احتل الموضوع السوري حيزاً واسعاً من لقاء مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدكتور عزمي بشارة على شبكة التلفزيون العربي، مساء الثلاثاء، حيث اعتبر أن النظام السوري اتخذ شعبه رهينة، وأن حل الأزمة السورية يبدأ بإرغام هذا النظام على تقديم تنازلات. وفي حين رأى بشارة أن المعارضة المصرية مطالَبة بمراجعة نفسها وألا تبقى أسيرة الانقلاب العسكري، فإنه لاحظ كيف أن القضية الفلسطينية لم تعد مسألة مركزية في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة (في مارس/آذار)، التي ستكون صراعاً على شخص بنيامين نتنياهو، بين يمين ويمين آخر. أما جزائرياً، فقد أشار بشارة إلى أن تغيرات وإصلاحات عديدة جرت بالفعل، واصفاً ذلك بـ"الإنجاز قياساً مع كيفية تعاطي الأنظمة العربية مع المواطنين"، في حين رفض اعتبار التقسيم حلاً في اليمن، وأعرب عن خشيته من أن تتحول ليبيا إلى بلد المحاصصات على حساب المواطنة.
سورية
وخلال لقاء تفاعلي خُصص لأسئلة المشاهدين، أشار بشارة في السياق السوري، إلى أن العقوبات المفروضة حالياً "من جهة تضرّ بالشعب، ومن جهة ثانية فإن رفعها يفيد النظام الذي اتخذ شعبه رهينة"، مشدداً على أنه "للمرة الأولى في سورية منذ الحرب العالمية الأولى، هناك مجاعة حقيقية والنظام لم تعد لديه أية مصادر اقتصادية". ورأى أنه لا بد من حد أدنى من التفاهمات بين القوى الدولية الأربع (أميركا وروسيا وإيران وتركيا) حول سورية، لافتاً إلى أن الأزمة لا تكمن في طرح الحلول السورية، بل "في إرغام النظام من قبل المجتمع الدولي على الالتزام بالحلول وتقديم التنازلات وهو ما لا يفعله حالياً".
الحل السوري يبدأ بإرغام النظام من قبل المجتمع الدولي على تقديم تنازلات
ونالت "المعارضات" السورية حيزاً من التحليل النقدي لبشارة، إذا اعتبر أنها "إما أسيرة لإضاعة الوقت بدل أن تنظم نفسها، أو أنها صارت تابعة لداعميها"، تركيا خصوصاً. وأسف إلى واقع أنه "بعد الثورة السورية، صرنا نجد صعوبة في العمل المؤسسي بين السوريين، وهذا من دون الحديث عن الفصائل المسلحة حيث الكوارث الكبرى".
مصر
أما حول مصر، فقد أشار مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أن "مشكلة المعارضة هناك تكمن في أنها لا تزال أسيرة الانقلاب العسكري" (2013)، بينما المطلوب من فئتَي المعارضين مراجعة أنفسهم، "الإسلاميون والمعارضون الذين كانوا جزءاً من الثورة المضادة".
المشكلة الرئيسية للمعارضة المصرية هي أنها ظلت أسيرة الانقلاب
وبينما جدد بشارة وصف النظام المصري بأنه "ديكتاتوري سلطوي عسكري من الدرجة الأولى"، فإنه اعترف بأنه "لم يتم بذل جهد كافٍ لفهم طبيعة النظام وقواه الاجتماعية وأدواره الاقتصادية"، مرجحاً أن يستمر النظام لفترة غير قصيرة.
فلسطين
فلسطينياً، ذكّر بشارة بمواقفه التي لا تولي الانتخابات الفلسطينية أهمية كبرى، ذلك أن "الانتخابات تحت ظل الاحتلال هي الخديعة الكبرى لاتفاقات أوسلو التي أعطت الشعب الفلسطيني سلطة لتتنافس عليها القوى قبل الوصول إلى الدولة". أما الادعاء بأن الانتخابات ستؤدي إلى مصالحة، فهو برأي بشارة "كلام غير صحيح لأن الانقسام أصلاً وُلد بسبب الانتخابات" (2006). وتساءل بشارة: هل تقبل حركة فتح أن تتسلم حركة حماس السلطة في حال فازت بالانتخابات مثلاً؟ أو العكس بالعكس، ليخلص إلى أنه "إذا لم يحصل اتفاق على دمج المؤسسات في غزة والضفة، وإذا لم يتحقق اتفاق على المشروع السياسي، وإشراك للفلسطينيين في كل العالم خارج الضفة وغزة بصناعة القرار، فلا أمل بمصالحةٍ" ستبقى مجرد "اتفاقيات فوقية وبيانات واجتماعات لن تؤثر على الأرض بأي شيء"، على حد تعبيره.
