وجّهت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أول رسالة تحذير عسكرية لإيران وحلفائها من مغبّة استهداف مصالحها في الشرق الأوسط ولا سيما في العراق، بعد ثلاث هجمات استهدفت أخيراً مصالح أميركية في العراق، إذ نفذت ضربة "محسوبة" على مليشيات موالية لإيران فجر أمس الجمعة، واختارت الأراضي السورية لتنفيذها، لعدم إحراج حكومة مصطفى الكاظمي، بالتوازي مع توجيه رسالة أنها لن تتساهل مع أنشطة إيران الإقليمية لصالح المحادثات النووية، وفق ما يقول مراقبون.
وقصفت الولايات المتحدة فجر الجمعة بنى تحتية تستخدمها فصائل مسلحة موالية لإيران في ريف دير الزور الشرقي، ما أسفر عن مقتل 22 مسلحاً عراقياً، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، في أول عملية عسكرية لإدارة جو بايدن رداً على الهجمات الأخيرة على مصالح غربية في العراق. وقالت مصادر مقربة من فصائل "الحشد الشعبي"، لـ"العربي الجديد"، إن الضربات الجوية الأميركية استهدفت مبنى حكومياً سابقاً داخل منطقة البوكمال، على بعد نحو 20 كيلومتراً من الحدود العراقية، تستخدمه وحدات تابعة لـ"كتائب حزب الله" "وسيد الشهداء" العراقية منذ عام 2019. وأضافت أن "المكان الذي تعرض للهجوم ومواقع أخرى مماثلة على الحدود داخل سورية لم تعد تحتوي الكثير من العناصر، ضمن خطط وإجراءات استباقية متبعة منذ مدة بعد تكثيف الكيان الصهيوني غاراته على المنطقة الحدودية، وبهدف تلافي الخسائر تم انتقاء مواقع مرابطة ولا وجود لمعسكرات يحتشد فيها المقاتلون مثل السابق". وعمدت القوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها بعد الضربة إلى إخلاء مواقع ومقرات عدة في البوكمال.
وفيما قالت وسائل إعلام عراقية تابعة لـ"الفصائل الولائية" (المقربة من إيران)، إن حصيلة الضربات الأميركية قتيل واحد، فإن المرصد السوري أكد أن الهجوم أدى إلى مقتل 22 مسلحاً على الأقل معظمهم من "كتائب حزب الله" والباقون من "الحشد الشعبي". كما دمّرت الغارات الأميركية، وفق المرصد، ثلاث شاحنات تقل ذخيرة جنوب مدينة البوكمال.
أعلن المرصد أن الهجوم أدى إلى مقتل 22 مسلحاً على الأقل معظمهم من "كتائب حزب الله"
ووصف المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جون كيربي في بيان عملية القصف بـ"الدفاعية"، موضحاً أن الضربات دمرت "بنى تحتية عديدة تقع في نقطة حدودية تستخدمها مليشيات مدعومة من إيران". وسمى "كتائب حزب الله" و"سيد الشهداء". وجاءت الضربات وفق كيربي "رداً على الهجمات الأخيرة على الطاقم الأميركي وقوات التحالف في العراق والتهديدات المستمرة ضد هؤلاء". وأكد أن "هذا الرد العسكري المتكافئ تمّ بالتوازي مع إجراءات دبلوماسية ولا سيما مشاورات مع شركاء" التحالف الدولي. وأضاف أن "العملية توجه رسالة واضحة مفادها أن الرئيس بايدن سيحمي القوات الأميركية وقوات التحالف". وتابع "في الوقت نفسه تصرفنا بطريقة محسوبة من أجل تهدئة الأوضاع في شرق سورية وفي العراق".
من جهته، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، لصحافيين: "نحن متأكدون من الهدف الذي اخترناه". وأضاف "نحن نعرف من ضربنا". وتابع "نحن على يقين من أن هدفنا كان المليشيا التي نفذت الهجمات الأخيرة". كما نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أميركي لم تكشف اسمه، أن قرار توجيه هذه الضربات كان يهدف إلى إرسال إشارة بأن الولايات المتحدة تريد معاقبة الجماعات المتشددة لكنها لا تريد أن ينزلق الوضع إلى صراع أكبر. وأضاف أن بايدن عُرضت عليه عدة خيارات واختار واحداً من أخفها من حيث العواقب التي قد تترتب عليه. كما قال مايكل ماكول، أبرز عضو جمهوري في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، إن الضربات "إنذار لإيران ووكلائها وخصومنا في جميع أنحاء العالم بأنه لا تهاون مع الهجمات على المصالح الأميركية".
وتفاعل القصف سريعاً في العراق، ولم تتأخر وزارة الدفاع العراقية لتنفي في بيان وجود أي تعاون أو تبادل معلومات مع واشنطن بخصوص الهجوم. وأعربت الوزارة "عن استغرابها لما ورد في تصريحات وزير الدفاع الأميركي، والمتعلقة بحصول تبادل للمعلومات الاستخباراتية مع العراق سبق استهداف بعض المواقع في الأراضي السورية". وأضافت "إننا وفي الوقت الذي ننفي فيه حصول ذلك، نؤكد أن تعاوننا مع قوات التحالف الدولي منحصر بالهدف المحدد لتشكيل هذا التحالف، والخاص بمحاربة تنظيم داعش، وتهديده للعراق".
