16 مارس 2023
+ الخط -

من النجم الرياضي الأول في باكستان إلى رئيس سابق للوزراء ومطلوب للقضاء الباكستاني، تمتد سيرة عمران خان التي عرفت تقلبات كثيرة، وتمكن فيها من تحقيق نجاحات فاجأت الوسط السياسي الباكستاني، وفي الوقت نفسه أكسبته رصيداً شعبياً كبيراً ظهر أخيراً وهو يحيط ببيت خان ويحميه من رجال الشرطة الذين جاؤوا للقبض عليه.

بطل الـ"كريكت"   

وُلد عمران خان في الخامس من شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 1952 في منطقة ميانوالي في إقليم خيبربختونخوا إلى الشمال الغربي، ويتحدر والداه من قبائل البشتون الموجودة على طرفي الحدود الأفغانية الباكستانية، وكان والده، إكرام الله خان نيازي، مهندس بناء ينتمي إلى قبائل نيازي وأمه تنتمي إلى قبيلة بركي.

عاش عمران خان في مدينة لاهور، عاصمة إقليم البنجاب، ودرس فيها قبل أن يتوجه إلى لندن ويدرس في معهد وريستر أولاً ثم كلية الاقتصاد والفلسفة بجامعة أكسفورد.

برز نجم خان بعدما فاز الفريق الوطني بقيادته بكأس العالم في لعبة الـ"كريكت"، ليعتزل اللعبة بعد فوزه وينصرف لتأليف الكتب حول اللعبة والمشاركة في المباحثات والنقاشات وكتابة مقالات حولها في الصحف الغربية والآسيوية، وهو ما أكسبه شهرة كبيرة إضافة لتحقيق عوائد مالية كبيرة.

وكان خان ينشط أيضاً في الأعمال الاجتماعية والإنسانية والعلمية، ومن أعماله المشهورة تأسيس مستشفى السرطان في عام 1994 باسم أمه "شوكت خانم" ويعد من أكبر المستشفيات في آسيا، وفي إبريل/نيسان من العام نفسه أسس كلية "نامال التقنية" في منطقة ميانوالي، وهي أعمال اجتماعية يقول خصومه إنها كانت تهدف لتوسعة نفوذه وتهيئة الطريق أمام دخوله عالم السياسة، غير أن تلك الأعمال وجدت قبولاً واسعاً في أوساط الشعب الباكستاني.

بدأ خان أولى الخطوات الفعلية في السياسة في إبريل/نيسان 1996، عندما أسس حزباً باسم "حركة الإنصاف والعدالة" (تحريك إنصاف)، وكان شعاره العدالة والإنسانية، وخاض الانتخابات العامة بعد عام من إطلاق حزبه ليهزم مع كل مرشحي حزبه، ولم يحصل على أي مقعد في البرلمان، غير أنه واصل المسيرة.

دعم خان الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال المتقاعد برويز مشرف عام 1999، ولكنه عارضه بعد فترة، بحجة أنه لم يفعل شيئاً لمكافحة الفساد.

وفي انتخابات 2002 دخل خان إلى البرلمان الباكستاني رسمياً بفوز حزبه بمقعد واحد كان من نصيبه، وكان أحد أبرز المعارضين للرئيس العسكري الراحل برويز مشرف والمنتقدين لسياسات باكستان الموالية للولايات المتحدة الأميركية، لذلك وُضع تحت الإقامة الجبرية إلى أن استقال من البرلمان عام 2007 مع عدد من المعارضين لبرويز مشرف بحجة أن سياساته تخالف الدستور الباكستاني.

و في انتخابات عام 2013 أصبح حزبه من أبرز الأحزاب السياسية الباكستانية، وكان متهماً بأن الجيش والاستخبارات يدعمانه بعد رحيل مشرف، وحصل الحزب في تلك الانتخابات على 30 مقعداً برلمانياً وأصبح ثاني أكبر حزب في البرلمان بعد حزب الرابطة الإسلامية الحاكم، الذي حصل على الأغلبية المطلقة.

طيلة فترة حكومة نواز شريف السابقة انشغل خان بتنظيم المسيرات والاحتجاجات والاعتصامات وكان يدعو لإسقاط الحكومة ويدعو الجيش والمؤسسة العسكرية لفعل ذلك.

صديق المؤسسة العسكرية   

بالنظر إلى علاقته بالجيش والقضاء كان الجميع في باكستان يعتقدون أن خان سيأتي إلى سدة الحكم ولكنهم ما كانوا يتوقعون تهميش الأحزاب الأخرى إلى هذه الدرجة، لذا أصيب جميع الساسة بالصدمة وزاد ذلك أكثر من عدائية خان مع جميع الأحزاب الأخرى، السياسية والدينية.

وكان خان من المقربين للمؤسسة العسكرية، ونتيجة ذلك وصل إلى الحكم في انتخابات عام 2018، وحينها اتهمت الأحزاب الرئيسية المؤسسة العسكرية بأنها دعمت عمران خان، الأمر الذي رفضه حينها كل من خان والمؤسسة العسكرية.

