استمع إلى الملخص
- فايز الرجبي يوضح أن الاجتماع العشائري يعبر عن موقف العائلات، داعياً لحل الخلافات بعقلانية وحكمة، ومشيراً إلى دور السلطة الفلسطينية في تجنب إراقة الدماء.
- عباس الجنيدي يؤكد عدم شرعية القتل ويدعو للحوار بدلاً من العنف، مشيراً إلى ضغوط المشاركة في مسيرة مؤيدة للأجهزة الأمنية، ويدعو لرفع الحصار عن جنين.
أعلنت عشائر محافظة الخليل، جنوب الضفة الغربية، رفضها العلني للعملية العسكرية التي تنفذها الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مخيم جنين تحت مسمى "حماية وطن لملاحقة الخارجين عن القانون"، والتي استهدفت عملياً أفراد كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي. وجاء ذلك في بيان صدر عقب لقاء عشائري جمع عشرات العائلات الفلسطينية، مساء أمس الأربعاء، وأكد المجتمعون على رفض حصار مخيم جنين وعلى حرمة الدم الفلسطيني بعد مقتل ستة مدنيين وخمسة عناصر أمن في أحداث جنين الدائرة منذ منتصف الشهر الماضي.
ويأتي هذا اللقاء والبيان الذي صدر عنه بعدما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل نحو أسبوعين، بيانات تحمل أسماء عائلات من محافظة الخليل تعلن تأييدها للعملية الأمنية التي نفذتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مخيم جنين. كما يأتي بعد تصريح منسق شؤون العشائر في الضفة الغربية (التابعة للرئاسة الفلسطينية)، إياد العملة، الذي أكد دعم الحملة العسكرية وقال إنها تستهدف "جماعات حماس والجهاد الإسلامي والإخوان المسلمين"، الذين وصفهم بأنهم "أخطر من العدو الإسرائيلي". كما شاركت شخصيات عشائرية في مسيرة دعت إليها حركة فتح في الرابع والعشرين من الشهر الماضي لإظهار الدعم للأجهزة الأمنية.
وقال فايز الرجبي، وهو أحد وجهاء عشائر الخليل، إن تلك المواقف "دفعت العائلات للاجتماع علناً وعدم التستر وراء بيانات غير معلومة المصدر لإصدار موقف واضح حيال أحداث جنين"، وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "من يؤيد العملية الأمنية في جنين لا يمثل العشائر بشكل عام، ويجب التوضيح أن هناك شخصيات عشائرية محسوبة على السلطة. أما اجتماعنا اليوم، فهو غير مؤطر ولا تنظيمي، ويحاول البعض تصويره وكأنه مرتبط بحزب التحرير، حتى لو كان هناك حضور لأشخاص من الحزب، فقد حضروا بصفتهم العائلية وليس الحزبية". وتابع الرجبي: "أكثر من ألف شخص حضروا ممثلين عن عائلاتهم من مختلف مناطق المحافظة، ولو أردنا لحضر عشرات الآلاف، لأن الاجتماع يمثل جميع شرائح محافظة الخليل من عشائر ورجال إصلاح وشخصيات مؤثرة".
وأضاف الرجبي، الذي استقبل ديوانه اجتماع العشائر: "نتعامل مع أحداث جنين على أن الطرفين فيها أبناؤنا، ولذا علينا حلّ الخلاف وفق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون الاصطفاف مع أي طرف، وهذه مهمّتنا كوننا رجال إصلاح"، مشيراً إلى أنه على الأجهزة الأمنية التصرف بعقلانية وحكمة، والتعامل مع الجميع باعتبارهم أبناء الشعب، سواء كانوا من أفراد الأجهزة الأمنية أو سكان المخيم وأفراد الكتيبة.
ولفت الرجبي إلى أن السلطة الفلسطينية هي الجهة الأقدر على حلّ الإشكالية، ولذا عليها اتخاذ قرارات تجنّب الشعب المزيد من إراقة الدماء، وعليها التركيز على ملاحقة من يروعون الناس ويعتدون على الممتلكات ويفرضون الإتاوات، لأن ما يحدث في جنين أمر غير مقبول "فلا يجوز للكتيبة أن تهدر دم الأجهزة الأمنية، ولا للأجهزة أن تهدر دم الكتيبة". وقال الرجبي إن "التذرّع بأن ملاحقة الكتيبة بوصف أفرادها خارجين عن القانون هو ادعاء فضفاض مثل ادعاء محاربة الإرهاب، لذا الأصل أن توضع الأمور في سياقها"، لافتاً إلى أنهم أرسلوا البيان للأجهزة الأمنية عبر وسطاء مقربين منهم، وشدّدوا على أنه يمثل العائلات الحاضرة و"تم توثيق ذلك بالصوت والصورة".
