي)، و"نبع السلام" (تل أبيض ورأس العين وريفهما في شمال شرقي سورية).
امتيازات الفصائل تتغلب على مشاريع التوحيد
وفشل "الجيش الوطني السوري" المعارض التابع للحكومة السورية المؤقتة، والذي كان تأسس في أواخر عام 2017، في الحد من ظاهرة "الفصائلية" التي تحكم العمل العسكري المعارض في الشمال السوري، والتي تؤدي دائماً إلى الاقتتال لأسباب تتعلق بالنفوذ، ولا تُحكم من قبل سلطة واحدة، ولا تُطبق عليها قوانين. ولا تزال الفصائل قائمة بقيادييها وأهدافها، التي لا تتقاطع مع الأهداف المعلنة للجيش السوري المعارض.
ولم تستطع وزارة الدفاع في هذه الحكومة فرض قرارها على هذه الفصائل، ومن ثم افتقد الشمال السوري لقرار عسكري واحد، وأدى ذلك إلى استقالة وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة اللواء سليم إدريس، في سبتمبر 2021، ليعيّن "الائتلاف الوطني السوري"، الذي تتبع له هذه الحكومة، مكانه العميد الطيّار حسن حمادة.
لم تستطع وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة فرض قرارها على الفصائل
وعن أسباب فشل التشكيلات العسكرية في توحيد عشرات الفصائل، اعتبر العقيد مصطفى البكور، وهو قيادي في فصائل الشمال الغربي من سورية (إدلب)، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "مشاريع التوحيد والاندماج لم تكن جدية". ولفت إلى أن "كلّ فصيل بقي مستقلاً بكتلته، واحتفظ كل قائد بامتيازاته، بحيث أصبح الدفاع عن القائد وبقاء الفصيل كتلة مستقلة أكثر أهمية من تحقيق الاندماج ووحدة الفصائل".
وتعليقاً على حالة الفصائلية المستشرية في الشمال السوري، رأى الباحث السياسي في مركز "الحوار السوري" ياسين جمول، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الحالة الفصائلية بدأت حالةً صحيةً؛ لكن استمرارها في السنوات التالية جعلها أحياناً جزءاً من المشكلة".
وأوضح جمول أنه "في بدايات الانتقال الاضطراري إلى العمل المسلح في الثورة كان توزُّع الفصائل وتنوّعها عامل قوة من حيث الخفّة وسهولة الحركة والمناورة وعجز نظام الأسد وغيره عن ضربها في مقتل باغتيال قياديّيها أو غيره". لكنه لفت إلى أنه "مع تطور العمل الثوري وتقدّم السنوات والانتقال إلى تحرير مناطق ما فرض على الثوّار إدارتها والتعاون مع الآخرين، ظهرت المشكلة مع الأسف".
وتحدث جمول عن عوامل عدة أسهمت في تكريس حالة الفصائلية في العمل الثوري العسكري، حيث رأى أن "التخندق أكثر في الفصائلية كان مع دخول الدعم الخارجي لكل فصيل، ثم أجهزة الدول التي استفادت كثيراً من الحالة الفصائلية واستثمرت بترسيخها، ثم المكتسبات الخاصة التي رفض كل فصيل التنازل عنها، مع القصور في التفكير بمستوى المرحلة الحالية".
ياسين جمول: التخندق أكثر في الفصائلية كان مع دخول الدعم الخارجي لكل فصيل
وأعرب جمول عن اعتقاده أنه "لا يمكن لمرحلة البناء التي بدأنا نشعر بها جزئياً في الشمال السوري، مع الهدوء النسبي بحكم الاتفاقات والتفاهمات بين الفاعلين الدوليين، أن تُدار بالعقلية ذاتها التي كانت عند ضرب الحواجز وتحرير النقاط". وحذّر من أنه "ما لم يتراجع قادة الفصائل ويعينوا أهل الخبرات على التقدم للمواقع المناسبة للبناء، فلن ننجح ببناء نموذج حوكمة يُقنع الدول بنا بديلاً عن النظام".
واعتبر الباحث السياسي أن "تجارب التوحيد التي كانت تحدث كانت غالباً تتم مع الأسف بتوجيه داعمين أو جهات صديقة؛ فكانت تجري وتحمل فيها في الوقت ذاته أسباب فشلها، مع نجاح التجارب المحدودة التي تمّ فيها الاندماج حقيقة وعن توافق"، وفق رأيه.