كما نفت مصادر مقربة من الكاظمي لـ"العربي الجديد"، علم الأخير المسبق بالهجوم الأميركي. وقال مسؤول عراقي بارز في مكتب رئيس الوزراء ببغداد، طالباً عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن ما أشار له مسؤولون أميركيون حول التعاون الاستخباري مع بغداد بشأن الهجوم على البوكمال فُهم بشكل خاطئ، مضيفاً أن واشنطن وأربيل انتهتا منذ الثلاثاء من التحقيق المشترك حول الاعتداء الصاروخي الذي طاول أربيل الأسبوع الماضي وخلصت إلى تورط "كتائب حزب الله" بالعملية، وحديث وزارة الدفاع الأميركية حول تعاون استخباري من العراق متعلق بالتحقيق، ولا يعني أن الحكومة العراقية سلّمت الأميركيين إحداثيات أو مواقع تواجد "كتائب حزب الله" في البوكمال، مشدداً على أن "الحكومة لا علم مسبق لها بالرد الأميركي". وتحدث المسؤول عن "وجود تصعيد إعلامي واضح ضد رئيس الحكومة من قبل فصائل مسلحة عدة بعد الضربة الأميركية، وقد يتصاعد ليكون هناك تصعيد أمني يترجم بهجمات كاتيوشا جديدة ردا على الهجوم الأميركي".
من جهته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي كاطع الركابي لـ"العربي الجديد" إن "طيران التحالف الدولي ينتقم من الحشد الشعبي عبر ضربات وتلفيقات غير حقيقية، ومنها تورطه بقصف مدينة أربيل، وبالتالي فإن الحكومة العراقية أمام اختبار صعب لمواجهة القوات الأميركية والغطرسة التي تمارسها". وتمارس الأجنحة الإعلامية لـ"الفصائل الولائية"، حملة تحريضية ودعوات للانتقام. ونشرت قناة "صابرين نيوز" المعروفة بقربها من الفصائل الموالية لإيران، سلسلة من المنشورات، أشارت إلى أن "الانتقام سيكون برد القصف بالقصف". وفي السياق، قال القيادي في مليشيا "عصائب أهل الحق" جواد الطليباوي، لـ"العربي الجديد"، إن "الاعتداء الأخير على قوات الحشد الشعبي المرابطين على الحدود العراقية السورية، لن يمر مرور الكرام، ونحن لا نستبعد أن يكون هناك تعاون أو تنسيق أو تسهيل من حكومة الكاظمي مع الجانب الأميركي لتنفيذ هذه الضربات". وأضاف الطليباوي أن "قوات الحشد الشعبي المنتشرة على الشريط الحدودي مع سورية، واجبها الدفاع عن العراق وتأمين الحدود الغربية. ونحن لا نعرف ما علاقة القوات المرابطة على الحدود لتتعرض إلى الاستهداف بعد قيام جماعات مسلحة وفصائل غير معروفة بالهجوم على المنشآت الأميركية أو مبنى السفارة، أو حتى مدينة أربيل".
قيادي في "عصائب أهل الحق": لا نستبعد أن يكون هناك تعاون من حكومة الكاظمي مع الأميركيين لتنفيذ الضربات
وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين قد اعتبر أن استمرار الهجمات بواسطة صواريخ "الكاتيوشا" ضد المصالح الأميركية في البلاد، يعرقل جهود الإشراف الدولي على الانتخابات العراقية المبكرة المقرر أن تجري في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، واصفاً مطلقي الصواريخ بـ"الإرهابيين الذين يعملون ضد الحكومة والشعب العراقي". وقال حسين في مقابلة تلفزيونية محلية إن "العراق دولة ديمقراطية لا توجد فيها مقاومة". وتساءل "المقاومة في العراق ضد من؟"، موضحا أن الذي يريد إخراج القوات الأجنبية عليه الذهاب إلى البرلمان وطرح رأيه هناك.
وفي ردود الفعل، ندّدت خارجية النظام السوري بالقصف الأميركي، واصفة إياه بـ"عدوان جبان" يشكل "مؤشراً سلبياً" على سياسات الإدارة الأميركية الجديدة. كما أجرى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف اتصالاً هاتفياً بوزير خارجية النظام فيصل المقداد. وقالت مواقع إعلامية إيرانية إن "الجانبين أكدا ضرورة التزام الغرب بقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن سورية".
من جهته، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن الولايات المتحدة لم تبلغ موسكو بخطتها شن غارات على شرق سورية إلا قبل دقائق معدودة من تنفيذ الهجوم. وأوضح لافروف، أثناء مؤتمر صحافي مشترك في موسكو أمس، أن العسكريين الروس تلقوا إخطاراً من الجانب الأميركي بشأن الغارات الجديدة قبل أربع أو خمس دقائق فقط من شنها، مضيفاً: "حتى إذا تحدثنا عن إجراءات منع وقوع الاشتباك المعتادة في العلاقات بين العسكريين الروس والأميركيين، فإن مثل هذا الإخطار الذي يأتي بالتزامن مع تنفيذ الضربة لا يجلب أي منفعة". وشدد لافروف على أن تواجد القوات الأميركية في سورية غير شرعي ويتناقض مع جميع أعراف القانون الدولي، بما فيها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. وأشار إلى ورود بيانات غير مؤكدة على أن الولايات المتحدة لا تنوي الانسحاب إطلاقا من سورية، مؤكداً أن موسكو تنوي توضيح هذه المسألة في اتصالاتها مع واشنطن. وكانت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا دانت الضربات الجوية الأميركية في سورية، داعية للاحترام غير المشروط لسيادة سورية وسلامة أراضيها".