يحيي المغرب اليوم السبت، الذكرى العاشرة لانطلاق "حركة 20 فبراير"، التي قادت احتجاجات الربيع العربي في المملكة عام 2011. ويأتي ذلك في سياقات لا تبدو مختلفة، أكان في ما يتعلق بالحركة أو بالمشهد العام المغربي. فاليوم وبعد مرور عقد من الزمن، شهدت خلاله الحركة تحوّلات عدة وأفولاً لنجمها، تعود مرة أخرى إلى الشارع من خلال وقفات احتجاجية تحيي الذكرى في العديد من المدن المغربية، لكنها عودة تثير مجدداً تساؤلات حول ما إذا كانت المطالب التي رفعتها مسيرات جابت أكثر من 54 مدينة مغربية في 20 فبراير/شباط من العام 2011، قد تحققت، أم أنّ الوضع السياسي والاجتماعي ما زال بحاجة إلى حركة شعبية تلقائية لتسريع وتيرة الإصلاحات.
في مثل هذا اليوم منذ عشر سنوات، خرج الآلاف من المغاربة إلى شوارع المملكة للاحتجاج، بناء على دعوة أطلقتها حركة شكلها شباب مغاربة من تنظيمات سياسية ومستقلين عبر منصات التواصل الاجتماعي، مطالبين بالعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة، والفصل بين الثروة والسلطة في المناصب الحكومية، ومحاكمة الضالعين في قضايا فساد واستغلال نفوذ ونهب ثروات المملكة. فضلاً عن المطالبة باستقلال القضاء وحرية الإعلام، وإقامة ملكية برلمانية، وإجراء انتخابات نزيهة ووضع دستور جديد، وذلك في سياق ثورات "الربيع العربي" التي بدأت في تونس أواخر عام 2010، وأطاحت أنظمة عربية حاكمة عدة.
بعد أقل من شهر واحد من الاحتجاجات، سارع العاهل المغربي الملك محمد السادس، إلى وضع أجندة للإصلاح من خلال خطابه الشهير في 9 مارس/آذار 2011، وأقر تعديلات دستورية قلّصت من صلاحياته في الحكم، ووسعت من صلاحيات رئيس الحكومة. غير أنّ شباب الحركة لم تقنعهم تلك الإصلاحات وعدوها "التفافاً" على مطالبهم الرئيسة، وقضوا ما يزيد عن العام في معارضتها، قبل أن يبدأ الزخم الشعبي الذي كان يحركهم في الخفوت لأسباب ذاتية وأخرى خارجية.
الفجري: أضحت الفجوة شاسعة بين مطالب الحركة والواقع السياسي السائد حالياً
وعلى الرغم من أنّ "حركة 20 فبراير" كانت قد ساهمت في إحداث هزة كبيرة في مشهد سياسي سمته البارزة، وقتها، الأزمة على الأصعدة كلها، بولادة دستور "الربيع العربي"، وإجراء انتخابات سابقة لأوانها مكّنت للمرة الأولى في تاريخ المغرب، من صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم، إلا أنّ ديناميتها ومطالبها خفتت واعتراها فتور ملحوظ بعد انسحاب جماعة "العدل والإحسان"، أكبر تنظيم إسلامي في المغرب، والتي كانت تشكل الثقل الأكبر داخل الحركة إلى جانب اليساريين، ما خفف بشكل مؤثر من حجم التظاهرات الاحتجاجية للحركة.
ولئن كانت حركة "20 فبراير" قد انتهت عملياً وميدانياً بشكل بطيء منذ انسحاب جماعة "العدل والإحسان"، إلا أنها استطاعت العيش خارج ثوب الحركة، طيلة السنوات العشر، من خلال بث وعي احتجاجي جديد وسط المغاربة، تبلور في مسيرات واحتجاجات سلمية وحضارية، تُعبّر عن مطالبها التي تراها مشروعة في مختلف القطاعات. وعلى امتداد السنوات العشر الماضية، تحولت ذكراها إلى مناسبة تعود فيها الهيئات الحقوقية والمدنية والسياسية والنقابية للاحتجاج والمطالبة بمزيد من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، في إشارة إلى أنّ الأوضاع تكاد تشبه، إلى حد كبير، تلك التي دفعت في 20 فبراير 2011 آلاف المغاربة إلى الخروج إلى الشارع للتظاهر والاحتجاج.
وبحسب محمد علال الفجري، أحد مؤسسي الحركة، فإنه بعد عقد من ميلاد "حركة 20 فبراير"، "أضحت الفجوة شاسعة بين مطالب الحركة والواقع السياسي السائد حالياً"، لافتاً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "مقارنةً مع الوعود المقدمة خلال لحظة الحراك، تحوّل الدستور، على الرغم من الملاحظات التي سجلتها الحركة في حينه لجعل قواعد اللعبة الديمقراطية أكثر رسوخاً وإلزاماً، إلى مجرد لوحة إعلانية لوعود بخلفية استراتيجية، لا تتطابق بنوده، على علّاتها، مع ما يحدث فعلياً".
ويضيف: "عندما نتساءل عن عدم الاستفادة من الحقوق الدستورية، يقال لنا إنّ ذلك يتطلب التأثير في موازين القوى، والحال أنّ الهوية الإعلانية للدستور أضحت تفرض نفسها بقوة. لقد تمّ اختزال عملية الانتقال نحو الديمقراطية في مجرد إعداد هيكلة دستورية هشة لإدماج فاعل سياسي في حكومة 2011، وتم تقزيم لحظة 20 فبراير بكل زخمها ومطالبها في تنفيذ هذا العنصر الثانوي بكل ملابساته المعروفة".
