عرض المغرب للمصالحة مع الجزائر: فرصة جديدة لدفن الخلافات

02 اغسطس 2021
لم يحدث أي اختراق في ملف نزاع الصحراء (Getty)
+ الخط -

ألقى خطاب العاهل المغربي، الملك محمد السادس، ليل السبت الماضي، لمناسبة الذكرى الـ22 لجلوسه على العرش، مجدداً، الحجر في مياه العلاقات المغربية - الجزائرية الراكدة منذ عام 1994، بعد دعوته الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إلى "العمل سوياً، في أقرب وقت يراه مناسباً، على تطوير العلاقات الأخوية، التي بناها الشعبان، عبر سنوات من الكفاح المشترك"، باعتبار البلدين "أكثر من دولتين جارتين، إنهما توأمان متكاملان".
وفي حمأة التوتر الذي تعيشه العلاقات بين الرباط والجزائر منذ أسابيع، وكان آخر فصوله استدعاء الجزائر سفيرها في الرباط كردّ على دعوة السفير المغربي في الأمم المتحدة عمر هلال، خلال اجتماع مجموعة دول عدم الانحياز في 13 و14 يوليو/تموز الماضي، إلى "استقلال شعب القبائل"، بعد إعلان وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، دعم حق تقرير مصير سكان الصحراء، يبرز عرض المصالحة الذي أعلن عنه العاهل المغربي في دلالته السياسية، كمحاولة جديدة لمد اليد إلى الجارة الشرقية لدفن ماضي الخلافات الثنائية، بالتزامن مع ما تعيشه علاقات البلدين من أجواء متوترة تتسم بالشكوك المتبادلة.

ليست المرة الأولى التي يوجه فيها العاهل المغربي دعوة إلى الجزائر لطي صفحة الخلافات الثنائية

ويبدو لافتاً، حرص محمد السادس، في خطاب العرش، على تبديد سوء الفهم الكبير بين البلدين الجارين، من خلال رسائل طمأنة إلى القادة الجزائريين، بالتأكيد "أن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبداً من المغرب، كما لن يأتيكم منه أي خطر أو تهديد، لأن ما يمسّكم يمسّنا، وما يصيبكم يضرنا"، وكذلك من خلال الاستثمار والبناء على الرصيد التاريخي للعلاقات المغربية ــ الجزائرية. غير أنه في ظل غياب مؤشرات تحول جوهري في الثوابت التي تحكم العلاقات بين الرباط والجزائر حتى الآن، تطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى توفر شروط الحوار، وإمكانية توجه البلدين نحو دفن ماضي خلافاتهما؟ 
يشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي يوجه فيها العاهل المغربي دعوة إلى الجزائر من أجل طي صفحة الخلافات الثنائية، بل سبقتها دعوات في خطابات ومناسبات سابقة. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، دعا محمد السادس، في خطاب متلفز لمناسبة المسيرة الخضراء، الجزائر إلى حوار "مباشر وصريح" من أجل "تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين". ووصف وضع هذه العلاقات بأنها "غير طبيعية وغير مقبولة"، مقترحاً "آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور" مهمتها "الانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة، بكل صراحة وموضوعية، وصدق وحسن نية، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناءات". كما سبق له أن دعا إلى فتح الحدود البرية المغلقة بين الدولتين منذ 1994، على خلفية تفجيرات فندق "أطلس أسني" في مراكش. ووجه وقتها المغرب اتهامات للجزائر بالوقوف وراء التفجير الإرهابي. وجدد محمد السادس، في يوليو 2019، دعوته للحوار مع الجزائر في الذكرى العشرين لتوليه العرش. كما لم تؤدّ دعوته، التي تضمنتها برقية التهنئة التي وجهها إلى الرئيس الجزائري في 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى "فتح صفحة جديدة" في العلاقات بين البلدين وطي صفحة الخلافات، إلى تحسّن العلاقات بينهما.

ويرى مراقبون أن دعوة المغرب إلى الحوار المباشر مع الجزائر، التي تأتي في سياق ساخن يتعلق بمستجدات نزاع الصحراء، عبارة عن رسالة حسن نية ومحاولة لمد العلاقة الدبلوماسية بين البلدين بروح جديدة، لعلها تتجاوز الوضع القابل للانفجار، الذي وصلت إليه خلال الأشهر الماضية، من خلال العمل على تجسيد فكرة ومقترح الملك "اليد الممدودة" تجاه الجزائر، ثم مطلب إعادة فتح الحدود البرية، الذي كانت الرباط قد تقدمت به بشكل رسمي منذ سنوات. ويرون أن مآل العرض المغربي الجديد قد يلقى ذات مصير مبادرة العاهل في نوفمبر 2018 بشأن إحداث "آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور"، جراء عدم حدوث أي اختراق في ملف نزاع الصحراء، مشيرين إلى أن أكبر تحدٍ لعرض المصالحة الجديد يبقى القدرة على الفصل بين مسارات الصحراء وعلاقات الرباط والجزائر.

