عقد على نزاع دونباس... كيف تحول "الربيع الروسي" إلى حرب شاملة؟

07 ابريل 2024
جنود أوكرانيون في دونيتسك، مارس الماضي (ياكيف لياشينكو/Epa)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في 7 إبريل 2014، أعلن نشطاء موالون لروسيا تأسيس "جمهورية دونيتسك الشعبية" بشكل أحادي، مما أدى إلى تصعيد النزاع في شرق أوكرانيا مع السلطات الجديدة وإعلان "عملية مكافحة الإرهاب" من قبل رئيس البرلمان الأوكراني.
- النزاع في دونباس شهد مراحل من التصعيد والتهدئة، وصولاً إلى ضم روسيا لمقاطعتي زابوريجيا وخيرسون في 2022، مع تطلعات سكان دونباس للانفصال مدفوعة بأمل في تكرار سيناريو القرم.
- تحليلات تشير إلى ضلوع روسيا مباشرة في النزاع منذ بدايته، وفشل اتفاقات مينسك بسبب شروط تعجيزية من موسكو، مع تحول الوضع إلى تجميد النزاع حتى فبراير 2022، عندما قامت روسيا بغزو أوكرانيا بشكل شامل.

قبل عشر سنوات، في السابع من إبريل/نيسان 2014، دخلت الأزمة السياسية شرقي أوكرانيا مرحلة جديدة من التصعيد، بعد إعلان نشطاء موالين لروسيا عن قيام "جمهورية دونيتسك الشعبية" المعلنة من طرف واحد، وعزمهم إجراء استفتاء لتقرير المصير، على غرار ما حصل في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في مارس/آذار 2014، فضلاً عن رفضهم الاعتراف بالسلطات الأوكرانية الجديدة الموالية للغرب. وعلى الأثر، أعلن رئيس البرلمان الأوكراني حينها، أولكسندر تورشينوف، الذي كان قائماً بأعمال الرئاسة الأوكرانية، بعد إطاحة الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش، عن بدء "عملية مكافحة الإرهاب" ضد كل من حمل السلاح في منطقة دونباس (تضمّ مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك)، شرقي البلاد، ضد الشرعية الأوكرانية.

وتمكنت القوات الأوكرانية من السيطرة على الأوضاع في مدن دونباس، باستثناء مدينتي لوغانسك ودونيتسك، اللتين أعلنتا بشكل أحادي الجانب عن قيام ما يعرف باسم "جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين". وفي عام 2022، أجرت موسكو فيهما وفي مقاطعتي زابوريجيا وخيرسون استفتاءات تقرير مصير، تمخض عنها ضمّها إلى السيادة الروسية بشكل أحادي الجانب. وبذلك يعتبر 7 إبريل 2014 تاريخاً لبدء النزاع شرق أوكرانيا، الذي مرّ خلال عقد بمراحل التصعيد وعقد مفاوضات التسوية في العاصمة البيلاروسية مينسك والتهدئة والتجميد الفعلي للنزاع، وصولاً إلى مرحلة بدء الروس غزو أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.

بعد مرور عشر سنوات على انطلاق قطار هذه الأحداث الدراماتيكية، يعتبر المحلل السياسي الصحافي المتخصص في الشأن الأوكراني المتحدر من دونيتسك، والمقيم في موسكو، ألكسندر تشالينكو، أن سكان دونباس انطلقوا في تطلعاتهم للانفصال عن أوكرانيا من رؤية مفادها أن الكرملين سيكرر سيناريو ضم القرم، معتبراً أنه لو تعاملت موسكو بحزم في حينه كانت ستتجنب الحرب الراهنة. ويقول تشالينكو الذي اضطر لمغادرة دونيتسك بعد أن اتهمته أوكرانيا عام 2014 بـ"الانفصالية"، في حديث لـ"العربي الجديد": "كان قرار دونباس الانفصال عن أوكرانيا صائباً، انطلاقاً من أن روسيا ستقبل بضم هذه الأراضي إلى سيادتها وفق نموذج ضم القرم، ولكن ذلك لم يحدث، مما ترجم إلى اندلاع الحرب الحالية بعد سنوات. فلو كان للكرملين جرأة لضم دونباس وقتها، لكنا تجنبنا ما يجري حالياً".


