غزة تحرق رصيد ليبرمان وتطيحه... وتحرّك عجلة الانتخابات الإسرائيلية

15 نوفمبر 2018
لم يتمكن ليبرمان من تنفيذ أي من وعوده(ليئور مزراحي/Getty)
+ الخط -
ضرب اضطرار حكومة الاحتلال، مساء الثلاثاء الماضي، إلى القبول بوقف إطلاق النار، رغم لجوئها إلى صيغة مراوغة في تخريج موافقتها عبر تكرار مقولة "الهدوء يقابل بالهدوء"، ما تبقى لدى وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، من "مصداقية عامة"، تبرر بقاءه في حكومة تبين أنها لا تأخذ برأيه. فقد وجد ليبرمان، وهو صاحب الشعار الانتخابي "كلمة من ليبرمان"، نفسه وظهره للحائط، وليس له مفر إلا خطوة "متطرفة" كي يبقي لنفسه "مخزون" أي رصيد يعينه في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.

والواقع أن وقف إطلاق النار، الذي اضطرت حكومة الاحتلال إلى القبول به، والنفس الطويل الذي أبدته المقاومة في الأشهر الأخيرة عبر مسيرات العودة  في قطاع غزة، أطاح في نهاية المطاف، بعد تفاقم الخلافات بين ليبرمان ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حول كيفية مواجهة استراتيجية حركة "حماس" في غزة، بليبرمان من وزارة الأمن، بعد عامين من دخوله للمنصب، من دون أن يتمكن من تحقيق أو تنفيذ وعد واحد أو تهديد من تهديداته التي اشتهر بها، ودخل على صهوتها للحكومة، وأبرزها تهديداته باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية.

وفي هذا السياق، لم يكن إعلان أفيغدور ليبرمان، أمس الأربعاء، عن قراره الاستقالة من منصب وزير الأمن في حكومة الاحتلال، إثر موافقة إسرائيل على اتفاق وقف إطلاق النار مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، مفاجئاً لمن تابع في إسرائيل تراجع مكانة ليبرمان في الحكومة الإسرائيلية، في الأشهر الأخيرة، وعدم قبولها للخط العام الذي طالب باعتماده في مواجهة "حماس"، ورفضه المتكرر لأي تهدئة مع الحركة، مطالباً بدلاً من ذلك بإنزال ضربات قاسية وموجعة بالحركة. لكن نتنياهو ضرب بمطالب ليبرمان ومواقفه عرض الحائط، خصوصاً في الأسابيع الأخيرة. وأقر نتنياهو، مستتراً بدوره وراء موقف الجيش والأذرع الأمنية، سلسلة قرارات معاكسة لمواقف ليبرمان، بدءاً من تحويل الوقود القطري إلى غزة، ثم تحويل الدفعة القطرية لتأمين دفع رواتب الموظفين في القطاع، وصولاً إلى القبول باتفاق وقف إطلاق النار.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن ليبرمان تحول في ظل سعي حكومة الاحتلال، في الأشهر الأخيرة للوصول إلى تهدئة مع المقاومة في غزة، وإصرار الجيش الإسرائيلي والأذرع الأمنية على رفض أي خيار آخر مثل إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق ضد القطاع، في أكثر من حالة، إلى عنوان لسهام اليمين الأكثر تطرفاً منه، خصوصاً حزب "البيت اليهودي"، بزعامة نفتالي بينيت، باعتباره المسؤول الأول والرئيسي عن تآكل قوة الردع الإسرائيلية في مواجهة حركة "حماس"، بعد أن كان هدد قبيل انضمامه للحكومة أنه في حال تعيينه وزيراً للأمن، سيعمل على اغتيال هنية خلال 48 ساعة. لكن الساعات والأيام مرت، دون أن يتمكن ليبرمان من تنفيذ أي من وعوده الانتخابية والسياسية.