وجاء في بيان العشائر: "نرفض أي تفويض أو ما يفهم منه أننا نقر للسلطة أو نوافقها على ما تقوم به في مخيم جنين، وننكر على من يحرض على القتل. وإن أفراد الأجهزة الأمنية هم أبناؤنا ويعز علينا أن يزجوا في صراع مع إخوتهم، فالواجب هو توحيد الصفوف ضد الاحتلال. كما ننكر على السلطة حصارها الظالم لمخيم جنين، لأن ما يحصل يقود إلى فتنة ستأكل الأخضر واليابس وتؤسس لثارات ودماء وحرب أهلية لا تخدم إلا مخطط المحتل". ولفت البيان الذي حمل توقيع "وجهاء وممثلي عائلات محافظة الخليل" إلى أن أيّ بيان مزوّر ومجهول المصدر صدر باسم وجهاء الخليل من قبل لا يمثلهم.
وبعد انتهاء الاجتماع بدأت صفحات تتبنى مواقف الأجهزة الأمنية، مثل قناتي "نسر فلسطين" و"الخليل الحدث" على تليغرام وصفحة "الخليل العاصفة" على فيسبوك، بالنشر عبر منصات التواصل الاجتماعي بيانات متشابهة في الصياغة والمحتوى وموقعة بأسماء عائلات من مدن وقرى محافظة الخليل، تعلن رفضها لبيان وجهاء عائلات الخليل وتؤكد أنه لا يمثل إلا نفسه.
وقال عباس الجنيدي، وهو أحد وجهاء عشائر الخليل، الذي تلى بيان العشائر: "في السابق تمّ تزوير مواقف العديد من عشائر الخليل، حيث أشيع أن أهالي الخليل منحوا شرعية للقتل الذي يحدث في مخيم جنين. هذا تزوير واضح للموقف العشائري، ولم يحدث أبدًا، ولذا جاء اجتماع اليوم لتوضيح الحقيقة للناس، وليُظهر الموقف الحقيقي لعشائر الخليل عبر بيان مصور في مكان محدد، تظهر فيه شخصيات معروفة وشخصيات من مجالس العائلات، وليس من خلال بيانات مجهولة المصدر موقعة بأسماء كيانات غير موجودة".
وحول ادعاء بعض الشخصيات العشائرية دعم الأجهزة الأمنية في أحداث جنين، أوضح الجنيدي لـ"العربي الجديد"، أن "أهالي الخليل لم ولن يفوضوا أحدًا لمنح شرعية للقتل، لأن الدم الفلسطيني محرم، وقطرة دم المسلم يجب ألا تسيل"، وأضاف: "وجهنا نداءً بأن الأجهزة الأمنية لا يجوز أن تُزَجّ في المواقف السياسية، وأن القضايا تُحلّ بالنقاش والتفاوض، خصوصاً ونحن تحت الاحتلال، ما يستوجب أن نكون في صف واحد، لأن رفع السلاح بين الفلسطينيين أمر مرفوض وخط أحمر". وتساءل الجنيدي عن مقولة إن عملية جنين تستهدف الخارجين عن القانون: "أي سيادة قانونية ونحن نعيش تحت الاحتلال ولا نملك دولة حقيقية. الاحتلال عندما يهاجمنا لا يفرق بين أحد، ولذا ناشدنا السلطة الفلسطينية أن تكون لغة الحوار هي الأساس، وليس عبر قطع الماء والكهرباء أو الدواء عن أهل مخيم جنين".
وأوضح الجنيدي أن المشاركة في مسيرة حركة فتح الشعبية المؤيدة للأجهزة الأمنية "كانت تحت ضغوط مباشرة؛ حيث أصدرت وزارة التربية والتعليم تعليمات بإنهاء الدوام الساعة العاشرة صباحاً وألزمت المعلمين بحضور المسيرة بناءً على تعليمات من محافظ الخليل والأجهزة الأمنية. حتى أن بعض البلديات فرضت اقتطاعات على رواتب من لم يشاركوا من العاملين فيها، خلافاً للاجتماع العشائري الواسع الذي حضره ممثلون عن جميع عائلات المحافظة". ولفت الجنيدي إلى أن السلطة الفلسطينية حاولت منع إجراء اللقاء عبر رسائل تهديدية لبعض المشاركين فيه، غير أن اللقاء تمّ بمشاركة واسعة من قبل شخصيات معروفة الأسماء وظهروا في بيان مصوّر، أما البيانات التي خالفت الاجتماع، فلم يظهر فيها اسم أي شخص ولم تصدر عن لقاء معلن.
وأشار الجنيدي إلى أن جميع الفلسطينيين لديهم انتماءات، ومن حضروا الاجتماع كانوا بصفتهم العشائرية والعائلية وليس بناءً على أجندات سياسية أو تنظيمية، وكان اللقاء مصوراً ومرفقاً ببيان وافق عليه الجميع، وعلى ما يبدو أنه لم يرق للبعض، مؤكداً أن المطلوب اليوم هو "رفع قيادة السلطة الحصار عن جنين، وأن تنهي العملية العسكرية وأن تفتح باب الحوار عبر جلسات هادئة".