تشالينكو: لو كان للكرملين جرأة لضم دونباس وقتها، لكنا تجنبنا ما يجري حالياً

وحول رؤيته لأسباب امتناع روسيا عن ضم دونباس في عام 2014، يرى تشالينكو أن "موسكو تعاملت مع دونباس على أنها جزء من أوكرانيا، على عكس القرم التي رأت في ضمها استعادة للعدالة التاريخية وتدارك خطأ ضمها إدارياً لأوكرانيا في عهد الزعيم السوفييتي الراحل نيكيتا خروتشوف. صحيح أن دونباس انضمت إلى روسيا في عام 2022، ولكن بعد حرب طويلة أنهكت السكان". ويعتبر أن الكرملين كان يراهن على نجاح اتفاقات مينسك، قائلاً: "كان منح الوضع الخاص لدونباس سيشكل استنساخاً لنموذج البوسنة والهرسك، أي كيانان مستقلان ضمن دولة واحدة، وهذا كان سيضمن لموسكو أن أوكرانيا لن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. ثم راهنت موسكو من دون جدوى على الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، ثم على الرئيس الأوكراني الجديد، فولوديمير زيلينسكي، الذي فاز في الانتخابات رافعاً شعارات السلام".

وفي ما يتعلق بالعوامل التي أدت إلى تغيير موقف الكرملين وشنه حرباً شاملة في عام 2022، يرى تشالينكو: "بعد تولي الرئيس الأميركي جو بايدن، السلطة في عام 2021، بات واضحاً أنه لن يتسنى التوصل إلى حلول وسط بخصوص أوكرانيا. وبات الوضع في دونباس حرجاً بعد أن واجهت المنطقة حصاراً أوكرانياً من الغرب وعزوفاً روسيا عن ضمها من الشرق. لذلك قررت روسيا إجراء عملية عسكرية خاصة (الاسم الروسي لغزو أوكرانيا) توقعت أنها لن تواجه مقاومة من دون أن تضع في حساباتها أنها ستستمر لسنوات".

بدوره، يرى أستاذ التاريخ في جامعة "ماريا كوري سكلودوفسكا" في مدينة لوبلين البولندية، غيورغي كاسيانوف، أن روسيا كانت ضالعة مباشرة في النزاع في دونباس منذ أيامه الأولى، معتبراً أن مفاوضات مينسك كان محكوماً عليها بالفشل، لاحتوائها شروطاً تعجيزية وضعتها موسكو. ويقول كاسيانوف في حديث لـ"العربي الجديد" إنه "في البداية، شكّلت الاحتجاجات المناهضة لكييف في دونباس والتي أطلقت عليها تسمية الربيع الروسي، تكراراً لسيناريو ضم القرم، إذ سيطر مسلحون بلا علامات تعريفية على مبان إدارية ومراكز للشرطة والجهات الأمنية. ورافقت ذلك احتجاجات منظمة جيداً في الشوارع".

وحول رؤيته لاختلاف تطور الأحداث في القرم ودونباس، يرى كاسيانوف: "على عكس القرم، تمكن الجيش الأوكراني وكتائب المتطوعين في دونباس من التصدي للمجموعات المسلحة الروسية في سلوفيانسك وخاركيف وأوديسا وماريوبول، محكماً السيطرة على الجزء الأكبر من دونباس". ويرجع فشل اتفاقات مينسك إلى ما يعتبره وضع روسيا شروطاً تعجيزية، قائلاً: "كانت اتفاقات مينسك تنازلاً اضطرارياً أقدمت عليه أوكرانيا بعد هزيمتين عسكريتين أمام قوات روسية قاتلت بالنيابة عن الانفصاليين في إيلوفايسك وديبالتسيفي. وضعت روسيا شرط اعتراف أوكرانيا بسيطرتها الفعلية على دونباس عبر منح المنطقة حكماً ذاتياً يتعارض مع الدستور الأوكراني".


كاسيانوف: كانت اتفاقات مينسك تنازلاً اضطرارياً أقدمت عليه أوكرانيا

ويلفت كاسيانوف إلى أن اتفاقات مينسك تحولت فعلياً إلى أطر إجرائية لتجميد النزاع، ويضيف: "أصبح الوضع في دونباس مستقراً بلا أعمال قتال واسعة مع اقتصارها على اشتباكات متفرقة على خط التماس. لكن في فبراير 2022، هدمت روسيا بشكل أحادي الجانب اتفاقات مينسك باعترافها باستقلال الجمهوريتين الانفصاليتين وشنها حربا شاملة رامية إلى القضاء على أوكرانيا كدولة مستقلة". يذكر أن الأزمة السياسية في أوكرانيا بدأت في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، عندما قرر يانوكوفيتش العدول عن التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، مما دفع أنصار التكامل مع أوروبا إلى تنظيم تظاهرات واحتجاجات عرفت باسم "الميدان الأوروبي". وفي فبراير 2014، شهدت أوكرانيا موجة من الاضطرابات وأعمال العنف أسفرت عن هروب يانوكوفيتش إلى روسيا، وهو أمر اعتبرته موسكو "انقلاباً غير دستوري"، مستثمرة الأمر الواقع لضم القرم أولاً، قبل أن يتفاقم الوضع ليبلغ مرحلة النزاع المسلح فالحرب المفتوحة.