يعود ملف أمن إقليم بلوشستان، جنوب غربي باكستان، إلى الواجهة مجدداً، بعد عودة موجة التصعيد فيه. ومع أنّ أعمال العنف متواصلة بشكل شبه يومي في الإقليم، إلا أنّ جريمة خطف 11 شخصاً من عمال منجم فحم في منطقة مش وقتلهم، في الثالث من شهر يناير/ كانون الثاني الحالي، والتي تبناها تنظيم "داعش"، كان لها صدى كبيراً على المستويات الشعبية والإعلامية والسياسية. وشهدت المناطق الباكستانية المختلفة تظاهرات واعتصامات لمدة خمسة أيام احتجاجاً على الحادث، وذلك قبل أن يتوجه رئيس الوزراء، عمران خان، إلى الإقليم، ويتحدث إلى ذوي القتلى ويتعهد بإجراء التحقيقات وملاحقة الجناة. وبينما وجّهت المعارضة انتقادات لاذعة لرئيس الوزراء، واتهمته بالفشل في إحلال الأمن في بلوشستان، رأى خان أنّ ما يحدث في الإقليم هو نتيجة "التدخلات الهندية".
خان: الهند تتدخل في شؤون باكستان لإرباك الأمن من خلال دعم تنظيم داعش
وقال خان، في تصريحات أثناء زيارته لإقليم بلوشستان أول من أمس، الإثنين، إنّ الهند تتدخل في شؤون بلاده "لإرباك الأمن وذلك من خلال دعم تنظيم داعش". وأشار إلى أنّ تنظيم "جيش جهنكوي"، المعروف سابقاً بـ"جيش الصحابة السني" المحظور، قد "تحول إلى داعش، وانضم أعضاؤه إلى التنظيم من أجل إرباك الأمن وإشعال فتيل حرب طائفية في الإقليم بمساعدة ودعم هندي. لكن الحكومة، وتحديداً سلطات الأمن، ستتعامل معه بيد من حديد، وهي بصدد شنّ عملية مسلحة موسعة في الإقليم".
كما اتهم خان الأحزاب المعارضة، لا سيما "التحالف من أجل الديمقراطية" الذي يضم 11 حزباً معارضاً للحكومة، بأنها "تستغلّ كل فرصة من أجل الوصول إلى هدفها الأساسي، وهو تنازل الحكومة عن ملفات الفساد التي يواجهها القياديون في تلك الأحزاب"، مشيراً إلى أنّ حكومته "مصممة على المضي قدماً في معاقبة الضالعين في الفساد". وأكد أنّ "الأحزاب السياسية، وتحديداً حزبي الشعب وحزب الرابطة جناح نواز شريف، اللذين حكما البلاد لعقود، لم يقدما شيئاً لإقليم بلوشستان، فقد ظلّ منسياً ومهمشاً من قبل حكومات مختلف الأحزاب"، غير أنه أشار إلى أنّ حكومته "تولي اهتماماً كبيراً لهذا الملف".
من جانبه، قال وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي، في بيان صحافي أول من أمس، الإثنين، إنّ "الهند وراء الجماعات الإرهابية في باكستان، وليس هذا فقط، بل نيودلهي أيضاً وراء أعمال العنف في أفغانستان المجاورة. إنها تسعى لإرباك الأمن هناك من أجل توسعة نفوذها والوصول إلى أهدافها". وأضاف أنّ نيودلهي "حاولت في الماضي أن يكون لها تأثير كبير في مجريات الأمور في أفغانستان، ولكنها فشلت في ذلك"، مشيراً إلى أنّ "الخطة التي تسعى إليها الهند من إرباك الأمن في إقليم بلوشستان وإشعال فتيل حرب طائفية، ستفشل كما فشلت سابقاتها، وباكستان قادرة على إحلال الأمن، واحتواء الملف الأمني في الإقليم، والقوات الباكستانية مستعدة للدفاع عن أراضيها وقمع الجماعات المسلحة التي تدعمها الهند".
على الضفة الأخرى، اعتبر "التحالف من أجل الديمقراطية" أنّ حكومة خان "فشلت في إحلال الأمن في بلوشستان واحتواء الملف الأمني هناك"، محذراً من "تدهور الأمور، إذ إنّ أعمال العنف أصبحت شبه يومية في الإقليم". وفي السياق، قال القيادي في حزب "الرابطة الإسلامية" جناح نواز شريف، أحسن إقبال، وهو وزير سابق للداخلية، في تصريح صحافي له أخيراً، إنّ "رئيس الوزراء عمران خان فشل في التصدي لجميع الملفات المهمة التي تواجهها البلاد، ومنها ملف أمن بلوشستان، وآن الأوان أن ينتفض الشعب ضده كي يتخلّص منه"، معتبراً ذلك "ضرورة".
