فرنسا: حرب على ميلانشون لخروجه عن الانحياز لإسرائيل

12 أكتوبر 2023
ميلانشون في مرسيليا، مايو الماضي (Getty)
+ الخط -

يواجه حزب "فرنسا غير الخاضعة" اليساري الراديكالي، بزعامة جان لوك ميلانشون، حملةً شرسة جديدة، على خلفية الأحداث الدائرة في فلسطين المحتلة، منذ أن شنّت حركة "حماس" هجوماً مباغتاً على مستوطنات غلاف غزة السبت الماضي، والعدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع بحجة الردّ عليها.

فانقسام دول العالم بين من أدان هجوم "حماس" وصولاً إلى وصف الحركة بالإرهابية ووصف هجومها كذلك، وهو موقف صدر خصوصاً عن الولايات المتحدة وحلفائها، وفريق رافض لهذا التوصيف، وحتى منه من لم يدن الهجوم، وصل إلى فرنسا، حيث استغل خصوم ميلانشون، اختياره الفريق الثاني، محملاً إسرائيل المسؤولية، للانقضاض عليه، وهو ما انسحب أيضاً على أطراف من داخل معسكر اليسار الفرنسي نفسه.

وأدّت أحداث غزة إلى بروز الخلافات الفرنسية الداخلية، والتي تطاول خصوصاً حزب ميلانشون، الذي أصبح يتعرض لهجمات حتى من داخل بيته اليساري، فقط لعدم إدانته هجوم "حماس" على مستوطنات غلاف قطاع غزة. هذا الموقف، جاء شبيهاً بما تعرض له "فرنسا غير الخاضعة" بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، حيث إن الاصطفاف السياسي العالمي انعكس في بعض الدول، اختلافات داخلية حادة. لكن حزب ميلانشون وأنصاره، كانوا أكثر حدّة هذه المرة في ردّهم على الانتقادات الموجهة إليهم، رافضين ما أصبحت فرنسا عليه بنظرهم من دولة قامعة لحرية الرأي.

بورن: حزب ميلانشون يساوي بين حركة إرهابية ودولة ديمقراطية

هذا الجانب، أضف إليه ما أفرزته الانتقادات لحزب ميلانشون، من ضيق أفق السياسة الفرنسية الخارجية، التي أصبحت تتموضع في خانة "رفض معاداة السامية" و"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، مع مواصلة هذه الحرب يظهر المدى الذي وصل إليه اليسار الفرنسي في الاصطفاف يميناً في مثل هذه القضايا.

كما أعاد الخلاف تسليط الضوء على تدحرج الخلافات داخل فريق اليسار نفسه، والمتصاعد خصوصاً مع اختيار حزب ميلانشون الترشح للانتخابات الأوروبية المقبلة بلائحة فردية وليس ضمن تحالف "نوبس" (التحالف الشعبي الجديد الإيكولوجي والاجتماعي) والذي يضم الحزب الاشتراكي والبيئيين والشيوعيين أيضاً، ما رفع الأصوات داخل هذا التحالف المطالبة بطرد ميلانشون منه.

هجوم على حزب ميلانشون من الاشتراكيين

وكان حزب ميلانشون، "فرنسا غير الخاضعة"، قد رفض إدانة هجوم "حماس" أو وصفه بالإرهابي، وأكد في بيان له السبت الماضي، أن "الهجوم المسلح لقوات فلسطينية بقيادة حماس يأتي في سياق تكثيف سياسة الاحتلال الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية". كما رفض سقوط قتلى من كلا الطرفين، مندداً بـ"التصعيد الحالي" وداعياً إلى وقف للنار و"كل الأطراف للعودة إلى طاولة المفاوضات". وأثار ذلك رفضاً سياسياً في فرنسا، بدءاً من رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، وصولاً إلى عمدة باريس عن حزب الاشتراكيين، آن إيدالغو.

وندّدت بورن بما رأت فيه "تواطؤ" حزب اليسار الراديكالي، واصفة تعليق الأخير بأنه "صادم" وأن حزب "فرنسا الأبية" يمارس "الالتباس"، ومعتبرة أن هذا الحزب يساوي "بين حركة إرهابية ودولة ديمقراطية".