ومع إعلان ليبرمان استقالته وانسحاب حزبه "يسرائيل بيتينو" (يملك 5 مقاعد في الكنيست) بشكل فوري مع بدء سريان استقالته من الحكومة والائتلاف الحكومي تراجع عدد أعضاء الائتلاف الحكومي إلى 61 مقعداً في الكنيست. ويشكل إعلان ليبرمان عملياً الطلقة الأولى والأهم في الأشهر الأخيرة، لبدء المعركة الانتخابية في إسرائيل، خصوصاً أنه طالب، في المؤتمر الصحافي أمس، رؤساء الأحزاب المختلفة بالتوافق على موعد لتبكير الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، وعدم انتظار استمرار الولاية الحالية حتى الموعد الرسمي للانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني 2019. وجاء إعلان ليبرمان عملياً مدفوعاً أيضاً بحسابات سياسية حزبية داخلية، إذ يخشى ليبرمان من تواصل تآكل قوته الانتخابية، في ظل الحرب المنهجية التي يشنها ضده الخصم والمنافس الأساسي له في اليمين الإسرائيلي المتطرف، حزب "البيت اليهودي"، وتصوير ليبرمان بأنه غير قادر على توفير الأمن للإسرائيليين ولا على مواجهة حركة "حماس". وفي هذا السياق برزت مسارعة "البيت اليهودي" إلى المطالبة، حتى قبل إعلان ليبرمان استقالته رسمياً، بالحصول على حقيبة الأمن، واتهام ليبرمان بأنه باستقالته من وزارة الأمن فإنه يتهرب من المسؤولية، وفق التعبير الذي استخدمه عضو الكنيست عن حزب "البيت اليهودي"، موطي يوجيف.

ويحاول ليبرمان من خلال استقالته تحت ذريعة "رفض الخضوع للإرهاب" وعدم القدرة على مواصلة السياسة "الانهزامية" أمام "حماس"، استعادة تأييد اليمين الإسرائيلي المتطرف، خصوصاً في ظل الاحتجاجات التي قادها المستوطنون في "سديروت" و"نتيفوت"، أمس، وتخللها إغلاق طرق وحرق إطارات ومحاولة منع وصول البضائع إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم. وتطلق استقالة ليبرمان، في واقع الحال ديناميكية جديدة نحو تسريع الانتخابات، بالاعتماد على أزمات مقبلة يتوقع أن تواجه حكومة نتنياهو مطلع ديسمبر/كانون الأول المقبل بشأن تطبيق قرار المحكمة الإسرائيلية العليا بشأن تجنيد "الحريديم"، ما لم تُشرع الحكومة نهائياً قانون التجنيد، الذي مر قبل عدة أشهر، وتطالب الأحزاب الحريدية بإدخال تعديلات عليه، خصوصاً حزب "يهدوت هتوراة"، وإلا فإنها ستنسحب من الحكومة الحالية. وبالتالي فإن من شأن عدم التوصل إلى اتفاق بين نتنياهو وبين هذه الأحزاب أن يجعلها، في ظل تغيير موازين القوى وتراجع قوة الائتلاف الحكومي إلى 61 عضواً فقط، تفكر هي الأخرى جدياً بالانسحاب من الحكومة، وبالتالي الاتجاه نحو انتخابات جديدة قد تجرى أواخر فبراير/شباط أو مطلع مارس/آذار كموعد مبكر، أو الذهاب إلى انتخابات في مايو/أيار المقبل تبعاً للموعد الذي يعتبره الأفضل له.

على أية حال، فإنه لا يمكن عزل أثر أداء المقاومة الفلسطينية، الذي اضطر حكومة الاحتلال إلى الاتجاه نحو قبول مقترحات وقف إطلاق النار، على قرار ليبرمان، حتى لو كان القرار مدفوعاً بحسابات حزبية داخلية ومصالح ضيقة. فقد سعى ليبرمان، من خلال استقالته أيضاً، إلى "تنقية نفسه" من شوائب سياسة حكومة نتنياهو، وما تكرس في أذهان الإسرائيليين كتآكل لقوة الردع الإسرائيلية من جهة، وعجز حكومة اليمين الأكثر تطرفاً وافتقارها للإرادة لشن حرب شاملة ضد "حماس" سعياً لإسقاطها من جهة ثانية. ويتصل هذا عملياً بالواقع الذي فرضته "حماس" على الأرض، والمنطق الذي سبق أن تحدث عنه مسؤول "حماس" في غزة، يحيى السنوار، في المقابلة الصحافية المشهورة، مع صحيفة إيطالية، والتي أوضح السنوار فيها أنه ليس أمام الاحتلال خيار في نهاية المطاف سوى القبول بتهدئة طويلة الأمد، تشمل رفع الحصار كلياً، لأن كل مواجهة عسكرية ستنتهي في نهاية المطاف بالعودة إلى الوضع القائم مع ما يحمله من احتمالات اندلاع مواجهات عسكرية متواصلة.

المساهمون