لو جمعنا إشارات المسؤولين الأميركيين وتلميحاتهم وتصريحاتهم عن الملف النووي الإيراني خلال أول أسبوعين من إدارة جو بايدن، لكانت النتيجة تقلّب وارتباك وغياب وحدة الموقف التي عُبِّر عنها بأكثر من لسان.
التباينات بالتصريحات والالتباسات التي رافقتها، كوّنت صورة تفيد بأنّ مطبخ القرار يعاني من تعدد الطباخين والمقاربات، حتى لا نقول من الصراعات. وإذا كان هناك شيء من هذه الأخيرة، يبدو أنه قد حُسم لمصلحة موقف مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان، الذي يدعو إلى "الاستعجال" في التعامل مع هذا الموضوع، خلافاً لرؤية وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي آثر ترحيل هذا الملف. ومن المتوقع أن يسانده في ذلك روبرت مالي الذي اختاره بايدن مبعوثاً خاصاً للشأن الإيراني.
وعليه، من غير المستبعد أن تؤشر هذه البداية على أن سوليفان قد يؤدي دور المهندس المشرف على صناعة السياسة الخارجية عموماً في عهد بايدن. فهي تحمل مدلولات تتجاوز لحظتها، وإن كان من السابق لأوانه تفسيرها بهذا الشكل.
التذبذب حصل في موعد فتح هذا الملف، إذ من الأساس تركه الرئيس مفتوحاً، ما أوحى بأن ضغوط الأزمات الداخلية تفرض التأجيل. وبعد تعييناته لفريق السياسة الخارجية، بدأت التلميحات تتوالى في هذا الخصوص. وزير الخارجية بلينكن استبعد العودة القريبة إلى الاتفاق، لأن الموضوع يحتاج إلى وقت.
في الـ 27 من الشهر الماضي، أكد بلينكن في مؤتمره الصحافي الأول، أن المسافة "ما زالت طويلة" قبل أن تتوافر الشروط اللازمة (عودة طهران إلى تطبيق الاتفاق وإضافة ملفي الصواريخ ودور إيران في المنطقة وانتهاء التشاور مع الحلفاء والشركاء)، وأردف: "ونحن لسنا الآن عند هذه النقطة".
في الـ 29 من الشهر الماضي، وخلال ندوة في "المؤسسة الأميركية للسلام"، كشف سوليفان عن تباين فاقع مع بلينكن حين قال إن الرئيس بايدن "يتطلع إلى اتفاق نووي عاجل. كأولوية هامة نحتاج إلى التعامل معها باعتبارها أزمة متصاعدة". بدا وكأنه يتحدث باسم الرئيس.
وأضاف سوليفان أن "القضايا الأخرى مثل موضوع الصواريخ والدور الإيراني المؤذي في المنطقة ستُعالَج" من دون أن يحدد وقت هذه المعالجة.
على الفور، تغيرت لغة وزارة الخارجية. ففي الأول من فبراير/ شباط الحالي، وفي أول مقابلة صحافية له، سارع الوزير بلينكن إلى استبدال التمهل بالاستعجال من باب أنّ إيران "قد تكون صارت على مسافة أسابيع" لتجميع ما يكفيها من اليورانيوم لصناعة سلاح نووي".
الناطق باسم الخارجية نيد برايس، كرر الثلاثاء هذا التحذير من زاوية أنّ الموضوع بات يستوجب "معالجة فورية" لأنه لا يحتمل الانتظار، ما يفرض "علينا التحرك بصورة عاجلة".
المفردات ذاتها تقريباً التي تحدث بها سوليفان، الذي يبدو أنه هو وليس الوزير بلينكن الذي فصل في توقيت البحث بالنووي الإيراني وبموافقة بايدن الضمنية على ما يبدو. لكن العجلة هذه قد يفرملها الكونغرس من خلال وضع شروط صارمة لأي اتفاق جديد مع إيران، خاصة أنّ هناك توافقاً واسعاً من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) في هذا الخصوص، عبّر عنه السناتور الجمهوري جيم إنهوف في مقال في مجلة "فورين بوليسي"، حذّر فيه من العودة إلى اتفاق 2015 ووجوب استبداله باتفاق "مؤبد ومفتوح على التفتيش غير المشروط".
هذه البداية تركت علامات استفهام حول مدى التناسق في عملية صياغة السياسة الخارجية لإدارة بايدن. يعزز مثل هذا الانطباع أن خطاب الرئيس بايدن عن السياسة الخارجية، المقرر أن يلقيه في وزارة الخارجية، أُجِّل مرتين: من الاثنين الماضي إلى اليوم الأربعاء، ثم إلى غد الخميس، من غير مبرر سوى "الطقس المثلج" في واشنطن، مع أن الشوارع سالكة والمسافة بين البيت الأبيض ومبنى الخارجية لا تزيد على كيلومترين.
كأن الموضوع يحتاج إلى لمسات أخيرة غير محسومة بعد، أو كأنه اقتضى تمديد الوقت لإحداث تغييرات في صلبه. غياب التفسير المقبول يثير التساؤل عن الدواعي وبما يهزّ الصورة السائدة عن خبرة الرئيس الغنية في الشؤون الخارجية.
مع دخول أي إدارة جديدة إلى البيت الأبيض، تواجه بعض الارتباك والتعثر، على الأقل لأنها غريبة عن "الكار"، لكن الإدارة الحالية برئيسها ومعظم أركانها، لديها تجربة واسعة من المفترض أن تعفيها من مثل هذا التخبط، وإن كان غير جوهري، لأنه قد يؤسس، إذا ما استمر، لتآكل في رصيدها.