مرّت خمس سنوات على سيطرة فصائل سورية معارضة مدعومة من الجيش التركي على منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية من السكان في شمال غربي سورية، وكان التهجير والانتهاكات أبرز عناوين هذه السنوات التي تخللتها صدامات دامية وتفجيرات عمّقت معاناة السكان.
وكان الجانب التركي أعلن في 18 مارس/آذار 2018 السيطرة على منطقة عفرين شمال غربي حلب، بعد عملية عسكرية ضد الوحدات الكردية التي كانت تسيطر على المنطقة منذ عام 2012، وحملت العملية اسم "غصن الزيتون" وبدأت في 20 يناير/كانون الثاني 2018.
حاولت وحدات "حماية الشعب" الكردية مقاومة فصائل المعارضة الموالية لتركيا، إلا أنها اضطرت للانسحاب بعد نحو شهر من قتالٍ ضارٍ قتل فيه نحو 1500 عنصر من هذه الوحدات التي تشكل النواة الرئيسية لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان. ووثق المرصد أيضاً مقتل أكثر من 400 عنصر من الفصائل السورية الموالية لأنقرة، بينما أعلن الجيش التركي في حينه عن مقتل 46 من جنوده.
الإدارة الذاتية تتهم أنقرة بالإبادة في عفرين
وفي الذكرى الخامسة لخروج عفرين عن سيطرة الوحدات الكردية، قالت الإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية، في بيان لها أمس السبت، إن تركيا وفصائل المعارضة مستمرتان "في سياسة الإبادة ضد عفرين وشعبها من خلال الخطف والقتل الممنهج، وعمليات التتريك والتغيير الديمغرافي من خلال بناء المستوطنات وتهجير السكان الأصليين". وتصف الإدارة الذاتية الوجود التركي في عفرين بـ"الاحتلال"، متهمة أنقرة بالقيام بعمليات "إبادة وتطهير عرقي واضح المعالم"، وفق البيان.
اتهمت الإدارة الذاتية تركيا وفصائل المعارضة بمواصلة "سياسة الإبادة" ضد عفرين
من جهته، طالب "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد) وهو الذراع السياسي لـ"قسد"، مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، بـ"العمل على إنهاء الاحتلال التركي وإخراج الفصائل الموالية لها وتقديمهم للمحاكم الدولية، وتأمين عودة كريمة للسكان الكرد الأصليين وتعويض المتضررين"، وفق بيان.
وفي السياق، قال المجلس الوطني الكردي في بيان، إن "الأبناء الأصليين لعفرين من الكرد أصبحوا معرّضين للممارسات والانتهاكات اليومية بحقّهم من قبل بعض تلك الفصائل المسلحة هناك، منطلقين من الحقد القومي باستهداف المواقع الأثرية والتاريخية بهدف طمس الهوية الكردية فيها".
وأشار البيان إلى أنه تمّ "استقدام عشرات العوائل من سكّان مختلف مناطق الصراع المسلح في سورية وتسجيلهم على قيود المنطقة بهدف إحداث تغيير ديمغرافي فيها"، مؤكداً أن أهالي عفرين يتعرضون "إلى أعمال السرقة والنهب والاختطاف والابتزاز المالي، وقطع أشجار الزيتون وفرض الإتاوات الباهظة". وطالب المجلس بـ"وقف الانتهاكات المستمرة بحق أهلنا في عفرين والمناطق التابعة لها"، داعياً إلى "إخراج المجموعات المسلحة من المدن والقرى والبلدات، وتسليم إدارتها إلى سكانها الأصليين".
من جهته، قال سيهانوك ديبو وهو الرئيس المشترك لمكتب العلاقات العامة في حزب الاتحاد الديمقراطي، أبرز الأحزاب الفاعلة في شمال شرقي سورية، إن "عناوين الذكرى الخامسة لاحتلال عفرين هي التغيير الديمغرافي والقتل والاستيلاء على مقدرات المدنيين وخلق واقع سياسي وإداري جديد". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "تركيا ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تجاه عفرين وعموم المناطق السورية المحتلة من قبلها".
وأشار ديبو إلى أن "قضية عفرين وتحريرها إلى جانب باقي المناطق المحتلة كرأس العين وتل أبيض (كلاهما شرق الفرات) وجميع الأراضي المحتلة هي قضيتنا الأولى"، مؤكداً سعي حزبه إلى "تدويل هذه القضية وإيصالها إلى المحافل الدولية من خلال عشرات التقارير الدولية والحقوقية التي وثّقت جرائم الاحتلال التركي ومرتزقته في عفرين".
تواصلت الانتهاكات منذ 2018 بحق السكان المحليين من قبل مجموعات متفلتة محسوبة على فصائل المعارضة
وطالب ديبو بعودة مهجري منطقة عفرين إلى بلداتهم ومنازلهم، داعياً ما أسماه "القوى الديمقراطية والجامعة العربية" للتحرك والمطالبة بـ"تحرير جميع المناطق التي قامت تركيا باحتلالها وإدانة كل منظمة ومؤسسة عربية تشرف على تغيير ديمغرافي في المناطق الكردية".
عمليات انتقامية وانتهاكات بحق الأكراد
ودفع تقدم الفصائل المعارضة عشرات آلاف السكان الأكراد في عفرين إلى الفرار خوفاً من عمليات انتقامية بحقهم، واتجهوا إلى مناطق سيطرة "قسد" في مدينة حلب وريفها الشمالي وخصوصاً منطقة تل رفعت.
