يجري الرئيس الأفغاني أشرف غني، ورئيس المجلس الأعلى الوطني للمصالحة، عبد الله عبد الله، زيارة مهمة إلى العاصمة الأميركية واشنطن، يلتقيان خلالها اليوم الجمعة، الرئيس الأميركي جو بايدن. وتأتي الزيارة في خضم التصعيد الميداني غير المسبوق في أفغانستان، مع توسيع حركة "طالبان" رقعة نفوذها، إثر سيطرتها على عشرات المديريات في شمالي وجنوبي البلاد أخيراً، واستسلام مئات الجنود الأفغان أمام عناصرها المسلّحة. وتعد هذه الزيارة، الأولى لغني إلى واشنطن في عهد بايدن، الذي تسلم مهامه رسمياً في يناير/كانون الثاني الماضي، وتأتي أيضاً بعد إعلان إدارة الرئيس الأميركي الديمقراطي قرارها بسحب جميع القوات الأميركية المتواجدة في أفغانستان، من هذا البلد، بحلول 11 سبتمبر/ أيلول المقبل. وسيركز اللقاء، بحسب الرئاسة الأفغانية، على فتح صفحة جديدة من العلاقات بين واشنطن وكابول، يكون أساسها التعاون في مختلف المجالات، ودعم القوات الأفغانية على وجه التحديد.
تأتي الزيارة في خضم تصعيد ميداني غير مسبوق في أفغانستان
ويرافق غني وعبد الله في هذه الزيارة، كلّ من النائب الأول للرئيس الأفغاني، رئيس الاستخبارات السابق، أمر الله صالح، وهو أحد المقربين لواشنطن، وكذلك مستشار الأمن القومي الأفغاني، حمد الله محب، ورئيسة لجنة حقوق الإنسان الوطنية، شهرزاد أكبري، بالإضافة إلى عدد من المفاوضين الحكوميين مع "طالبان" في العاصمة القطرية، الدوحة.
ولا ينظر المحلل السياسي أحمد سعيدي، إلى توجه كل من غني وعبد الله معاً إلى واشنطن، بإيجابية. ويصف سعيدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، الزيارة بـ"المهمة"، لكنه يرى أن ذهاب الرجلين معاً إلى العاصمة الأميركية، يشير إلى الانقسام الموجود داخل الحكومة الأفغانية، واعتراف واشنطن به. فالرئيس الأميركي، بحسب سعيدي، يستقبل كلاً من غني وعبد الله، اللذين تنافسا في الانتخابات الرئاسية السابقة (جرت في سبتمبر/أيلول 2019)، والتي نجم عنها خلاف كبير على هوية الفائز بالرئاسة، بعدما أدى كل من غني وعبد الله اليمين الدستورية كرئيس للبلاد، وهو خلاف حلّ لاحقاً بتقسيم الحقائب الوزارية بينهما. ويؤكد المحلل السياسي أن الحالة التي تعيش فيها أفغانستان من توتر وقلق، سببها الخلافات بين غني وعبد الله، وعلى واشنطن أن تعي ذلك، وتلجمهما عن سياساتهما الخاطئة، وعن خلافاتهما المتعلقة تحديداً بعملية السلام. وبرأيه، فإن ضياع فرصة السلام هذه سيدفع، أفغانستان نحو أتون حرب أهلية لا تحمد عقباها.
غير أن الأكاديمي والباحث لطف الله حفيظ، يرى أن قيام غني وعبد الله بالزيارة معاً، يحمل أهمية قصوى، كما أن الزيارة نفسها مهمة، لأن أفغانستان تدخل مرحلة جديدة حسّاسة، لذا فإنها تحتاج إلى الدعم الأجنبي، وخصوصاً الأميركي. ويعتبر حفيظ أن الزيارة تحمل رسائل أميركية عدة، منها أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن أفغانستان على الرغم من سحب قواتها من هذا البلد، كما أنها لن تتخلى عن القوات المسلحة الأفغانية التي تقف في وجه "طالبان".
