عودة تبون... رسائل سياسية وخريطة طريق جزائرية دون تغيير

14 ديسمبر 2020
اتضح بموجب ظهور تبون الموقف السياسي في أعلى هرم السلطة (Getty)
+ الخط -

بعث الظهور الأخير للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اطمئناناً سياسياً وشعبياً في الداخل الجزائري، واتضح بموجبه الموقف السياسي في أعلى هرم السلطة، وسمح في الوقت نفسه بنفي الكثير من الشائعات المتداخلة ذات الصلة بغيابه عن المشهد السياسي منذ شهرين، والتي كانت تتحدث عن تحالفات جديدة داخل السلطة، وإمكانية الدفع نحو تطبيق التدابير الدستورية لإعلان شغور منصب الرئيس أو مناقشة فكرة المرحلة الانتقالية. لكن هذا الظهور حمل رسالة واضحة تفيد بأن السلطة ليست بصدد أي تغيير في خريطة الطريق المتبعة منذ بدء المسار الحالي في 2019.

وبقدر ما كانت كلمة الرئيس تبون إجابة عن سؤال بات يشكل عقدة كبيرة للجزائريين عن غيابه، ومخاوف من تكرار مشهد الغياب الذي طغى على السنوات السبع الأخيرة من حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، فإنها حملت جملة من الرسائل السياسية للداخل، تتعلق بطبيعة المسار السياسي ومستقبل خطة "الجزائر الجديدة" التي أعلن عنها الرئيس تبون منذ اعتلائه سدة الحكم عام 2019، بكل أبعادها ومتغيراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتحولات المرتقبة في سياق العلاقات الخارجية للجزائر.

وإذا كان الرئيس تبون قد قدّم حسماً واضحاً لصالح استمرار خياره في الإيفاء بنفس تعهداته وخططه السياسية المرسومة من دون تغيير، فإن طبيعة الظرف الصحي كونه عائداً للتو من علاج، ووجوده في فترة نقاهة، والوقت القصير الذي استغرقه تدخله، لم تتح له الكشف عن تفاصيل أكثر بشأن ذلك، وبشأن العديد من القضايا السياسية ذات الصلة، بما فيها التعليق على نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد، والمقاطعة الشعبية الواسعة له، وتجدد دعوات واسعة في الجزائر لإجراء حوار سياسي جامع حول الخيارات المستقبلية للبلاد، ورصّ الجبهة الداخلية وتعزيز التكاتف بين القوى الوطنية وتجاوز كل الخلافات، وهي دعوات تضمنتها حتى خطابات قائد أركان الجيش السعيد شنقريحة أخيراً.

وفي السياق، يعتقد الناشط السياسي والأستاذ في جامعة الجزائر حسين دواجي أن كلمة الرئيس تبون، وبغض النظر عن كونها جاءت في الذكرى الأولى لانتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، والتي حملته إلى سدة الحكم، فإنها ذات صلة "بقطع الطريق على ما بدأ الترويج له من مبادرات لتقديم بدائل عن المسار، كالحديث عن فترة انتقالية وغيره من المواضيع التي أعتقد أن تناولها في الفترة الأخيرة سياسياً وإعلامياً، وإن لم تكن على قدر كبير من الأهمية وغير مرتبة، إلا أنها ليست عشوائية"، لافتاً إلى أن أهم رسالة حملتها كلمة الرئيس هي "الاستمرار على نفس النهج الذي تم رسمه منذ بداية المسار، وأن لا تغيير طرأ على خريطة الطريق، حيث إن الرئيس ماضٍ في برنامجه، وإن قانون الانتخابات سيكون جاهزاً خلال أيام وسيستمرّ المخطط كما كان من دون تغيير".

ويشير تصريح دواجي إلى إعلان الرئيس تبون تجديد التزامه بتعهداته التي أعلنها في الحملة الانتخابية للرئاسيات الماضية، بما فيها تنظيم انتخابات نيابية مسبقة، إذ أعلن أنه طلب من مصالح الرئاسة التنسيق مع لجنة صياغة القانون الجديد للانتخابات، وتعهد بأن يكون هذا الأخير جاهزاً في غضون أسبوعين، بما يسمح بالانطلاق في المسار الانتخابي للبرلمان الجديد.

