يهاجم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) منذ مطلع الشهر الحالي، المدخل الجنوبي لمدينة الحسكة التي تسيطر عليها قوات النظام السوري، ساعياً للدخول إلى المدينة الأكبر شمال شرق سورية، بهدف السيطرة عليها لتعويض خسائره الكبيرة التي تلقاها خلال الشهر الماضي على يد قوات "حماية الشعب" الكردية، والمليشيات المحلية العربية والآشورية والسريانية المتحالفة معها.
ويسعى "داعش" إلى إحراز نصر تكتيكي على حساب قوات النظام في المدينة، بعد اضطراره للانسحاب من ريفها الغربي ومن معظم مناطق ريفها الشرقي، لتقتصر سيطرة التنظيم على ريف الحسكة الجنوبي، وأجزاء من ريفها الشرقي المقابل لمناطق سيطرته في محافظة الموصل العراقية.
وتمكنت قوات "داعش" من إحراز تقدم ملموس على جبهات القتال ضد قوات النظام والمليشيات المحلية التي تقاتل إلى جانبها في مدينة الحسكة، إذ تقدّمت قوات التنظيم جنوب المدينة لتصبح على بعد مئات الأمتار من مدخل المدينة الجنوبي، ذلك بعد أن تمكّن مقاتلو التنظيم من السيطرة على مبنى سجن الأحداث الذي كان يُعدّ أهم قواعد النظام السوري العسكرية جنوب مدينة الحسكة؛ والذي جاء بعد سيطرتهم على مبنى شركة الكهرباء وقرية الداودية الواقعة جنوبه.
وقام طيران النظام بشن عشرات الغارات الجوية على نقاط تواجد "داعش" في المناطق التي تشهد الاشتباكات جنوب مدينة الحسكة، وخصوصاً في قرية الداودية ومحيط شركة الكهرباء وسجن الأحداث، ليجبر التنظيم على الانسحاب من سجن الأحداث، قبل أن يعيد عناصر "داعش" التمركز فيه من جديد أمس الأول.
واستغل "داعش" في عمليته الأخيرة الرامية للسيطرة على مدينة الحسكة، عدم قيام طيران التحالف الدولي بقصف قواته التي تهاجم المدينة، ذلك أن قيادة التنظيم الميدانية باتت تعي جيداً أن طائرات التحالف الدولي لن تستهدف قوات "داعش" التي تهاجم مناطق سيطرة النظام السوري، كي لا يُقدّم طيران التحالف غطاء جوياً لقوات النظام والمليشيات المتحالفة معها على الأرض. واستغل "داعش" هذه المعادلة في هجومه الأخير الشهر الماضي على مناطق سيطرة النظام السوري في ريف حمص الشرقي، والذي مكّنه من السيطرة على مدينتي السخنة وتدمر، ليلحق بقوات النظام التي انسحبت عشوائياً من المدينتين خسائر كبيرة، قبل أن تبدأ طائرات التحالف الدولي باستهداف قوات "داعش" في المدينتين بعد انسحاب قوات النظام السوري في المنطقة.
اقرأ أيضاً: مخاوف من سقوط الحسكة السورية بيد "داعش"
كما استغل التنظيم الخلاف بين قوات النظام التي تسيطر على معظم أحياء مدينة الحسكة، وقوات "حماية الشعب" الكردية التي تسيطر على أحياء الصالحية والمفتي والكلاسة وتل حجر والعزيزية في المدينة، إذ طالبت القوات الكردية قوات النظام مراراً بالانسحاب من المدينة لتستلم وحدها قيادة العمليات العسكرية فيها ضد "داعش"، إلا أن قوات النظام رفضت ذلك، ما سبب توتراً دائماً بين قوات الطرفين اللذين يتقاسمان السيطرة على أحياء المدينة، وتطور في شهر يناير/كانون الثاني الماضي إلى مواجهات مسلحة بين الطرفين، انتهت بوقف إطلاق نار بين قواتهما بعد أيام من المواجهات الدامية التي نتج عنها سقوط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين.
ودفع هذا الخلاف بين النظام وقوات "حماية الشعب" في المدينة، إلى وقوف قوات "حماية الشعب" على الحياد حتى الآن إزاء هجوم "داعش" على المدخل الجنوبي للحسكة، في ظل قيام قوات "حماية الشعب" بتعزيز حواجزها ونقاطها العسكرية في الأحياء التي تسيطر عليها في مدينة الحسكة؛ والتي لم تشهد أي اشتباكات إلى الآن بسبب عدم وصول "داعش" إلى أطرافها بعد.
وتشهد مدينة الحسكة نزوحاً للسكان من أحيائها التي باتت تتعرض بشكل يومي لسقوط قذائف عشوائية يطلقها "داعش"، إذ بدأت العائلات بمغادرة المدينة نحو مناطق سيطرة النظام السوري وقوات "حماية الشعب" في ريف الحسكة الشمالي، ليزيد ذلك تعقيد التغيرات الديمغرافية التي تشهدها محافظة الحسكة منذ أشهر، في ظل تبادل أطراف الصراع فيها السيطرة على مناطقها، بعد معارك وعمليات قصف عنيف من طيران التحالف الدولي والنظام السوري، تؤدي جميعاً إلى نزوح السكان عن المناطق المتنازع عليها نحو مناطق أكثر أمناً، ومن ثم نزوح بعضهم إلى الأراضي التركية المجاورة.
وجاء هجوم "داعش" على مناطق سيطرة النظام السوري في مدينة الحسكة، بعد تمكُّن قوات "حماية الشعب" الكردية وقوات مجلس "حرس الخابور" الأشورية وقوات "سوتورو"، وهي مليشيا مكوّنة من مقاتلين سريان وقوات "جيش الصناديد" المكوّن من مقاتلين من عشيرة شمّر العربية، من السيطرة على ريف الحسكة الغربي بشكل شبه كامل إثر سيطرتها على منطقة وادي الخابور وريف رأس العين، وصولاً إلى جبل عبد العزيز وقرية المبروكة الواقعة على طريق الحسكة الرقة الدولي على بعد نحو 110 كيلومترات من مدينة الرقة.
وكان تقدُّم القوات الكردية وحلفائها قد تسبب مع قصف طيران التحالف الدولي، بسقوط مئات القتلى من عناصر "داعش" في ريف الحسكة الغربي، ما أجبره على الانسحاب من المنطقة ليعيد تجميع قواته المتواجدة في ريف الحسكة، ويشن هجوماً جديداً على مدينة الحسكة بهدف تعويض خسارته السيطرة على الريف الغربي نهاية الشهر الفائت، وعلى مناطق تلحميس وتل براك واليعربية وجزعة وأريافها في ريف الحسكة الشرقي في شهر فبراير/شباط الماضي.
اقرأ أيضاً: "داعش" يطارد مليشيا موالية لنظام الأسد في الحسكة