عقبات تعيق نجاح بلديات تونس... وتساؤلات حول الحكم المحلي

22 يونيو 2021
فشلت بعض البلديات بمهام أساسية كإزالة النفايات (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

بعد مرور ثلاث سنوات على أول انتخابات بلدية في تونس منذ الثورة، والتي أشاد مراقبون من داخل البلاد وخارجها بنجاحها، عانت العديد من المجالس البلدية منذ اختيارها من عثرات وهزات تسبّبت في حل 30 مجلساً بلدياً وإعادة الانتخابات فيها، إلى جانب نزيف استقالات لامست 70 رئيس بلدية وقرابة 750 عضواً. وطرحت الإشكاليات والصعوبات التي عانت منها بلديات عديدة وحالت دون نجاح التجربة المحلية في العديد من المناطق، تساؤلات حول نجاعة تجربة الحكم المحلي واستعدادات البلاد للتجربة اللامركزية بعد 3 سنوات من الانتخابات.

وتواصل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مساعيها لإعادة ترميم المجالس البلدية وإقامة البلديات التي تم حلها منذ أشهر، وأنجزت الأسبوع الماضي انتخابات في مدينة الصخيرة في صفاقس، وقبلها في مدينة ساقية الداير بالمحافظة نفسها التي تقع جنوب شرق البلاد. كما أعيدت خلال الشهر نفسه الانتخابات في بلدية عين الصبح الناظور في مدينة طبرقة التابعة لمحافظة جندوبة شمال غرب البلاد. فيما أعلنت الهيئة، أول من أمس الأحد، تعليق رزنامة انتخابات بلدية السبيخة في محافظة القيروان وسط غرب البلاد، والتي كانت مقررة في 14 و15 أغسطس/آب المقبل، وذلك لموجبات الصحة العامة، في ظل تفشي وباء كورونا وإعلان الحجر الصحي الشامل في المحافظة. وبحسب تقديرات رئيس الهيئة العليا، نبيل بفون، فإن كلفة الانتخابات البلدية الجزئية تتراوح بين 30 ألف دينار (نحو 10 آلاف و800 دولار) و100 ألف دينار للبلدية الواحدة.

وتعليقاً على ذلك، رأت القيادية في حركة "النهضة"، الأكثر تمثيلاً في بلديات تونس، يمينة الزغلامي، أن "تقييم التجربة ينطلق من خلال النص التشريعي، يعني مجلة الجماعات المحلية، إذ من الضروري تنقيح عدة فصول منها وأهمها في المحاور المتعلقة بسحب الثقة من رئيس المجلس البلدي وحل المجلس"، معتبرة أن هذه البنود "أدت إلى عدم الاستقرار والضرر بمصالح المواطنين".

قيادية في "النهضة": الصعوبات المسجلة لا تمنع وجود تجارب جيدة

ولفتت الزغلامي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى "ضرورة تعديل الفصول المتعلقة بالتفرغ، خصوصاً لرؤساء الدوائر، وضرورة التنصيص على مِنحٍ للأعضاء في إطار استرجاع مصاريف التنقل"، مشيرة إلى أن "التطوع لا يمكن أن يفرض على العضو المنتخب، خصوصاً الشباب منهم، تحمّل مصاريف تنقله ومتابعته مثلاً لبعض المشاريع أو الاتصال بالإدارات المعنية، ثم المعضلة الكبرى التي تجعل الشرطة البلدية والبيئية غير خاضعة لسلطة المجلس البلدي".
وشددت على أن "الصعوبات المسجلة لا تمنع وجود تجارب جيدة، حيث يتولى الوالي والمجلس الجهوي معاضدة المجالس البلدية، ومثال ذلك ما يجري في محافظة تونس من خلال معاضدة البلديات بالإمكانيات المالية، إذ يتم دعمها إما من ميزانية المحافظة أو بالمعدات والكفاءات المتخصصة كذلك". ودعت إلى "الوعي بأن المجالس المحلية هي ممارسة قاعدية للديمقراطية والتشاركية، باعتبار أن أكثر من 3000 شخص منتخب مباشرة من الشعب، ويجب العمل على توفير كل الظروف والدعم المادي لها".

تقارير عربية
التحديثات الحية

وتقف عشرات البلديات في تونس عاجزة عن توفير مستلزمات العمل البلدي، على غرار رفع الفضلات أو الإضاءة ورعاية المناطق الخضراء وغيرها. وتعزو غالبية المجالس البلدية ذلك إلى ضعف الإمكانيات المالية والافتقار إلى المعدات، إضافة إلى الإطار القانوني الذي لا يمكّنها من العمل الحر لتحقيق مبدأ التنمية المحلية.

وقال رئيس الكونفدرالية التونسية لرؤساء البلديات، فيصل الدريدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ البلديات تعاني من إشكاليات عدّة ونقص الإمكانيات المادية والمعدات اللوجستية والموارد البشرية، وهذا ما جعل العديد من البلديات من دون عقارات، فهناك 86 بلدية بلا مقرّات لغاية اليوم، و187 بلدية موسّعة تفتقر إلى إمكانية إيصال الخدمات إلى عمق الأرياف. ودعا إلى تقديم مقترحات عملية لتحسين خدمات البلديات وتنمية الموارد للذهاب إلى المشاريع والتنمية العادلة، مشيراً إلى أنه لا بد من حثّ الدولة على إدراج موارد إضافية ضمن الميزانية العامة للبلديات.

اتهامات للدولة بالتنصل من جميع مسؤولياتها في دعم البلديات

وأكد الدريدي "أنّ هناك العديد من الصعوبات التي تعيق عمل البلديات، فلا يمكنها التصرّف في الميزانية من دون رقابة أربع مؤسسات على الرغم من ضعف هذه الميزانيات". وأضاف أنّ "الاستقلالية واللامركزية تفرضان التدبير الحرّ وتمكين البلديات من هامش للتصرف"، مضيفاً أنّ رئيس أي بلدية غير قادر اليوم على اقتناء قارورة ماء أو القيام بحفل استقبال صغير، "فعن أيّ تدبير حرّ وعن أي استقلالية نتكلم؟ فالاستقلالية لا تزال حبراً على ورق". وأشار إلى أنّ هناك "تنصّلاً للدولة من جميع مسؤولياتها في دعم البلديات، والتفاوت بين هذه الأخيرة سببه نمط التنمية الذي يعود للستينيات، وهو نمط غير عادل، وقاد إلى عدم تقسيم الثروات بطريقة عادلة".

ويعتبر مراقبون أن صعوبات التسيير والإدارة في بلديات تونس وإشكاليات الممارسة الديمقراطية داخل مجالسها تعود إلى أن التجربة الديمقراطية فتية، باعتبارها أول مجالس منتخبة منذ دستور 2014 وبتركيبة سياسية متنوعة ناتجة عن انتخابات ديمقراطية. لكن تبقى التجربة التونسية على الرغم من حداثتها وصعوباتها، نموذجاً في ممارسة الحكم المحلي وتأسيس لامركزية السلطة وتفويض التصرف والإدارة لممثلي الشعب المنتخبين بعد عقود من مركزية القرار والتسيير.

المساهمون