أما إيدالغو، فكتبت على "إكس"، أنها كـ"عمدة لباريس ومواطنة، تعبر مجدداً عن كل دعمها للشعب الإسرائيلي الذي يبكي قتلاه، ويواجه اليوم مرة جديدة هجوماً إرهابياً من حماس". وأكدت أن موقفها "ثابت"، وهي تقول "لعائلتها السياسية، الحزب الاشتراكي، إنه حان الوقت لوضع حدّ للزواج غير الموفق مع جان لوك ميلانشون والذي لا يشبه بأي شيء زواجاً ناجحاً". واعتبرت أن مواقف الأخير "ضد إسرائيل ورفضه إدانة المنظمة الإرهابية حماس أمر لا يمكن تحمله، لا يمكن للحزب الاشتراكي أن يبقى ضائعاً، لا يمكن أن يكون له أمل وانتصار في ظلّ العار". يذكر هنا، أن باريس منعت خروج تظاهرتين مؤيدتين للفلسطينيين، أمس، لكن المنع لم يصدر عن بلدية باريس، بل عن شرطتها.

تحذيرات من عبثية التصعيد

وانسحب التبرؤ من بيان الحزب وكلام زعيمه، على وجوه سياسية داخل الحزب، لكنها حاولت التميز عن التصريحات المؤيدة تماماً لإسرائيل. فعلى سبيل المثال، أكد النائب عن الحزب، فرانسوا روفان، في حديث لصحيفة "لوموند"، أخيراً، أنه يصف الهجوم بالإرهابي، لكن "التحدي" برأيه "لا ينبغي أن يكون بين أن نقف مع حزب فرنسا الأبية أو ضده"، بل أخذ السجال في فرنسا حول إسرائيل وغزة إلى سياسة الحكومة الفرنسية. وأكد أن تقديم الخدمة للمجتمع اليهودي في فرنسا، لا يحصل بـ"أن نتحالف مع الولايات المتحدة التي تتحالف بدورها مع حكومة اليمين الأقصى في إسرائيل"، لافتاً إلى أن "دور فرنسا هو أن تكون نقطة ارتكاز ضد عبثية التصعيد".

بدوره، قال ميلانشون، في مؤتمر صحافي، أمس الأربعاء: "لدي من الخبرة ما يكفي للقول إني أعرف ما سيحصل، وأعرف الطرفين لأعرف ما بإمكانهما أن يفعلا". وأضاف أن حزبه "وكل الأحزاب السياسية التي سبقته وكنت أنا مؤسسها أو أحد مؤسسها أو ترأستها، عُرفت برفضها المطلق للأحزاب التي تقوم على مزج الدين في السياسة، ونحن على خلاف تام مع كل الأنظمة التي تقوم على ذلك"، في إشارة إلى "حماس". ولكنه أكد أن الحركة "خرجت بفعل حرب مع إسرائيل، لأن هناك حربا بين الطرفين وهذا هو الموضوع الأساسي لما يحصل هناك". وقال: "لقد أدنت العنف الذي كنت أعرف أنه سيخرج، كل العنف ضد إسرائيل وفي غزة لا يؤكد سوى أمر واحد: العنف لا ينتج ولا يعيد إنتاج سوى نفسه".

وشدّد ميلانشون على أن "وقف إطلاق النار يجب أن يُفرض، وعلى فرنسا أن تعمل على ذلك بكل قوتها السياسية والدبلوماسية، الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي يجب أن يعيشا جنباً إلى جنب بسلام وأمن. الحل موجود وهو حل الدولتين". كما رأى في تصريح آخر أن "الموافقة على المجزرة المستمرة (في غزة) عار على بورن، فرنسا لا تتحدث على هذا النوع". وموجهاً كلامه إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سأل ميلانشون: "فرنسا هل تطلب وقف إطلاق النار الفوري؟ هل تدينون كل جرائم الحرب؟ هل موقف فرنسا لا يزال هو ذاته موقف المجتمع الدولي، والأمم المتحدة للدفاع عن حلّ الدولتين؟

(العربي الجديد)

المساهمون