عادل بنحمزة: المغرب يدير علاقاته مع الجزائر بمنطق قدر الجغرافيا

وعرفت العلاقات المغربية الجزائرية مطبّات كثيرة منذ عقود، بدءاً بحرب الرمال في ستينيات القرن الماضي، مروراً بتأسيس جبهة "البوليساريو". وفي الوقت الذي تحسنت فيه العلاقات الثنائية بين البلدين في عهد الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد، في ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن حادثة تفجير "أطلس أسني" جمّدت العلاقات بين البلدين منذ يناير/كانون الثاني 1995، بعد اتهام الرباط للجزائر بالتورط في التفجير، فيما ردت الأخيرة حينها بإغلاق الحدود البرية التي لا تزال مغلقة حتى اليوم.
وخلال السنوات الماضية، لا تكاد العلاقات الجزائرية المغربية تتلمس طريقاً لحل الخلافات بينهما حتى تعيد التصريحات السياسية الأزمة إلى نقطة الصفر. ويشكل ملف الصحراء أبرز القضايا الخلافية بينهما، إذ تتهم الرباط الجزائر بتقديم الدعم إلى "البوليساريو"، فيما تعتبر الجزائر القضية مسألة أممية. وعلى امتداد الأشهر الماضية، أدخلت التصريحات السياسية العلاقات بين البلدين مرحلة الأزمة، على خلفية موقف الجزائر من فتح دول أفريقية قنصليات لها في العيون والداخلة، أكبر مدن الصحراء، ومن تأمين الجيش المغربي لمعبر الكركرات الحدودي الفاصل بين المغرب وموريتانيا، وكذلك توقيع المغرب للاتفاق الثلاثي مع أميركا وإسرائيل، الذي تم بموجبه إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء واستئناف العلاقات بين الرباط وتل أبيب.
ووفق المحلل السياسي، عادل بنحمزة، فإن المغرب كان ولا يزال، يدير علاقاته مع الجارة الشرقية بمنطق "قدر الجغرافيا، فلا الجزائر ستغير موقعها ولا المغرب سيفعل ذلك. هذا هو قدرنا". ويلفت إلى أن "المغرب يحرص دائماً على توجيه رسائل هي، في الحقيقة، للشعب الجزائري ونخبه المتنورة التي يمكن أن تقود بلادها في المستقبل. الرسالة السياسية هي أنه ليس للمغرب موقف عدائي من الجزائر، وأن المغرب يؤمن بالمستقبل". ويضيف بنحمزة، في حديث مع "العربي الجديد": "مرة أخرى يختار الملك محمد السادس مناسبة عيد العرش لكي يوجه رسالة ودية للجزائر، تحمل البلدين على الاتجاه الجماعي نحو المستقبل في عالم لا يؤمن سوى بالتكتلات والتعاون، مقابل منطق التجزئة والحدود المغلقة لعقود طويلة". ويعتبر أنه "أمام الحدود المغلقة بين البلدين منذ فترة طويلة، وفي ظل سباق تسلح غير مسبوق تغذيه أطراف خارجية، يصبح تغيير زاوية النظر إلى طبيعة الصراع بين الجارتين، مطلباً ضرورياً لفهم اتجاهاته المستقبلية".

بوبكر أونغير: استجابة الجزائر للدعوة المغربية ستمكنهما من تطوير تعاونهما على جميع الأصعدة

من جهته، يرى الباحث في العلاقات الدولية بوبكر أونغير، أن دعوة العاهل المغربي الجزائر إلى بدء حوار جاد ومسؤول، "تعبير عن انتصار إرادة العقل لدى القيادة المغربية، وانزياح لروح التعاون والتكامل والأخوة بين شعبين شقيقين، يجمع بينهما المصير والمسار المشترك". ويلفت إلى أن "الدعوة المغربية غير المشروطة تكشف عن إرادة صريحة لبدء حوار فعلي بين الجارين، وأن الكرة الآن بيد حكام المرادية (المقر الرئاسي الجزائري)". ويعتبر أونغير، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن استجابة الجانب الجزائري للدعوة المغربية ستكون بداية لانطلاق سياسة دبلوماسية ذات آفاق مستقبلية بعيدة المنال بالنسبة للشعبين، كما ستمكّن المغرب والجزائر من تطوير تعاونهما على جميع الأصعدة، مبدياً خشيته من أن تعمل الجهات الدولية والمحلية المستفيدة من واقع الفرقة والتشتت على الحيلولة دون تطبيع البلدين علاقاتهما.

المساهمون