عبّر مراقبون للشأن في ليبيا عن خشيتهم من انهيار مسار الانتخابات الوطنية المقرّر عقدها في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، بعد أن عادت أحقية النظر في الأساس الدستوري للانتخابات إلى مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة اللذين يمثلان، حتى وقت قريب، طرفي الصراع في البلاد.
وبعد مخاض عسير بدأ، مطلع إبريل/نيسان الماضي، بتكليف البعثة الأممية اللجنة القانونية بملتقى الحوار السياسي، إعداد قاعدة دستورية للانتخابات الوطنية المقبلة، وانتهى باجتماع للملتقى، دام يومين نهاية الأسبوع الماضي، لمناقشة القاعدة من دون أن يتم التوافق على شيء، قرّرت البعثة الأممية إحالة المقترح على مجلسي النواب والدولة للنظر فيه وحلحلة نقاط الخلاف التي تضمنها، مع التشديد على ضرورة "مراعاة الموعد النهائي للإطار الدستوري والانتخابي المحدَّد في 1 يوليو/تموز المقبل، على النحو الذي دعا إليه قرار مجلس الأمن رقم 2570"، وفق بيان البعثة في ختام جلسات ملتقى الحوار، الخميس الماضي.
وطالب عضو مجلس النواب وعضو ملتقى الحوار، زياد دغيم، بعقد اجتماع آخر للملتقى لاقتراح قاعدة دستورية أكثر توافقاً، معتبراً أنّ أصل الانسداد الذي تسبب في مقترح القاعدة الدستورية السابق، هو خارطة الطريق المنبثقة عن الملتقى، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وأوضح دغيم، خلال تصريح لتلفزيون ليبي، ليل الجمعة، أنّ "السبب الأساسي هو اشتراط الملتقى تنفيذ كل الاستحقاقات في خارطة الطريق حزمة واحدة، ومنها الانتخابات، وهذا لم يحدث ولم ينفذ من الاستحقاقات الأخرى شيء".
وحول نتائج اجتماع الملتقى، الأربعاء والخميس الماضيين، أوضح أن "الملتقى أخطأ بتفويض مجلسي النواب والدولة بالمسار الدستوري"، لافتاً إلى أنّ المجلسين اتفقا، خلال اجتماع ممثليهم في الغردقة المصرية في فبراير/شباط الماضي، على الاستفتاء على الدستور، وقال "نحن في مأزق الآن".
وإذا لم يتوافق الملتقى على قاعدة جديدة، يرى دغيم أن "الحل الوحيد هو إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في موعدها، بإشراف دولي مباشر، وجدي وفاعل لضمان انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية".
ويتفق مع دغيم، أستاذ القانون في الجامعات الليبية، أحمد العاقل، متسائلاً "ما الجديد الذي يمكن أن يصل إليه مجلس النواب ومجلس الدولة، والأخير طالب بضرورة الاستفتاء على الدستور، وأقر قانون الاستفتاء، وطالب المفوضية بضرورة الشروع في الاستفتاء"، معتبراً أن البعثة الأممية أعلنت ضمناً عن عجزها وإرجاع القضية إلى المربع الأول.
ويرى العاقل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الأزمة المقبلة لن تتوقف عند حدّ الأزمة الدستورية، بل ستتجاوزها إلى أزمة سياسية، موضحاً أنّ "مجلس النواب ومجلس الدولة بشكلهما الحالي سيوقدان الخلافات السياسية، فهما إلى وقت قريب يمثلان طرفي الصراع".
ولم تحدّد البعثة الأممية موعداً لإحالة القاعدة الدستورية على مجلسي النواب والدولة، إلا أن رئيس البعثة يان كوبيتش، قال، في كلمته في ختام جلسات ملتقى الحوار، مساء الخميس، إنه سيشدد على المجلسين ضرورة توضيح القاعدة الدستورية "خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع".
وبعد انعقاد جلسات ملتقى الحوار السياسي في تونس، نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، شكلت البعثة الأممية لجنة مؤلفة من ممثلين عن المجلسين للمسار الدستوري، اتفقوا خلال اجتماعاتهم في الغردقة المصرية، على الاستفتاء على الدستور ليكون أساساً دستورياً للانتخابات المقبلة، لكن من دون أي تفاعل من جانب البعثة والملتقى بشأن هذه النتائج، ولذا فالعاقل يؤكد "وجود إملاءات خارجية تضغط لإجراء الانتخابات في موعدها المحدّد، وتطالب بقاعدة دستورية موقتة، ما يعني أنها لا تريد انتخابات تفضي إلى مرحلة سياسية دائمة في البلاد على أساس الدستور".
وفيما يقول العاقل "حقيقة لا ندرك أهداف الدول المتدخلة في الشأن الليبي"، يرى الصحافي الليبي سالم الورفلي، من جانبه أنّ توافق المجلسين على نقاط الخلاف في القاعدة الدستورية "أمر شبه مستحيل".
ويشير الورفلي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "إحالة قاعدة بهذه الحساسية، وفي الوقت الذي يتصارع فيه المجلسان على المناصب السيادية وتمر الحكومة بمواجهة مع مجلس النواب بشأن ميزانيتها، أمور ستزيد من عدد الأوراق لدى المجلسين للضغط لحصد مكاسب أكبر"، محذراً من انهيار وشيك للعملية الانتخابية.
وقال إنّ البعثة "تعرف أنّ موعد التوافق على القاعدة في الأول من يونيو/حزيران لا تفصلنا عنه سوى أيام"، متسائلاً "متى يتوافق الفرقاء؟"، مشيراً إلى أن التوافق، وإن تم بشكل سريع، فهو يتطلب إصدار قانون انتخابات مجلس النواب، وقانون انتخاب الرئيس، سواء كان الانتخاب مباشراً أم غير مباشر، وكلاهما يتطلب أغلبية في المجلسين.
ويلفت الورفلي إلى أن نتائج عدم توافق المجلسين "ظاهرة منذ الآن، فملتقى الحوار يتضمن ممثلين عنهما، وكانوا أحد أهم أسباب عدم توافق المجلس، مثل اشتراط مجلس الدولة أن يكون البرلمان الجديد من غرفتين كما هو الحال الآن، مجلس النواب ومجلس الدولة".
ويخلص الورفلي إلى أن دعوة دغيم، عضو الملتقى، لأن يكون الحل إشرافاً دولياً على الانتخابات "هي النتيجة التي تهدف البعثة إلى وصول الوضع إليها، من خلال فرض الإملاءات الخارجية وإجراء الانتخابات على أساس دستوري مؤقت لاستمرار فترات الانتقال السياسي".