أحدثت مغادرة وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، مطار طرابلس، الأسبوع الماضي، من دون أن يلتقي رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، جدلاً واسعاً، إثر احتجاج حكومة الوحدة الوطنية على تصرف الوزير اليوناني الذي اعتبرته خرقاً للأعراف الدبلوماسية وانتهاكا لسيادة البلاد.
وزاد الجدل بعد أن برر ديندياس إلغاء زيارته بأن الخرق جاء من قِبل وزارة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية، موضحاً أن اتفاقه مع الخارجية في طرابلس كان للقاء المنفي فقط من دون لقاء أي من مسؤولي الحكومة. وردت عليه الخارجية في طرابلس بتأكيد مسؤوليتها عن الترتيبات البروتوكولية للزيارة، مشددة على أن إلغاء الزيارة من دون تقديم مبرر مقنع "انتهاك للسيادة" الليبية. وعليه استدعت السفير اليوناني في طرابلس للاحتجاج، كما كلفت السفير الليبي لدى أثينا بتقديم مذكرة احتجاج لدى السلطات اليونانية.
لا شك أن تصرف الوزير اليوناني كان مدفوعاً بموقف بلاده من حكومة الوحدة الوطنية على خلفية الاتفاق الليبي التركي الذي منح أنقرة إذناً في الاستثمار في مواقع النفط والغاز في المياه الليبية، خصوصاً أنها قضية سبق أن أحدثت جدلاً واسعاً دخلت فيه العديد من الأطراف الإقليمية في المتوسط.
ذلك هو السبب الرئيسي، لكن من بين المبررات التي استند إليها ديندياس في رفضه لقاء أي مسؤول في حكومة الوحدة الوطنية كونها "منتهية الولاية"، يكشف ارتباكاً كبيراً، فالحكومة هي الوجه الثاني للسلطة التنفيذية التي يمثل المجلس الرئاسي وجهها الأول، وفق خريطة الطريق الأممية التي شكلت السلطة التنفيذية في فبراير/شباط 2021. وعليه فانتهاء "ولاية" الحكومة يعني أيضاً انتهاء ولاية المجلس الرئاسي، فإلى أي شرعية استند الوزير اليوناني في سعيه للقاء المنفي؟
الأسئلة بشأن شرعية الأجسام السياسية في ليبيا كثيرة، ومنها شرعية اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي حوّل ديندياس طائرته باتجاهه ليناقش معه، في بنغازي، سبل تعزيز السلام في ليبيا. وأي شرعية لمجلس النواب الذي حرص الوزير اليوناني على لقاء رئيسه عقيلة صالح؟ فولاية هذا المجلس عمرها عام واحد فقط، وفقاً لقانون انتخابه، هذا عدا عن أن حفتر وصالح يمثلان طرفين من أطراف النزاع الليبي.
يضاف لكل ذلك أن المنفي الذي حرص الوزير اليوناني على لقائه، كان سفيراً لليبيا لدى أثينا، وهو السفير الذي طردته اليونان على خلفية توقيع حكومة الوفاق الوطني وتركيا اتفاقاً لترسيم الحدود المائية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، الذي يعدّ اتفاق الاستثمار في مواقع النفط والغاز المبرم بين أنقرة وحكومة الوحدة امتداداً له.
أما أكثر المواقف مفارقة وكشفاً للارتباك السياسي اليوناني، فهو ما أفادت به وسائل إعلام يونانية من أن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس طلب من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الضغط على حكومة طرابلس من أجل القبول بالدخول في مفاوضات لترسيم الحدود المائية البحرية بين البلدين.
لا شك أن حكومة الوحدة الوطنية لم تعد تمثّل إلا طرفاً سياسياً، لكن تصرف الوزير اليوناني في طرابلس لم يكن مسؤولاً، ويعبّر عن سياسة يونانية واضحة، بل ارتهان لمواقف أطراف إقليمية في الملف الليبي.