وبعيداً عن تلك الاتهامات، وصل خان إلى سدة الحكم وأصبح رئيساً للوزراء، لكن تدريجياً تدهورت العلاقة بينه وبين المؤسسة العسكرية لأسباب كثيرة، أهمها: محاولة خان تحديد ميزانية الجيش، تباينات بين رؤيته ورؤية المؤسسة العسكرية حيال بعض المواضيع الدولية، منها موضوع أفغانستان، بالإضافة لأسباب أخرى ساهمت في تدهور العلاقة بين الطرفين ما أدى إلى الإطاحة بحكومة خان عن طريق سحب الثقة منها في البرلمان في إبريل/نيسان من العام الماضي، وعلى أثر ذلك وصل "التحالف من أجل الديمقراطية" إلى الحكم وأصبح شهباز شريف رئيساً للوزراء.

لم يهدأ غضب خان حيال الحكومة والمؤسسة العسكرية وأكد جهاراً أن المؤسسة العسكرية هي التي أطاحت بحكومته وبدأ يحرك الشعب ويطالب بانتخابات مبكرة، الأمر الذي لن يكون في صالح الحكومة بسبب تردي الوضع المعيشي والاقتصادي، وهو ما قد يرجح كفة خان مقابل الأحزاب المتحالفة في الحكومة.

بحماية مؤيديه

وفشلت الحكومة الباكستانية في اعتقال رئيس الوزراء السابق عمران خان بعدما تجمع المئات من أنصار خان حول منزله في مدينة لاهور، مانعين قوات الشرطة والقوات الخاصة من اعتقاله تطبيقاً لقرار قضائي باعتقاله ومثوله أمام المحكمة في 18 مارس/آذار الجاري.

ويؤكد فشل الحكومة ومن ورائها المؤسسة العسكرية أن خان لا يزال يحظى بدعم شعبي واسع في باكستان، وخاصة أن الحالة الاقتصادية والمعيشية أضحت متردية بعد الإطاحة بحكومته، ما جعل المواطن الباكستاني يلبي دعوة خان وحزبه للخروج إلى الشارع ضد الحكومة الحالية، التي تجد نفسها اليوم في وضع محرج.

وسقط خلال يومي الثلاثاء والأربعاء عشرات الجرحى من رجال الأمن وأنصار خان خلال مواجهات وقعت بين الطرفين أثناء محاولة قوات الأمن الوصول إلى منزل خان. وكان وزير الداخلية الباكستاني رانا ثناء الله قد تعهد، يوم الثلاثاء، في خطاب له أمام مهرجان شعبي باعتقال عمران خان، وأن قوات الأمن سوف تجده وسيمثل أمام القضاء، لكن الحكومة فشلت في ذلك.

فاشل في حياته الاجتماعية  

تمكن عمران خان من تحقيق نجاح كبير في الساحة السياسية الباكستانية ورغم دور الجيش المساند له فإن الرجل أظهر قدرة كبيرة على الاستفادة من الفرص وفرض نفسه لاعباً محترفاً في ملعب السياسة كما الكريكت.

وساهم نجاح خان في الوصول إلى رئاسة الحكومة في كسر النظام الطبقي في باكستان، وهو نظام موروث من الهند، وتمكن في عهد خان أناس من الطبقة الفقيرة وأساتذة الجامعات من الوصول إلى البرلمان ومناصب رفيعة في الحكومة، وساهم تصدي خان للنظام الطبقي في نجاح الرجل ووصوله إلى سدة الحكم.

ولكن نجاحه في السياسة والأعمال الخيرية كإنشاء المستشفيات والجامعات وغيرها، قابله فشل على صعيد العلاقات الاجتماعية.

في عام 1995 تزوج خان بفتاة بريطانية من أب يهودي وأم مسيحية، تدعى جمايما جولد سميث، وأنجب منها ولدان، سليمان وقاسم، ولكن الزواج أثار ضجة في المجتمع الباكستاني، وانفصل الزوجان بسبب ظروف عائلية، في عام 2004، وتسكن جمايما الآن مع ابنيها في لندن، وكانت أول من هنأ خان بالفوز في الانتخابات التشريعية.

ظل خان يعيش وحيداً حتى عام 2015 حين تزوج بصحافية ومذيعة في تلفزيون محلي من منطقة سوات في الشمال الغربي هي ريهام خان، المطلقة من ابن عمه، وكانت ريهام مذيعة في "بي بي سي" قبل أن تعود إلى باكستان وتبدأ العمل في القنوات المحلية.

لم يدم الزواج كثيراً، وبسبب الخلافات الأسرية طلق خان زوجته ريهام في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، زواجه وطلاقه من ريهام يعتبر أكبر ضربة تلقاها خان في حياته، ولا سيما أن زوجته ألفت كتاباً عن حياة طليقها خان، وجمعت فيه كل مساوئ الرجل، الأمر الذي رفضه خان وحزبه جملة وتفصيلاً.

في فبراير/شباط 2018 تزوج خان للمرة الثالثة، وهذه المرة من معالجته الروحية وطليقة أحد الأثرياء، وتدعى بشرى مانيكا، ولكن زوج بشرى السابق ادعى أن عمران خان هو الذي دمر منزله وأن بشرى طلبت الطلاق وتركت أهلها لأجله، ما أثار ضجة في باكستان وحفيظة الباكستانيين.

المساهمون