الانتخابات الإسرائيلية
ورداً على سؤال حول الانتخابات الإسرائيلية المقررة الشهر المقبل، ذكّر بشارة بأن القضية الفلسطينية لم تعد قضية مركزية في هذا الاستحقاق، بل أصبح الصراع "على شخص نتنياهو أولاً وعلى هوية الدولة" (بين العلمانيين والمتدينين...). وتوقع أن يكون الاستيطان جزءاً من سجال الانتخابات في حال عاد الانخراط الأميركي في الصراع. وأعرب بشارة عن أسفه إلى انشقاق القائمة المشتركة بين خيار التحالف مع اليسار الصهيوني، أو مع اليمين الصهيوني.
اليمن
وعن سؤال حول سبب إصرار الرئيس جو بايدن على إنهاء الحرب في اليمن، أجاب بشارة بأن الجو العالمي لم يعد معنياً باستمرار الحرب والكارثة اليومية هناك، وتمسك برأيه الذي يفيد بأن اليمن قد يكون جزءاً من تحرك في العلاقة بين أميركا وإيران، متوقفاً عند إدراك معظم القوى اليمنية بـ"أننا مقبلون على حوار، وبالتالي كل طرف معني بزيادة قوته قبل بدء التفاوض"، وهو ما يعتبر بشارة أن الحوثيين استغلوه للتصعيد ضد السعودية وفي معركة مأرب.
التقسيم ليس حلاً لمشاكل اليمن... وكل طرف يريد جمع عناصر قوة قبل بدء المفاوضات
ورداً على سؤال، جزم بشارة بأن الانفصال، لو حصل في اليمن، فإنه لن يتوقف في الجنوب، بالتالي لا يمكن أن يكون التقسيم حلاً لهذا البلد، مكرراً رأيه بأن الحل الوحيد يكمن في "التفاهم على بنية الدولة اليمنية بحيث تأخذ المحافظات الجنوبية حقها مع تعويضها عن الظلم الذي تعرضت له في الماضي".
ليبيا
وعن التطورات الليبية الأخيرة وانتخاب سلطة تنفيذية جديدة، لفت بشارة إلى أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر لا يزال قادراً على تخريب أي تفاهمات، وأبدى قلقه من أن المفاوضات "اتخذت منطقاً تقاسمياً إقليمياً". واستدرك بأن الطرف المنتخب في جنيف (قائمتا محمد المنفي وعبد الحميد الدبيبة) يحظى باعتراف دولي لكن ليست له قواعد شعبية ولا فصائل مسلحة فعلية. وتساءل عما إذا كانت ليبيا ستصبح "دولة محاصصات لا تضمن مستقبل ليبيا ما لم يتم الاتفاق على الانتماء وفق المواطَنَة مع تمثيل الانتماءات الأخرى (الطوائف والمناطق والقبائل) شرط أن تكون المواطنة هي الأساسية في التمثيل".
#مباشر | #حديث_خاص مع المفكر العربي د. #عزمي_بشارة حول ملفات #سوريا و #ليبيا و #اليمن والانتخابات الفلسطينية المقبلة @AzmiBishara @arab_aarab https://t.co/hL0hIWWpzk
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 16, 2021
تحققت إنجازات حقيقية في الجزائر والتظاهرات لا يمكنها إسقاط الجيش
الجزائر
ومن وحي ذكرى الحراك الجزائري، بدا بشارة واثقاً بأن الشعب الجزائري "قدم مثالاً ممتازاً استفاد خلاله من تجاربه السابقة". وبرأيه، فإن النظام الجزائري (الجيش والقوى الفاعلة) "تفاعل بقدر ما تسمح له عقليته في الحكم مع الحراك وقد أدى ذلك بالفعل إلى تنحي الرئيس (عبد العزيز بوتفليقة) وإطاحة رموز حكمه ومحاكمتهم وحصول إصلاحات ومؤتمر وطني وانتخابات كانت نزيهة بالفعل من دون سقوط قتيل واحد". لكنه نبّه إلى أن "التظاهرات لن تُسقط الجيش في الجزائر، وشعار إسقاط كل شيء لن يؤدي إلى تحقيق أي شيء". وأوضح بشارة أن "الجزائر لم تصبح دولة ديمقراطية ليبرالية فهذا يحتاج وقتاً طويلاً، إلا أن إنجازات حصلت يمكن البناء عليها".