وكانت الانتهاكات بحق السكان المحليين من قبل مجموعات متفلتة محسوبة على فصائل المعارضة، والتي لا تزال مستمرة، هي العنوان الأبرز لمرحلة تمتد من عام 2018. واستولت هذه المجموعات على أرزاق وممتلكات النازحين من عفرين، كما فرضت إتاوات على من بقي من السكان، فضلاً عن عمليات اعتقال بحجة الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني بهدف الابتزاز المالي.
وتعرضت مدينة عفرين منذ عام 2018 لتفجيرات إرهابية، أبرزها تفجير وقع في إبريل/نيسان عام 2020 خلّف عشرات القتلى والمصابين بين السكان.
وشهدت منطقة عفرين صراعات دامية على النفوذ بين فصائل المعارضة السورية تكللت أواخر العام الماضي بسيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) على المدينة بعدما تقدمت قواتها من إدلب المجاورة نصرة لفصائل تدور في فلك هذه الهيئة، أبرزها فصيل "سليمان شاه" والمعروف بـ"العمشات"، وفصيل "فرقة الحمزة" والمعروف بـ"الحمزات". وانسحبت الهيئة لاحقاً من عفرين بسبب ضغط عسكري تركي، إلا أنها ما تزال تحتفظ بنفوذ في المنطقة عن طريق الفصيلين المذكورين ومجموعات أخرى.
ووصف الناشط السياسي إبراهيم مسلم، المقرب من الإدارة الذاتية، في حديث مع "العربي الجديد"، الأوضاع في عفرين بـ"المزرية"، مضيفاً أنها "خمس سنوات من الظلم والقهر بحق سكّان عفرين وكل السوريين الذين سكنوا في المنطقة بعد السيطرة عليها". وتابع: "الاحتلال خلق شرخاً كبيراً بين مكونات الشعب السوري. التغيير الديمغرافي ومخيمات الأمر الواقع والسيطرة على الأراضي والممتلكات له تبعات سلبية على العلاقة بين سكان المنطقة".
وحمّل مسلم تركيا مسؤولية الانتهاكات التي تحدث في عفرين، مضيفاً: "عفرين مأساة سورية وحكاية وجع لا تُنسى، عمّقها الزلزال الذي ضرب المنطقة الشهر الفائت وخاصة في منطقة جنديرس التابعة لعفرين".
ياسين جمول: الأتراك ما زالوا يقدّمون الاعتبارات الأمنية على كل شيء
من جهته، بيّن الباحث السياسي ياسين جمول، في حديث مع "العربي الجديد"، أن لعفرين "خصوصية من عدة جوانب داخلياً وتركياً ودولياً"، مشيراً إلى أن "الجانب التركي يضيّق على العمل السوري المدني فيها من حيث منع الجامعات التابعة لمجلس التعليم العالي في الحكومة السورية المؤقتة مثلاً من العمل فيها".
وتابع جمول: "لكل فصيل قطاع يسيطر عليه بموافقة الأتراك، والخدمات المدنية بعهدة المجالس المحلية الضعيفة، والتعليم والصحة فيها ليسا أحسن حالاً من بقية المناطق". وأشار إلى أن "الهشاشة الميدانية ظهرت مع غزوها العام الماضي من قبل هيئة تحرير الشام"، مضيفاً أن عفرين "سقطت بسرعة رهيبة، ومع نكبة الزلزال زاد العبء وانكشفت جوانب أخرى من القصور والهشاشة المدنية".
وأشار الباحث إلى أن "عفرين خزّان مهم جداً للشمال السوري كله إن أُحسن استثماره"، مضيفاً أن "نجاح هذا الاستثمار مرهون بتعاون الإخوة الأتراك الذين ما زالوا يقدّمون الاعتبارات الأمنية على كل شيء؛ ومع ذلك فالهشاشة الأمنية والعسكرية لا ينازع فيها عاقل منصف".
وتتبع مدينة عفرين العديد من البلدات الكبيرة، أبرزها: الشيخ حديد، بلبل، جنديرس، راجو، معبطلي، وشران. كما تتبع لهذه البلدات مئات القرى المتناثرة في جغرافيا تبلغ مساحتها أقل من 4 آلاف كيلومتر مربع، لتغطي نحو 2 في المائة من مساحة سورية. قبل عام 2011، كانت تضم نحو 500 ألف سوري. وتعد عفرين التابعة من الناحية الإدارية لمحافظة حلب، من التجمعات السكانية للأكراد السوريين، إلا أنها بعيدة عن التجمعات الكردية الأخرى ضمن سورية في منطقتي عين العرب والقامشلي الواقعتين شرقي نهر الفرات.
وتحاذي منطقة عفرين من الغرب محافظة إدلب، ومن الجنوب والشرق ريف حلب، ومن الشمال الأراضي التركية. وما يميّز عفرين عن بقية المناطق هي مزارع الزيتون، وتضم ملايين الأشجار يقدرها البعض بنحو 22 مليون شجرة كانت تنتج نحو 270 ألف طن من الزيتون. وتعادل مزارع الزيتون في عفرين نحو 20 في المائة من مزارع الزيتون في عموم سورية.