يستعد القضاة التونسيون للرد على بيان وزارة العدل التي أفادت، أمس السبت، باتهام القضاة المعفيين، بتهم بعضها "ذات صبغة إرهابية"، إضافة إلى اتهامات بالفساد المالي، والرشوة، وغسل الأموال، وجرائم اقتصادية.
وقالت مصادر لـ"العربي الجديد" إن حالة من الغضب تسود صفوف العديد من القضاة الذين يستعدون لاتخاذ موقف موحد بعد هذا التصعيد الأخير.
وكانت الوزارة، قد قالت في بيان، مساء أمس السبت، إنه جرى فتح تحقيقات بحق القضاة المعفيين في جرائم عدة، كالفساد المالي، والرشوة، وغسل الأموال، والجرائم الاقتصادية، بالإضافة إلى جرائم "ذات صبغة إرهابية كالتستّر على تنظيم إرهابي، وتعطيل الإجراءات والانحراف بها".
وقال القاضي لدى التعقيب، محمد عفيف الجعيدي، إن "السيدة وزيرة العدل أكدت أن لديها 109 ملفات جزائية في الفساد والإرهاب في حق القضاة المعفيين"، مضيفاً في تدوينة على صفحته بـ "فيسبوك": "أنه وفي إطار الرد عليها، نذكّرها بأنها ادعت سابقاً أن الإعفاءات استندت لملفات جاهزة، ولما طالبتها المحكمة الإدارية بحجتها صمتت".
وأوضح أن المحكمة قد أصدرت بياناً لا يخلو من كلام عام، فلما لا تذكر الوزيرة الوقائع تفصيلياً للمائة وتسعة ملفات؟ مؤكداً أنه لم يتم ذكر الوقائع؛ لأن الأبحاث المتحدث عنها في أغلبها استندت لبطاقات أمنية، وتدوينات فيسبوكية، وشكايات مجردة جرى البحث فيها سابقاً ولم يثبت ما تتضمنه.
وقال الجعيدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الإشكال ليس في ملف القضية، بل في طبيعة هذه الملفات وهل هي مبنية على بطاقات أمنية أم على مسائل سبق البت فيها من قبل القضاء وأُغلقت، أو على مسائل لا ترتقي إلى أن تكون قضايا جزائية أصلاً"، مؤكداً أنه "لو كان لدى وزيرة العدل فعلاً ملفات لكانت قدمتها إلى المحكمة الإدارية عندما طُلب منها ذلك" .
وتساءل الجعيدي "هل إثارة هذه الملفات الآن هو لحصد تأييد إعلامي وحشد الرأي العام"، مبيناً أنه "عندما تكون هناك قضايا تهم الرأي العام وتتعلق بالإرهاب والفساد فينبغي كشفها، ونحن نرغب في معرفة الـ109ملفات ومن الشاكي، والشكايات التي تتضمنها؟".
وأشار إلى أن "الأمر قد يكون مبنياً على مجرد ملفات فيسبوكية وتقارير أمنية، وفي النهاية قد لا يتم الخروج سوى بملفين أو ثلاثة من إجمالي هذه الملفات"، مؤكداً أن "الوضع برمته غريب وغير طبيعي، ففي دولة عادية تحترم القانون قرار المحكمة الإدارية يُنفذ".
وبيّن الجعيدي أن" الأمر يتعلق بكبار قضاة تونس، وبالتالي المسألة تتعلق بالأمن القومي، ولأن الموضوع خطير، فإن على وزيرة العدل إبراز هذه الملفات".
ودوّن القاضي حمادي الرحماني، أحد القضاة الذين أضربوا عن الطعام "هاجس وحيد يحرك وزيرة العدل، وهو سبب كل إجراءاتها التصعيدية، وسبب صدور كل بياناتها هو كيفية تبرئة ذمتها، والتنصل من مسؤولية إعداد قائمة الإعفاءات المضللة، مَن وضع القائمة وكيف".
وأضاف على صفحته بـ "فيسبوك" أن بيان وزارة العدل هو من أجل "التملص من تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية، ولإبعاد تهمة فبركة ملفات تسببت في قرارات عزل ظالمة، وللتغطية على تقاعسها في تقديم الملفات للمحكمة الإدارية، ولإيهام الرأي العام بوجود تتبعات جدية ضد القضاة، ولتبرير خلع مكاتب القضاة وتغيير أقفالها وتعطيل النظر في قضايا الموقوفين...".
وتساءل رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء، أحمد الرحموني: "شيء غريب ألا يعلق رئيس الجمهورية على تصرفات وزيرة العدل، وألا يرتب أية نتائج على القرارات التي صدرت عن المحكمة الإدارية بإيقاف تنفيذ الإعفاءات الظالمة، وأن يترك للوزيرة النافذة الحبل على الغارب لتتبع قضاة استردوا صفاتهم بقوة القانون، وكان من الأجدر الاعتذار لهم للأضرار التي لحقت بسمعتهم وعائلاتهم".
وجاء بيان وزارة العدل، أمس، بعد قرار للمحكمة الإدارية، يقضي بعودة القضاة المعفيين إلى عملهم، فيما وصف سياسيون تونسيون القرار الصادر عن المحكمة الإدارية بالـ "خطوة الجريئة"، معتبرين أنه دليل على أن القضاء صامد في وجه الانقلاب.
وكان الرئيس قيس سعيّد قد أصدر أمراً رئاسياً في 1 يونيو/حزيران الماضي بإعفاء 57 قاضياً، مع التنصيص على النفاذ الفوري.