عودة الدفء لخط الجزائر النيجر.. وساطة ومشاريع

27 ديسمبر 2023
أشاد سنغاري بدور الجزائر كوسيط في الأزمات(Getty)
+ الخط -

أعادت زيارة وزير الخارجية النيجري بكاري سنغاري إلى الجزائر، أمس الثلاثاء، فتح الباب واسعاً أمام إمكانية إعادة بعث مشروع الوساطة الجزائرية لحل الأزمة المتجمدة في النيجر، منذ الانقلاب الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم في نهاية يوليو/تموز الماضي، إضافة إلى وضع حزمة من المشاريع الاقتصادية والإنمائية التي قررتها الجزائر في النيجر، في مجالات النقل والطاقة والصحة والتعليم والأمن.

وعاد الهدوء إلى المشهد السياسي في الجزائر بعد تفجر أزمة دبلوماسية غير مسبوقة مع مالي، الجارة الجنوبية الثانية، حيث أثيرت مخاوف وتوترات في أعقاب زيارة وزير الخارجية النيجري إلى الجزائر أمس الثلاثاء.

وتأتي هذه الزيارة في سياق يتسم بالحساسية السياسية، ولا يمكن للجانب الجنوبي للجزائر تحمل وجود أزمتين متزامنتين مع مالي والنيجر في الوقت ذاته، لاعتبارات سياسية وأمنية. ويزيد من التوترات أيضًا تزامن هذه الأزمات مع شكوك جزائرية معلنة حول وجود مخطط لتصعيد التوتر في العلاقات بين الجزائر ودول وشعوب منطقة الساحل.


وبزيارة وزير الخارجية النيجري إلى الجزائر أمس الثلاثاء، والتقائه مع نظيره الجزائري أحمد عطاف، تمكنت الجزائر من تهدئة سوء التفاهم السياسي الذي نشب في بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي بشأن دورها في وساطة الأزمة في النيجر.

وأشاد سنغاري بدور الجزائر كوسيط في أزمات النيجر، وأعرب عن أمله في أن تسهم في استعادة المسار الدستوري في بلاده.

ويُفهم من ذلك أن نيامي تطمح إلى منح الجزائر فرصة للتوسط في الأزمة التي تعاني منها النيجر منذ الانقلاب على الرئيس محمد بازوم في نهاية يوليو/ تموز الماضي. وقد أدى هذا الانقلاب إلى عزلة سياسية للنظام الجديد في النيجر، خاصةً مع دور بارز للجزائر في منع فرنسا ودول ايكواس من تنفيذ تدخل عسكري في النيجر.

مؤشرات سياسية

وصرّح الناشط السياسي والقيادي في حزب التجديد، عمر الأنصاري، لـ"العربي الجديد"، أن زيارة وزير الخارجية النيجري إلى الجزائر "تشير إلى عدة مؤشرات سياسية مهمة، ترتبط بالحاجة في النيجر إلى دور الوساطة الجزائري الذي تشيد به السلطة الانتقالية نفسها. ويعني ذلك أيضاً أن السلطة الحالية ترى في الوساطة الجزائرية مصداقية وموثوقية أكبر، خاصةً أنها وساطة خالية من الحسابات الضيقة والمصالح الشخصية".

وأشار إلى أنه "يتزايد الإدراك، سواء من قبل النظام الحالي أو جميع المكونات السياسية والمدنية في النيجر، بأن هناك ترابطًا وثيقًا بين النيجر والجزائر على مختلف المستويات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى العوامل المشتركة للأمن الوطني على الحدود، حيث يواجه كل من البلدين تحديات مشابهة". وشدد على وجود حزمة من المشاريع التحتية التي ستستفيد منها النيجر بفضل التعاون مع الجزائر.

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أعلن عن مجموعة من المشاريع الإنمائية التي ستنفذها الجزائر لصالح النيجر، تشمل قطاعات حيوية، مثل توفير مياه الشرب وتعزيز التعليم والرعاية الصحية. وتهدف هذه المبادرات إلى تحسين البنية التحتية في النيجر وتعزيز التعاون الثنائي.