المعارضة الباكستانية: حكومة خان فشلت في إحلال الأمن في بلوشستان
بدورها، اتهمت نائبة زعيم حزب "الرابطة" مريم نواز، وهي ابنة رئيس الوزراء السابق نواز شريف، خان بأنه "لا يعرف كيفية التعامل مع أبناء الشعب"، منتقدةً بشدة "رفضه المشاركة في مراسم تشييع قتلى حادثة مش". وأكدت أنّ "أبناء الشعب طلبوا من خان أن يتقاسم معهم مشاعر الحزن والأسى، لكنه رفض ذلك، وهذا دليل على أنه لا يحترم مشاعرهم ولا يعرف كيفية التعامل مع قضايا تهم الشعب".
وكان 11 عاملاً في منجم للفحم في منطقة مش قد تمت تصفيتهم رمياً بالرصاص، بعد اختطافهم من قبل مسلحين تابعين لتنظيم "داعش" في الثالث من شهر يناير الحالي. والضحايا من أبناء أقلية الهزارة الشيعية، وهو ما دفع الأقلية إلى تنظيم احتجاجات واعتصامات في المدن الباكستانية المختلفة. كما رفض الأهالي على مدى 6 أيام عقب الحادثة، دفن الضحايا، مطالبين بحضور رئيس الوزراء مراسم التشييع وتلبية مطالبهم. لكن الأخير رفض المشاركة في المراسم، خشية تكرار هذا السيناريو من قبل شرائح أخرى في المستقبل، إلا أنه قام بدلاً من ذلك بزيارة بلوشستان بعد مراسم التشييع والدفن التي جرت السبت الماضي، وقدّم التعازي لأهالي هؤلاء، مشيراً إلى أنّ حكومته "لن تترك بلوشستان بؤرة للمسلحين الذين تدعمهم الهند".
وكان من أهم مطالب أقلية الهزارة وذوي الضحايا إطلاق عمليات لملاحقة المسلحين، تحديداً ضدّ تنظيم "داعش" الذي تبنى المسؤولية عن الهجوم، معتبرين وصول التنظيم إلى الإقليم، الذي يعاني من انتشار التنظيمات المسلحة والحركات الانفصالية البلوشية، يعني أنه يواجه ظاهرة خطيرة قد تكون بداية حرب طائفية في بلوشستان.
في السياق، قال زعيم أقلية الهزارة آغا سيد محمد رضا، قبل مراسم تشييع الضحايا بيوم، إنّ "الأقلية ضحية أعمال العنف منذ 22 عاماً، إذ يتم قتل أبناؤها ولا أحد يستجيب لمطالبها"، مؤكداً أنّ "من بين مطالبنا استقالة الحكومة المحلية التي فشلت في إحلال الأمن في الإقليم عامة، وتوفير الحماية اللازمة للأقلية الشيعية فيه على وجه الخصوص". وأشار إلى أنّ "هناك جهة تقوم بعمليات قتل ممنهج لرموز الشيعة من تجار ونشطاء مجتمع مدني وعلماء دين".
نقلت السلطات تعزيزات جديدة إلى بلوشستان لبدء عملية عسكرية موسعة ضدّ المسلحين فيه
ونقلت السلطات أخيراً تعزيزات جديدة إلى بلوشستان لبدء عملية عسكرية موسعة ضدّ المسلحين فيه، وسط خشية كثيرين من تداعياتها. وفي هذا الإطار، قال أحد رموز إقليم بلوشستان، ويدعى عبد الولي، وهو من عرقية بشتون، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "العملية العسكرية في الإقليم ستكون لها تبعات سلبية جداً، فالعمليات المسلحة لن تأتي بخير"، داعياً إلى "التنسيق بين القبائل والسلطات الأمنية للتصدي للمستجدات الأمنية".
وكانت الحكومة المحلية في بلوشستان قد طلبت من لجنة الانتخابات الوطنية تأجيل الانتخابات الفرعية المقرر إجراؤها في الإقليم في 16 فبراير/ شباط المقبل، على اعتبار أنّ الوضع الأمني متدهور، علاوة على موسم البرد القارس. ولم ترد لجنة الانتخابات على مطلب الحكومة المحلية إلى الآن، والذي يشير إلى مدى حساسية الوضع وتدهور الأمن في الإقليم.
في المحصلة، فإنّ وضع "داعش" موطئ قدم له في إقليم بلوشستان، الأهم لباكستان بسبب المشاريع الصينية الضخمة التي تمر عبره، كالممر التجاري الصيني الباكستاني، يدق ناقوس الخطر ويثير المخاوف من إشعال فتيل حرب طائفية في الإقليم. ويتطلب ما يجري، بالنسبة لكثيرين، التعاون بين الحكومة والمعارضة، بدل سعي كل طرف للحصول على المكاسب الحزبية، على حساب الوضع في بلوشستان، المحاذي لكل من إيران وأفغانستان.