وكان الرئيس تبون قد تعهد في شهر يونيو/حزيران الماضي بتنظيم انتخابات نيابية مسبقة لإنشاء برلمان جديد، لكن ظروفه الصحية حالت دون استكمال مسار تنظيمها. وفي 21 سبتمبر/أيلول الماضي، كلّف تبون خبراء في القانون الدستوري، أغلبهم من اللجنة التي تولت صياغة مسودة الدستور، بصياغة مشروع قانون جديد للانتخابات، يتضمن وضع مقاييس انتخابية جديدة تخص شروط وضوابط الترشح على ضوء التجارب السابقة، وإنهاء تدخل المال السياسي في الانتخابات، ومنع المحاصصة في توزيع المقاعد وشراء الذمم، والفصل بين المال والسياسة، وتشجيع الشباب، لا سيما الجامعيين منهم، على الترشح وغيرها، ورفع الحظر السياسي عن إسلاميي "جبهة الإنقاذ" وتمكينهم من استعادة حق الترشح للمجالس النيابية والمحلية.

وتطمئن تصريحات الرئيس تبون قطاعاً من القوى السياسية، لكنها تثير قلقاً لدى قوى أخرى كانت دعت السلطة إلى الأخذ بعين الاعتبار نتائج الاستفتاء الشعبي الذي جرى في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والذي شهد مقاطعة شعبية كبيرة وأدنى نسبة تصويت في تاريخ الانتخابات في الجزائر، بنسبة لم تتجاوز 24 في المائة. وبرأي رئيس حزب "جيل جديد" جيلالي سفيان، فإن تصريحات الرئيس تبون مطمئنة على أكثر من صعيد، كونها تبعث على الاستقرار الذي تبدو الجزائر بحاجة إليه أكثر من أي وقت مضى، في خضم تطورات مقلقة وظروف ضاغطة داخلياً وخارجياً.

وقال جيلالي سفيان لـ"العربي الجديد" إن حديث الرئيس تبون عن تعديل قانون الانتخابات، تمهيداً للذهاب الى استحقاق انتخابي في وقت لاحق، مؤشر على الرجوع إلى السيادة الشعبية في كل المسارات الجديدة، واستبعاد كل الخيارات المتعلقة بالمراحل الانتقالية، مشيراً إلى أن ذلك لا يشكل قفزاً بالضرورة على الواقع الجزائري الذي يتيح إمكانية فتح حوار سياسي يهدف إلى تكثيف ضمان شفافية الانتخابات وتوفير الأجواء المناسبة لها من كل الجوانب.

بدوره، عبر الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني" أبو الفضل بعجي، عن سعادته لكون "الرئيس طمأن شعبه وأكد متابعته للأوضاع في البلاد، لا سيما في هذه المرحلة الحساسة".

وكتب بعجي، في تغريدة على حسابه على موقع "تويتر"، "الحمدلله على شفاء رئيس الجمهورية، الحمد لله على ظهوره سالما معافى، والحمد لله الذي استجاب الدعاء ورفع عنه البلاء في انتظار عودته إلى أهله وشعبه ووطنه".

كما عبر الأمين العام لـ"التجمع الوطني الديمقراطي" الطيب زيتوني، في تغريدة له على "تويتر"، عن سعادته "كباقي الجزائريين بكلمة السيد رئيس الجمهورية، وأعبر باسم مناضلي الأرندي عن ارتياحنا لتعافي الرئيس مع تمنياتنا بعودته السريعة لاستئناف مهامه ومواصلة مسار بناء الجزائر الجديدة، في ظل هذا الوضع الدولي المتأزم".

أما حركة "البناء الوطني" (إسلامية) فأكدت أن ظهور الرئيس تبون "وضع حداً للمشككين والمغرضين الذين تعودوا التشكيك في كل مسعى وطني مهما كان، وظهوره كان حاجة وطنية في وقت تتعرض فيه الجزائر لتهديدات كبرى على حدودها، ولحملة أجنبية مسعورة ربما غير مسبوقة تقودها بعض الأطراف الحاقدة، والتي تريد النيل من استقرارها وسيادتها".

وثمنت الحركة ما تضمنته كلمة الرئيس بشأن "استكمال الخيار الدستوري وتنفيذ المسار الانتخابي قريباً، كخطوة جديدة تضاف إلى الإصلاحات التي يتطلع إليها الشعب الجزائري، ويلغي كل دعوة تتبنى مرحلة انتقالية، إننا نعتقد أن تلك الإصلاحات لا يمكن أن تكون ناجحة ولا يمكن أن تؤتي ثمارها إلا في إطار حوار وطني غير إقصائي لتجسيد تلك التعهدات والمشاريع المستقبلية".

بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم سجلنا في حركة البناء الوطني بارتياح كبير كلمة...

Posted by ‎عبد القادر بن قرينة Abdelkader Bengrina‎ on Sunday, 13 December 2020

كما وصفت "جبهة المستقبل"، في بيان لها ظهور الرئيس تبون بالمطمئن، خاصة بعد إسدائه توجيهات وتوصيات لمؤسسات الجمهورية في أفق العودة قريباً لممارسة مهامه ومسؤولياته الجسيمة في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد، وما تعرفه الساحتان الدولية والإقليمية من تداعيات، كما أصدرت عديد الأحزاب الأخرى والجمعيات والمنظمات بيانات بشأن ظهور الرئيس تبون بعد غياب شهرين. 

