استمع إلى الملخص
- واجه لاريجاني في السابق رفضاً من مجلس صيانة الدستور لترشحه بسبب اتهامات بالبذخ ومواقفه السياسية، لكن هناك توقعات بمصادقة مجلس صيانة الدستور على أهليته هذه المرة بعد تصريحات المرشد الأعلى.
- علي لاريجاني، بعلاقاته الجيدة مع المرشد الأعلى والحرس الثوري وتقربه من الإصلاحيين، يعد شخصية مثيرة للجدل في السياسة الإيرانية، مع انتقادات لعائلة لاريجاني بالفساد، مما يعكس التحديات والتوترات داخل النظام السياسي.
ترشح مستشار المرشد رئيس البرلمان الإيراني السابق علي لاريجاني للانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة اليوم الجمعة، في خطوة مزعجة للوسط المتشدد في التيار المحافظ الذي ينتمي إليه لاريجاني، ومن شأنها أن تربك حساباته الانتخابية. لكن حظوظ لاريجاني، الذي يترشح للمرة الثالثة بعد عامي 2005 و2021، مرتبطة بما إذا كان سيحصل على دعم الإصلاحيين والمعتدلين (أبناء مدرسة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني)، غير أن هؤلاء، حسب ما قال القيادي الإصلاحي محمد علي أبطحي الاثنين الماضي، في مقابلة مع "العربي الجديد"، غير مستعدين هذه المرة لدعم مرشح غير إصلاحي في الانتخابات المرتقبة في ظل تجربتهم "السيئة" في دعم الرئيس السابق حسن روحاني. مع ذلك، لا يستبعد مراقبون أن يغير التيار الإصلاحي هذا الموقف إذا لم ينل أي من المرشحين الإصلاحيين المحتملين ثقة مجلس صيانة الدستور.
ترشح علي لاريجاني هذه المرة يأتي بعدما رفض مجلس صيانة الدستور أهليته لخوض السباق الرئاسي عام 2020، ما أثار جدلا بينه وبين المجلس والمحافظين المتشددين. حینها، أصدر علي لاريجاني بياناً طالب فيه المجلس بالكشف علناً عن أسباب رفض ترشحه للانتخابات الرئاسية، غير أن الأخير رفض الطلب، كما رفض أيضاً مطالبة علي لاريجاني برفع السرية عن الوثيقة المختومة بالشمع الأحمر التي أرسلها المجلس إليه، قبل أن تجد الوثيقة طريقاً إلى وسائل الإعلام في ديسمبر/كانون الأول 2021، ما جلب انتقادات للاريجاني لنشرها وسط تلميح من القضاء الإيراني بمحاكمته إن كان هو وراء ذلك.
وذكر مجلس صيانة الدستور الإيراني في وثيقته "السرية" سبعة أسباب لرفض ترشح لاريجاني، مرتبطة بحياة أسرته وإقامة بعضهم في الخارج ومواقفه السياسية واتهامه بالبذخ. وكان أبرز الأسباب متعلقاً باتهامه بـ"اتخاذ مواقف سياسية والإدلاء بتصريحات في مراحل مختلفة منها (فتنة عام 2009)"، في إشارة إلى الاحتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية آنذاك. ولكن هذه المرة ثمة توقعات بمصادقة مجلس صيانة الدستور على أهلية لاريجاني، خاصة في ظل حديث المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي عام 2020، قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية، عن "ظلم" لحق بأشخاص رفضت أهليتهم وكذلك أسرهم. وجاءت تلك التصريحات قبل أسبوعين من الانتخابات الرئاسية، وفسرت بأن المقصود بها هو علي لاريجاني، لكن مجلس صيانة الدستور لم يغير قائمته النهائية للمرشحين.
ويتوقع الناشط السياسي المحافظ محمد مهاجري، في حديث لـ"العربي الجديد"، نيل علي لاريجاني هذه المرة ثقة مجلس صيانة الدستور، قائلا إنه "ثبت خطأ المجلس عام 2020، وكان رفض ترشحه مبنيا على معلومات كاذبة، لكن يبدو أن هذه المرة لن تكون هناك هذه المشكلة". وعن حظوظ لاريجاني في الظفر بالرئاسة الإيرانية القادمة، قال مهاجري إنه إذا اقتربت نسبة المشاركة في الانتخابات من 70 في المئة، ففوزه "حتمي". وتعليقا على موقف الإصلاحيين بعدم التصويت لمرشح غير منتم إليهم، أوضح مهاجري أن الإصلاحيين عبارة عن أطياف وتيارات متعددة، وأن "كل طيف لديه خلافات أساسية مع الآخر". وعليه، يرى الناشط المحافظ أن الإصلاحيين المعتدلين البرغماتيين الراغبين بعدم فوز المتشددين من التيار اليمين هم أكثر ميولا إلى لاريجاني، مشيرا إلى أن جميع المرشحين لم يسجلوا بعد، لكن في ظل الترشيحات حتى الآن فحظوط لاريجاني أكثر من غيره.
وقال المتحدث باسم لجنة الانتخابات محسن إسلامي إنه منذ فتح باب الترشح أمس الخميس حتى الساعة، استقبلت الداخلية الإيرانية 33 طلبا للترشح، قُبل 6 منها فقط بسبب عدم استيفاء الآخرين شروط الترشح. ويعد الأمين السابق لمجلس الأمن القومي الإيراني سعيد جليلي من أبرز المرشحين قبل ترشح علي لاريجاني اليوم. ويشار إلى أن علي لاريجاني ترشح أيضا في 2005 للانتخابات الرئاسية بصفته واحداً من أبرز المرشحين عن التيار المحافظ، لكنه حل في المرتبة السادسة، فيما فاز الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد، أحد أكثر الرؤساء جدلاً في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
التضامن مع رفح
بعد تقديمه، اليوم الجمعة، طلب ترشحه للانتخابات الرئاسة الإيرانية الـ14 المبكرة التي جاءت إثر وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرته في 19 مايو/أيار الجاري، بدأ علي لاريجاني تصريحاته لوسائل الإعلام من مقر وزارة الداخلية الإيرانية بالتضامن مع الشعب الفلسطيني وخاصة سكان رفح في ظل حرب الإبادة التي يتعرضون لها، وبالثناء على قائد "فيلق القدس" السابق الجنرال قاسم سليماني.
واعتبر لاريجاني أن مشاكل البلاد قابلة للحل من خلال القدرات الداخلية والتجارب الدولية، مشيرا إلى أن الشعب الإيراني يمر بـ"ظروف معيشية صعبة والجميع ينتظر أن تتبنى الحكومة طريقا صحيحا لحل المشاكل". وأضاف لاريجاني أنه "لأجل تجاوز العقبات، يجب الابتعاد عن الأساليب عديمة الفائدة"، قائلا إن الدبلوماسية يجب أن تهدف إلى تطوير البلاد وازدهارها، مع القول إنه إذا فاز سيضع رفع العقوبات ضمن أولويات دبلوماسيته، واعتبر أن "الحريات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ضرورة"، لافتا إلى أنه "ليس عندنا وقت لنهدره"، وتابع أن في نموذجه للحكم "الحكومة لن تكون بديلا عن الشعب وهي توفر الأرضية المتوازنة للمشاركة والتنافس للشعب على جميع المجالات".
من يكون علي لاريجاني؟
ينتمي علي لاريجاني، المولود عام 1957، للتيار المحافظ الأصولي، ويحمل شهادة الدكتوراه في الفلسفة الغربية من جامعة طهران، وهو صهر منظر الثورة الإسلامية ورجل الدين المعروف مرتضى مطهري الذي اغتيل في عام 1980 على يد مجموعة "فرقان" المعارضة.
تقرب لاريجاني منذ سنوات من الإصلاحيين والمعتدلين (تيار الرئيس حسن روحاني)، رغم أنه ما زال يحسب على التيار المحافظ، ما جعله عرضة لانتقادات حادة.
وصل إلى رئاسة البرلمان منذ عام 2008، واستمر فيه حتى يونيو/ حزيران 2020، مسجلاً أطول فترة رئاسة للمؤسسة التشريعية في البلاد. كما سبق له أن تولى عدداً من المناصب في السابق، من بينها منصب رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون، ووزير الثقافة، وممثل المرشد في اللجنة العليا للأمن القومي. وعُيِّن أميناً لمجلس الأمن القومي الأعلى في زمن أحمدي نجاد، وقاد المفاوضات النووية مع الغرب، لكنه استقال من هذا المنصب بعد عامين (من 2005 حتى 2007) إثر خلافات مع نجاد.
على الرغم من الامتعاض بين المحافظين تجاه لاريجاني، إلا أن علاقة جيدة تربطه بالمرشد الإيراني علي خامنئي الذي اختاره مستشاراً له بعد مغادرته منصب رئاسة البرلمان لـ12 عاماً، وعضوا بمجمع تشخيص مصلحة النظام، فضلاً عن أن لديه علاقات جيدة مع قادة الحرس الثوري الإيراني الذي انضم إليه عام 1982 وشغل فيه منصب نائب رئيس أركان الحرس، وكان من قادته في الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي.
وتقرب لاريجاني منذ سنوات من الإصلاحيين والمعتدلين (تيار الرئيس حسن روحاني)، رغم أنه ما زال يحسب على التيار المحافظ. هذه الاستدارة وعدم اتخاذه مواقف واضحة ضد أحداث عام 2009 على خلفية الاحتجاجات على نتائج انتخابات الرئاسة، وضد الزعيمين الإصلاحيين القابعين في الإقامة الجبرية منذ ذلك العام، أزعجت أطيافاً كثيرة بين المحافظين، ما جعله عرضة لانتقادات حادة، وصلت أحياناً إلى حد مقاطعة محاضراته، وحتى مهاجمته في 2013 في مدينة قم حيث معقله الانتخابي. واتُّهِم وقتها أنصار نجاد بتدبير الحادث.
عائلة علي لاريجاني
تعد عائلة لاريجاني من أشهر العوائل المتنفذة في عالم السياسة الإيرانية بعد عقود من الوجود في الواجهة، إذ لم يسبق أن سجل تاريخ البلاد السياسي المعاصر حضور عائلة متنفذة مثلها. وتولى اثنان من أبنائها رئاسة سلطتين من السلطات الثلاث في الدولة في آن واحد ولعشر سنوات، أي التشريعية التي أمسك زمامها علي لاريجاني لـ12 عاماً، والقضائية التي ترأسها شقيقه العالم الديني صادق لاريجاني لعشر سنوات، قبل أن يغادر هذا المنصب في ديسمبر/كانون الأول 2018 ليعيّنه المرشد الأعلى علي خامنئي على رأس مجمع تشخيص مصلحة النظام. وبالإضافة إليهما، تولى ثلاثة أشخاص من العائلة، هم فاضل وباقر ومحمد جواد، مناصب ومسؤوليات متعددة في إيران، والخمسة هم أبناء المرجع الديني ميرزا هاشم آملي لاريجاني.
وبدأ نجم العائلة يتراجع منذ الولاية الثانية لأحمدي نجاد، الذي شنّ هجوماً شرساً عليها، وسط اتهامات لبعض أبنائها بالفساد. واتهم الرئيس السابق من داخل قاعة البرلمان في فبراير/شباط 2013 شقيق علي لاريجاني، فاضل، بالفساد، ثم واصل هجومه على العائلة بعد مغادرته المنصب، ليوجه انتقادات لاذعة إلى رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني بعد اعتقالات ومحاكمات تعرض لها المقربون من نجاد. وكان للخلافات الحادة التي برزت بين المحافظ صادق لاريجاني وزميله في التيار نفسه والرئيس الأسبق للسلطة القضائية محمد يزدي في أغسطس/آب 2019، وتبادلهما رسائل حادة واتهامات بالفساد، أثر في إضعاف موقع عائلة لاريجاني، رغم عقد جلسة مصالحة بين الرجلين داخل أروقة مجلس صيانة الدستور، باعتبارهما عضوين من الأعضاء الستة الفقهاء فيه.