طالبان تبسط نفوذها
ووصل مسلحو "طالبان" إلى أبواب مراكز أربعة أقاليم أخيراً، بعد السيطرة على معظم المديريات الموجودة فيها، وهي أقاليم قندز، تخار، بلخ، وبدخشان. كما أن الحركة حقّقت الكثير من الانتصارات، بسيطرتها على مناطق مختلفة في جنوب البلاد، بعد استسلام المئات من عناصر الأمن والمسلحين القبليين الموالين للحكومة أمامها، الأمر الذي يخيف الحكومة، والذي قد ينذر بسقوطها. كما سيطرت "طالبان" يوم الثلاثاء على المعبر الرئيسي بين أفغانستان وطاجيكستان، معبر شير خان الحدودي، بالإضافة إلى نقاط عبور أخرى.
وأخذت حكومة غني علماً بما يحدث في الميدان، وبالتراجع "التكتيكي" للقوات الأفغانية، بينما صبّت وزارة الداخلية جام غضبها على الزعامة القبلية، وأعلنت أنها اعتقلت عدداً كبيراً من زعماء القبائل الذين كانوا يتوسطون بين الحركة والقوات الأفغانية من أجل استسلام الأخيرين من دون قتال، مع تسليم القواعد العسكرية لمسلحي الحركة، مقابل سماحها لهم بالعودة إلى منازلهم أحياء.
وأصدر "فيلق بامير"، التابع للجيش الأفغاني في شمال البلاد، الثلاثاء، بياناً وصوراً، تظهر عدداً من شيوخ القبائل معتقلين لدى الفيلق، مؤكداً أن هؤلاء كانوا يتوسطون بين القوات الأفغانية و"طالبان" من أجل الاستسلام، وقد تم اعتقالهم، وستجري ملاحقتهم قضائياً. وأكد مستشار الرئيس الأفغاني، وحيد عمر، خلال مؤتمر صحافي، إن الأحوال ستتحسن خلال أسبوعين، وأن حركة "طالبان" ستُضرب بيد من حديد من قبل القوات الأمنية الأفغانية بالتنسيق مع أطياف الشعب، مشدداً على أن الحركة لن تأتي للشعب "إلا بالويلات والدمار، والحكومة الأفغانية لن تسمح لهم بذلك". كما شدّد على قدرة القوات الأفغانية على التصدي لهجمات "طالبان" والدفاع عن أراضي أفغانستان وسيادتها.
لكن تقريراً صدر أخيراً للاستخبارات الأميركية، خلص إلى أن الحكومة الأفغانية ستسقط بيد "طالبان" في غضون 6 أشهر، بمجرد اكتمال الانسحاب الأميركي من هذا البلد. واستبعد التقرير التقييمات الأكثر تفاؤلاً التي تم إجراؤها في وقت سابق، بعد التقدم الأخير لـ"طالبان". لكن كبار المسؤولين في البنتاغون أكدوا أول من أمس، أن هجمات الحركة الأخيرة التي "يراقبها" الجيش الأميركي عن كثب "لن تؤثر على الانسحاب العسكري الأميركي". وقال وزير الدفاع لويد أوستن: "نركز على المهمة الموكلة إلينا، وهي تنفيذ الانسحاب بطريقة آمنة ومنظمة ومسؤولة". والتقى أمس الخميس، مسؤولون عسكريون أتراك وأميركيون في أنقرة، لمناقشة خطط القوات التركية مواصلة تأمين مطار كابول، بعد انسحاب الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان.
المسلحون الأجانب
وتأتي زيارة الرئيس الأفغاني إلى واشنطن، متزامنة مع إثارة الحكومة الأفغانية بقوة قضية المسلحين الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب "طالبان"، بحسب ما تقول، وهي قضية يفترض أن تشكل أهمية عالية لواشنطن بالدرجة الأولى، لأن من بنود اتفاقية الدوحة (الموقعة بين واشنطن و"طالبان" في عهد دونالد ترامب في مارس/آذار 2020)، أن تقطع الحركة علاقاتها بجميع الجماعات المسلّحة والمسلحين الأجانب. وبعد توقيع الاتفاقية، كرّرت واشطن مراراً أن "طالبان" لم تف بهذا البند، مؤكداً أن للحركة علاقات بمسلحين أجانب، الأمر الذي نفته "طالبان".