بيان تلقت جبهة المستقبــــــــــل باطمئنان ، و ارتياح كبير إطلالـــــــــة السيـد رئيس الجمهورية عبد المجيد...

Posted by ‎جبهة المستقبل Front El Moustakbal‎ on Sunday, 13 December 2020

مخاوف جدية

وعلى خلاف هذه القراءة السياسية المطمَئنة لخيارات السلطة، تطرح قوى فاعلة مخاوف جدية من أن تكون تصريحات تبون تعني بكل وضوح مضي السلطة في فرض خريطة طريق تصفها بـ"الأحادية وضد إرادة غالبية الشعب"، وتعتبر أنها يمكن أن تشكل مخاطر على تماسك المجتمع وإعادة إنتاج مؤسسات وهيئات مطعون في شرعيتها ومرفوضة شعبياً.

وقال القيادي في جبهة القوى الاشتراكية جمال بالول، لـ"العربي الجديد"، إن "الشعب الجزائري أكد مرة أخرى رفضه للنظام برمته بوجوهه القديمة أو التي تدعي أنها جديدة، وكان ذلك جلياً في نتائج الاستفتاء على الدستور الذي لجأت السلطة إلى كلّ الوسائل من أجل الترويج له وتحريره، بما في ذلك اختيار تاريخ أول نوفمبر/تشرين الثاني المقدس لدى الشعب الجزائري، وتجنيد كل زبائنيتها من أحزاب ومنظمات ومجتمع مدني موال للسلطة"، مضيفاً أنه إذا أصرّ الرئيس والسلطة على المضي في هذه" الخيارات المفلسة، فإنهما يفوتان مرة أخرى فرصة لبناء توافق وإجماع وطني حول كيفية إخراج البلاد من أزمة الشرعية، التي تفتك بمؤسسات الدولة، والأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي فرضتها السلطة على الشعب الجزائري".

وشدد على أن "الوضع السياسي والاجتماعي والوضع الإقليمي الذي يحيط بحدودنا، يتطلبان من القائمين على السلطة في البلاد مراجعة تعنتهم في المضي قدماً في تنفيذ خريطة طريق وحلول مرفوضة من الشعب ومن معظم مكونات المجتمع والفواعل السياسية"، لافتاً إلى أنه "لا يمكن التمسك والتعنت في تنظيم انتخابات نتيجتها معروفة ومحسومة مسبقاً بمقاطعة ورفض الشعب لها"، قائلاً: "اليوم أكثر من أي وقت مضى، يجب جمع الجزائريين بمختلف انتماءاتهم السياسية في حوار وطني جاد لإيجاد حلول جادة مقبولة شعبياً، اليوم جميع الخيرين الفاعلين السياسيين يقدمون مبادرات تتقاطع وتتوافق في جوهرها، وهو التوافق والإجماع على حلول ومخرجات تسمح للجزائر بأن تكون أكثر قوة".

ولم يغفل الرئيس تبون عن توجيه رسائل سياسية ذات مغزى إلى الخارج، وخصوصاً القوى المهتمة بالتطورات الراهنة في الجزائر، وكان واضحاً توجهه بالإشارة إلى ما يجري من توترات في المنطقة المحيطة بالجزائر، ووصول موجة التطبيع إلى المنطقة المغاربية كان متوقعاً، لكنه كان أكثر وضوحاً بالإشارة إلى خطأ قوى إقليمية تعتبر أن الفرصة مؤاتية لتغيير وفرض تصورات في الجغرافيا المحيطة لوجود الجزائر في حالة ضعف مؤسساتي، وهو ما دفعه إلى التأكيد أن "الجزائر قوية بجيشها ومؤسساتها".

وفي سياق آخر، أعلنت الرئاسة الجزائرية في بيان رسمي أن رئيس الجمهورية تلقى مكالمة هاتفية من أنجيلا ميركل، اطمأنت فيها على حالته الصحية، وعبرت له عن الصداقة للشعب الجزائري، وتحادث الطرفان مطولاً عن الحالة الوبائية والاقتصادية في البلدين، كما تم التطرق إلى التعاون الثنائي بين الجزائر وألمانيا، وسبل ترقيته مستقبلاً، بالإضافة إلى قضايا إقليمية أخرى ذات اهتمام مشترك، ولا سيما تطور الأوضاع في ليبيا.
وسنحت الفرصة بحسب البيان للرئيس تبون لتقديم الشكر إلى ميركل على العناية الطبية التي لقيها في ألمانيا.

المساهمون