فراشن: نعيش اليوم نوعاً من القمع لكل رأي أو تعبير معارض للسياسات العمومية
وفي قراءة لمسار ما تحقق من مطالب رفعتها الحركة منذ عقد من الزمن، يرصد الفجري على المستوى الحقوقي، "تسجيل تنامي انتهاكات الحريات العامة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومن أبرز مظاهر ذلك، ما حصل في حراك الريف وفي مناطق أخرى، وظهور نهج شبه منظم نحو اعتماد المقاربة الأمنية ضد النشطاء المنتقدين للسلطة، وخلق وإشاعة جو من التخويف". ويتحدث كذلك عن "بروز إعلام التشهير، في اتساق تام مع باقي الانتهاكات الأخرى، واستهداف النشطاء المطالبين بالديمقراطية، وعدم تدشين فصل حقيقي بين السلطات، واعتماد إصلاحات فعلية للسلطة القضائية كسلطة مستقلة ومحايدة بعيداً عن الإصلاحات الشكلية".
كما يسجّل الفجري "تغوّل الفساد في المغرب بشكل مرعب، إلى درجة وصفته منظمة ترانسبارنسي بالمزمن"، مشيراً إلى أنّ "جائحة كورونا كشفت عن نسب صادمة للفقر في البلاد، ظلّت الحكومات المتعاقبة تنكرها، وعن تدني مرتبة المملكة في مؤشر التنمية البشرية، على الرغم من جهود المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي افتقدت تدابيرها الحكمة والشفافية والنجاعة". ويؤكد الفجري أنّ "الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتطلب التخلي الفوري عن جدول أعمال السياسات السلطوية، والعودة إلى مسار إصلاحي حقيقي يجنب البلاد احتمال دخول مرحلة العدمية السياسية الشاملة".
من جهته، يرى يونس فراشن، المنسق الوطني لـ"الجبهة الاجتماعية المغربية"، التي تحاول منذ نحو سنتين إطلاق دينامية جديدة للدفاع عن الحقوق والحريات وملء بعض الفراغ الذي تركه خفوت "حركة 20 فبراير"، أنه "بعد عقد من الزمن، هناك مؤشرات موضوعية تصدر عن مؤسسات رسمية ودولية، تؤكد أنّ الوضع الاجتماعي لم يتقدم، بل على العكس من ذلك، تأخرنا في بعض المجالات كما هو الأمر على مستوى الحقوق والحريات".
ويقول فراشن في تصريحات لـ"العربي الجديد": "للأسف نعيش اليوم نوعاً من القمع لكل رأي أو تعبير معارض للسياسات العمومية، فضلاً عن استغلال حالة الطوارئ الصحية للتضييق، واعتقال الصحافيين والمدونين. وهي ممارسات تؤكد أنّ المغرب يعيش ردة على المستويات كافة وضرباً لكل المكتسبات، سواء كانت مجتمعية أو حقوقية".
ويعتقد فراشن أنّ "المطالب التي عبّرت عنها حركة 20 فبراير منذ عشر سنوات، لا يمكن تحقيقها إلا بالمزيد من النضال، بعد أن تأكّد اليوم أنّ الفساد والاستبداد والانتهاكات التي خرجت الحركة لمواجهتهما، وأن شعار بناء الدولة الديمقراطية وتحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، كلها لم تتحقق بعد". ويلفت إلى أنه "بعد عقد من انطلاق حركة 20 فبراير، هناك أشكال جديدة للاستبداد وتغول لوبيات الرأسمال المعتمد على الريع في المغرب (من قبيل لوبي المحروقات) والتي أصبح لها تأثير على القرار الاقتصادي والسياسي. كما أصبحنا أمام التحكم في المشهد السياسي، الذي أفرز مؤسسات تم إفراغها من مضمونها الديمقراطي، وتحولت إلى مؤسسات للواجهة، بدل أن تعبّر فعلاً عن سيادة الشعب المغربي".
البكاري: المبررات قائمة لظهور حركة احتجاجية جديدة
أما بالنسبة للناشط الحقوقي، خالد البكاري، فإنّ "الحالة المغربية تفتقر لمسألة الضمانات، فكل ما يتم تحقيقه يفتقر لضمانات عدم التراجع عنه"، لافتاً إلى "ما حصل من تسوية لمجموعة من ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في السابق، عبر مسلسل ما سمي بالعدالة الانتقالية الذي أشرفت عليه هيئة الإنصاف والمصالحة، ولكن أدى غياب ضمانات لعدم تكرار هذه الانتهاكات إلى عودتها في السنوات الحالية".
ويقول البكاري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المنطق نفسه يمكن إسقاطه على حركة 20 فبراير، فقد اعتبرنا أنّ التعديلات الدستورية وإجراء انتخابات سابقة لأوانها، كانا أهم مكسبين للحركة، لكن انعدام الضمانات، هو الذي أدى اليوم بعد أن مال ميزان القوى لصالح السلطوية، إلى إفراغ الدستور من محتواه، عبر تجاوزه، وكذلك إفراغ العملية الانتخابية من محتواها، عبر تضخيم صلاحيات المؤسسات المعيّنة، وتقليص هامش حركة المؤسسات المنتخبة".
ويعتبر الناشط الحقوقي، أنّ "الوضع الاجتماعي والسياسي حالياً أسوأ مما كان عليه في فترة ظهور حركة 20 فبراير، لذلك فالمبررات قائمة لظهور حركة احتجاجية جديدة، لكنها لن تكون على شاكلة حركة 20 فبراير"، متوقعاً أن تكون "التقاء لحركات اجتماعية جهوية أو مجالية، على أسس اجتماعية أكثر منها سياسية".