تثير الحكومة الأفغانية بقوة قضية المسلحين الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب "طالبان"
ويوم الثلاثاء الماضي، أثار المتحدث باسم وزارة الدفاع الأفغانية، فواد أمان، القضية، قائلاً إن "المسلحين الأجانب يقاتلون في صفوف طالبان، وبشكل وافر، ومنهم مقاتلون من طاجيكستان وأوزبكستان وباكستان". وأضاف أن لدى الحكومة الأفغانية "أدلة تثبت ذلك، وقدم قبل أيام تسجيلاً مصورا لباكستاني اعتقل خلال القتال ضد القوات الأفغانية في جنوب أفغانستان". ويُتوقع أن يثير غني والوفد المرافق له هذه القضية خلال زيارته واشنطن، وخلال لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين، وهو ما تعتبره كابول ورقة قوية في يدها.
في الأثناء، تصبّ حركة "طالبان" جلّ اهتمامها على الأحداث الميدانية. ويرى القائد الميداني في الحركة، سليم الله، وهو عنصر سابق في القوات الأفغانية الخاصة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الجيش الأفغاني لم يكن ليستطيع الوقوف في وجه زحف الحركة لولا قدرات سلاح الجو التي يملكها، مؤكداً أن لدى "طالبان" اليوم القدرة على حسم المعركة عسكرياً، مشدداً على أن سقوط المديريات الأخيرة إشارة مهمة إلى ذلك.
تطالب كابول بانعكاس التصريحات الباكستانية الداعمة للسلام في أفغانستان على الأرض
وأصدر زعيم حركة "طالبان"، الملا هيبت الله أخوند زاده، تعليمات جديدة إلى أنصاره، حول السيطرة على المناطق الجديدة، ودعاهم إلى "التعامل الحسن" مع من يستسلم لهم من قوات الأمن والجيش، وتجنب أي عمل يضر بالمواطنين. كما شدّد على تطبيق الشريعة الإسلامية في المناطق التي يتم السيطرة عليها.
باكستان حاضرة
من المخاوف الرئيسية لدى صنّاع القرار في باكستان، ألا ينعكس التوتر في العلاقات الأفغانية - الباكستانية على علاقة إسلام أباد بواشنطن. وقال وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قرشي، الأسبوع الماضي، إن "الرئيس الأفغاني سيزور قريباً واشنطن وسيشتكي هناك من دور باكستان، لذا فنحن نقول من الآن إن باكستان ليست مسؤولة عن فشل الحوار الأفغاني، وإن هناك جهات أخرى داخل أفغانستان تسعى لإفشال الحوار". كما نشر رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، أخيراً، مقالاً في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أكد فيه أن بلاده غيّرت سياساتها، وأنه ليس لديها أيّ طرف مفضل في القضية الأفغانية، مؤكداً احترام باكستان لإرادة الشعب الأفغاني. لكن مستشار الرئيس الأفغاني وحيد عمر، رأى أن كل التصريحات البرّاقة والمواقف السياسية التي تطلقها باكستان، لم تنعكس على الوضع الميداني في أفغانستان، معتبراً أن مقال عمران خان يحمل أيضاً طابعاً سياسياً، وليس إلا شراء للوقت. وأضاف عمر أن بلاده تحتاج إلى الخطوات العملية، مضيفاً أن باكستان "دخيلة في القضية الأفغانية وتساند طالبان كلّ المساندة، وهو أمر يثبته الواقع الأفغاني".
وتأتي الزيارة الأفغانية إلى واشنطن أيضاً، في وقت لم تحرز فيه المفاوضات الأفغانية – الأفغانية الجارية في الدوحة أي تقدم حتى الآن، على الرغم من إعلان الطرفين استمرار الاجتماعات بينهما في العاصمة القطرية، كما أن الانتصارات الجديدة لـ"طالبان" على الأرض، قد تشجعها على المضي قدماً في الميدان، من دون اهتمام كبير بالحوار.