تعمل طواقم فلسطينية ميدانية في البحث والتوثيق على مدار الساعة في قطاع غزّة، لتوثيق وتسجيل جرائم الاحتلال الإسرائيلي، خلال العدوان الأخير، رغم أنه من غير المؤمل أن يُساق مجرمو الحرب الإسرائيليون إلى المحاكم الدولية في وقت قريب.
وتوحّدت جهود أربع منظمات حقوقية فلسطينية، هي "الضمير لحقوق الإنسان"، و"مؤسسة الحق"، و"المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان"، و"مركز الميزان لحقوق الإنسان"، في عملية توثيق جرائم الحرب، التي ارتكبتها إسرائيل.
ويعمل على التوثيق، في هذه المنظمات، مائة باحث ومشرف ميداني ومُدخل بيانات، بعدما تلقوا تدريباً على منهجية العمل الموحدة بين المؤسسات، وفي استمارات خاصة لجمع بيانات وافية عن الضحايا وظروف الجرائم والتدمير.
ويقول مدير مؤسسة "الضمير لحقوق الإنسان"، خليل أبو شمالة، لـ"العربي الجديد"، إنّ الباحثين يزورون كل المناطق في قطاع غزة، وجرى توزيعهم وتدريبهم ضمن آلية عمل دقيقة وأدوات قانونية، للاستماع والتأكّد من الروايات من أكثر من شاهد عليها.
وبعد ذلك، ووفق أبو شمالة، يقرّر المحامون أيّ ملفٍّ من الملفات، التي يمكن أن تُستخدم للشكاوى، وسيعمل مع المؤسسات أيضاً فريق خبراء دوليين وأطباء وخبراء أسلحة ومحامين، مؤكّداً أنّ الغرض من هذا العمل ليس مجرد التوثيق، إنما سينتج عنه إنشاء الملفات القانونية في إطار المعركة القانونية، لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين.
وجدد أبو شمالة الدعوة إلى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، للتوقيع على ميثاق روما المنشئ لمحكمة الجنايات الدولية كسبيل للانتصار للضحايا، وتمكين المنظمات من التقدم بشكاوى ضدّ قادة الاحتلال الإسرائيلي.
ولفت الحقوقي الفلسطيني إلى أنّ "المنظمات الفلسطينية ستقدّم ما لديها من توثيق وأدلّة للجنة تقصي الحقائق، المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان، ومؤسسات الأمم المتحدة"، مضيفاً: "سنواصل ضغطنا أيضاً على الرئيس من أجل الوصول الى محكمة الجنايات".
ويسعى القائمون على التوثيق إلى الاستفادة من تغير نظرة العالم لإسرائيل، على ضوء ما ارتكبته من جرائم بحق المدنيين في قطاع غزة. وفي السياق، يقول أبو شمالة إن نجاح ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين منوط بتوفر الإرادة السياسية للمجتمع الدولي لجهة عدم التضحية بالعدالة وحقوق الانسان، مؤكّداً أن "الوضع الحالي لن يستمر لصالح الاحتلال ولن تبقى الضحية ضحية، ولن يستمر الجاني مفلتاً من العقاب".
وعن سبب تأخر محاسبة إسرائيل على جرائمها، يجيب المستشار القانوني للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إحسان عادل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن عوامل كثيرة اجتمعت لتؤدي إلى ذلك، أبرزها سياسي يتصل بالتشابكات الموجودة داخل مجلس الأمن، وهو الجهة المنوط بها الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، كانت ولا تزال عائقاً حتى الآن أمام اتخاذ خطوات عملية فعالة ليس لمحاسبة القادة الإسرائيليين، الذين تورطوا في ارتكاب جرائم حرب فحسب، بل لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وإنهاء النزاع المستمر هناك منذ عقود.
ويلفت عادل إلى أنّ تردُّد المحور الداعم لفلسطين، وبالأخص الدول العربية، بل حتى السلطة الفلسطينية نفسها، له دور في تأخر محاسبة مرتكبي جرائم الحرب، مؤكداً أن "المجال مفتوح الآن أمام فلسطين للانضمام إلى ميثاق روما، بما يؤدي إلى محاسبة الجناة، لكنها حتى الآن لم تفعل، وهذا بالطبع يؤخر محاسبة إسرائيل".
ويبيّن المستشار القانوني للمرصد الأورومتوسطي أن استمرار دول العالم، ولا سيما الكبرى منها، في ممارسة السياسات الموجودة حالياً نفسها، يعيق محاسبة الاحتلال، "لذلك نحن دعونا مجلس الأمن والجهات الدولية الفاعلة إلى وضع الجوانب السياسية جانباً، في ما يتعلق بانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب".
وبحسب عادل، على الفلسطينيين أنفسهم اتخاذ زمام المبادرة، واستثمار الأدوات القانونية الموجودة لاسترداد حقوقهم، خصوصاً أن العالم يتقدّم أكثر في اتجاه الوقوف مع القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع، مشيراً إلى أنّ "هناك فتوى محكمة العدل الدولية بخصوص الجدار العازل (2004)، وهناك تقرير غولدستون بخصوص الحرب السابقة على غزة (2009)، وهناك محكمة جنائية دولية أبوابها مفتوحة، وهناك 15 اتفاقية دولية وقّعتها السلطة الفلسطينية، وهذه كلها فيها من الأسس والأدوات ما يؤدي إلى معاقبة من ارتكب جرائم حرب".
ويضيف عادل: "نحن نعمل على توثيق الجرائم التي حدثت، نجمع الإفادات من الضحايا ومن شهود العيان، نقارن ونميز ونحدد الروايات ذات المصداقية والمتسمة بالحياد، ونبحث عن الأدلة، ونقوم بتزويدها للجهات الدولية المختصة، ولا سيما لجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان للتحقيق في الحرب الأخيرة، ولدينا أيضاً مشاركة في جلسة حقوق الإنسان في دورته المقبلة، التي ستُعقد بعد أيام من خلال ثلاثة تقارير أعددناها، وتتعلق بانتهاكات القانون الدولي الإنساني، التي ارتكبت أثناء الحرب على غزة".
وكل ما تقوم به منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية على الأرض من توثيق ذي مصداقية، سيساعد لجنة التحقيق الدولية على تحديد ما حدث، وحينما تصدر اللجنة تقريرها، يُفترض أنه سيمثل وثيقة هامة يمكن الاعتماد عليها للمطالبة عملياً بمحاسبة من يثبت ارتكابهم لجرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية.