علي سوادغو، فتى من بوركينا فاسو في الثالثة عشرة من عمره، هو الذي أسقط قبل أيام طائرة "الدرون" الفرنسية بمقلاع في مدينة كايا وسط شرقي بوركينا فاسو، عندما كان الأهالي يعترضون لليوم الخامس على التوالي قافلة للجيش الفرنسي كانت بصدد العبور إلى النيجر، لمطالبتها بمغادرة البلاد. صار علي بطلاً قومياً في بلدته، وحمله سكانها على الأكتاف. إسقاط "الدرون" الفرنسية التي كانت تراقب تظاهرة السكان ضد القوات الفرنسية يحمل في رمزيته رغبة أفريقية جامحة في فقء عين فرنسا، وإغماضها عن أفريقيا المنهكة جراء الاستغلال والحروب. علي من الجيل الأفريقي الذي لم يجد مدرسة أو سكناً لائقاً، ولا كهرباء وماء، ولا ملعباً أو طريقاً معبداً. يعيش النكبة الاجتماعية والاقتصادية بسبب الاختلاس الفرنسي المستمر لثروات أفريقيا، والتدخل في فرض السياسات والحكومات الموالية في دول القارة.
ثمة عودة للروح الوطنية في أفريقيا، وثمة ملامح قومية أفريقية تتصاعد بشكل لافت في دول القارة، وتحتاج إلى أن تتحول لما يشبه هندسة محلية لاستعادة الشعوب زمام المبادرة وتحررها من قيد المشاريع السياسية الفاشلة التي تصب في صالح المستعمر السابق. التظاهرات الشعبية في النيجر المطالبة برحيل القوات الفرنسية، والتظاهرات في كايا في بوركينا فاسو الرافضة للوجود الفرنسي، والاعتراضات الشعبية والرسمية في مالي ضد باريس، والصدام السياسي الحاصل بين الجزائر وفرنسا، كلها مظاهر لا تبقي لهذه الأخيرة أي باب ترحيب في القارة.
صحيح أن نكبة الشعوب والدول الأفريقية في حكوماتها الموالية للكولونيالية الفرنسية بالأساس، لكن فرنسا العجوز تجد دائماً مداخل للهيمنة على مقدرات شعوب القارة، وتقاوم كل محاولة أفريقية للانعتاق وتحبط كل مشروع تحرري. أظهرت عودة قضية اغتيال الزعيم البوركيني، توماس سانكارا، عام 1986، إلى الواجهة أخيراً، اليد الفرنسية في اغتياله بسبب خياراته التحررية من الهيمنة الاستعمارية. كما أن اليد الفرنسية في مجازر رواندا شاهدة على إشعال الاقتتال بين الشعوب لكي تفوز فرنسا بالثورات في النهاية.
لعقود، ظلّت شركة "ألف" الفرنسية تتحكم في مصير الغابون والكونغو، وشركة "توتال" في أنغولا، وشركة "آريفا" في مالي والنيجر، حيث تسيطر منذ خمسة عقود على مناجم اليورانيوم، وعلى الماس في أفريقيا الوسطى والكونغو. كانت هذه الشركات يد فرنسا التي تستغل ثروات البلدان وتتلاعب بمصير الشعوب، مقابل فتات من العوائد تتبخر سريعاً. يتقاضى حارس نيجري في منجم يورانيوم في النيجر 200 يورو كأجرة شهرية ويعيش في منزل بلا كهرباء، لكي تتزود فرنسا بـ75 في المائة من حاجياتها من الكهرباء، ولتتدفق المليارات إلى البنوك الفرنسية.
غير أنّ شعوب القارة المنتفضة ضد الوجود الفرنسي الذي عمّر طويلاً، ليس عليها أن تستبدل باريس بموسكو، ولا مرتزقة اللفيف الأجنبي الفرنسي بمرتزقة "فاغنر"، فكلاهما من وجوه الاستغلال والشراهة الاقتصادية والهيمنة السياسية. لن تجلب لشعوب أفريقيا الأمن والتنمية سوى اليد الأفريقية نفسها، كذلك فعلت رواندا مذ تحررت من الأرز الفرنسي.