زيارة وزير الخارجية النيجري إلى الجزائر، ولقائه بنظيره الجزائري، تُعدُّ خطوة إيجابية لتهدئة التوترات وتعزيز التفاهم بين البلدين. يأتي ذلك بعد السوء في العلاقات بسبب قضية الوساطة الجزائرية، ولكن تأكيد وزير الخارجية النيجري على دعم بلاده للوساطة الجزائرية يشير إلى استعداد النيجر للتعاون وحل الخلافات.

وتُسهم زيارة وزير الخارجية النيجري إلى الجزائر، التي تلي اللقاء الذي جمع قائد الجيش الجزائري، الفريق السعيد شنقريحة، ورئيس أركان جيش النيجر، العميد موسى صلاوو بارمو، الشهر الماضي، بالإضافة إلى الزيارة المتوقعة لوزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، إلى نيامي في وقت قريب، في الحفاظ على مستوى متقدم من التفاهمات الأمنية بين البلدين.

وتأتي هذه الخطوات في سياق توقيع اتفاق في إبريل/نيسان الماضي خلال زيارة نائب رئيس أركان القوات المسلحة النيجرية إبراهيم عيسى بولاما، إلى قيادة المنطقة العسكرية الخامسة في تمنراست، جنوبي الجزائر، على اتفاق لتسيير دوريات عسكرية مشتركة على الحدود البرية التي تربط بين البلدين وتكثيف التنسيق العملياتي الميداني، بهدف مجابهة مختلف أشكال التهديدات الأمنية، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وأيضاً الهجرة غير الشرعية.

زيارة مهمة

وقيّم حسايم عيسى، المحلل السياسي المختص في شؤون الأمن في منطقة الساحل، زيارة وزير الخارجية النيجري إلى الجزائر بأنها زيارة مهمة في سياق التوترات الإقليمية الراهنة. وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، أكد أهمية هذه الزيارة من حيث التوقيت، حيث تعيد ترتيب العلاقات بين الجزائر والنيجر في ظل تلك التوترات والمخاوف الأمنية والسياسية الإقليمية.

وأشار عيسى إلى أن "الزيارة تعد فرصة لترتيب العديد من المسائل المتعلقة بمنطقة الساحل، وتعكس استعداد البلدين لبناء شراكة قائمة على الثقة على جميع المستويات". وركز على أنها "تمثل فرصة جديدة لتعزيز الثقة وتركيز الشراكة الثابتة على كل المستويات السياسية لبناء وهندسة حل للأزمة في النيجر عبر الوساطة، واقتصادية واجتماعية لكون النيجر تعاني بشكل كبير بعد المضايقات والحصار الذي فرضته عليها دول ايكواس".

وتعتبر هذه الزيارة فرصة لتفادي أي سوء فهم سياسي، وفي الوقت نفسه يمكن أن تسهم في تعزيز الحوار بشأن مشروع خط أنبوب الغاز العابر للصحراء بين نيجيريا والجزائر، الذي يمتد عبر النيجر.

ويشكل هذا المشروع فرصة كبيرة للنيجر، حيث تمت الموافقة على تنفيذه في نيامي في فبراير/ شباط 2022، وجرى توقيع اتفاق رسمي في يوليو 2022 في الجزائر لتنفيذه. ويربط هذا المشروع بين الدول الثلاث، ويمتد على مسافة إجمالية تبلغ 4128 كيلومترا، منها 1037 كيلومترا داخل أراضي نيجيريا، و841 كيلومترا في النيجر، و2310 كيلومترات في الجزائر.

يقوم المشروع بربط حقول الغاز في نيجيريا (بدءاً من واري بنهر النيجر) بالشبكة الجزائرية، بهدف تسويق الغاز النيجيري في الأسواق الأوروبية.

وأعلن وزير الخارجية النيجيري، يوسف توغار، خلال زيارته إلى الجزائر الأسبوع الماضي، أن المشروع يشهد تقدماً كبيراً في تنفيذه في كل من الجانبين الجزائري والنيجيري. وأشار إلى أن الطلب المتزايد في أوروبا على هذه الطاقة يعتبر فرصة لكل من الجزائر ونيجيريا والنيجر للاستفادة من الإمكانيات والبنية التحتية المتاحة في الجزائر، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي القريب من أسواق الغاز.

المساهمون