عبد المنعم أبوالفتوح... الظلم مجسداً في حكم قضائي واحد

01 يونيو 2022
تعرض أبو الفتوح لأزمات صحية عديدة في السجن (خالد كامل/فرانس برس)
+ الخط -

تضاربت التكهنات في مصر حول مصير المرشح السابق لرئاسة الجمهورية عبد المنعم أبو الفتوح، بعد الحكم عليه أخيراً بالسجن المشدد لمدة 15 سنة. فبينما يتوقع بعض المراقبين أن يكون الحكم مقدمة لصدور عفو رئاسي عنه، استبعدت مصادر خاصة تحدثت لـ"العربي الجديد" حدوث ذلك في الوقت الحالي، نظراً لأن ملف الرجل مصنف ضمن ملفات "الأمن الوطني"، وهو مدرج في قوائم جماعة الإخوان المسلمين.

ولفتت المصادر إلى أن "إدراج أبو الفتوح في القضية رقم 440 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا، مع الأمين العام للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان إبراهيم منير، والقائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان محمود عزت إبراهيم، وغيرهما من قيادات الجماعة، يؤكد نظرة الأمن إلى أبو الفتوح على أنه إخواني".

وتابعت: "وبالتالي، فإن احتمال الإفراج عنه، يبقى ورقة في يد النظام لاستخدامها في أي صفقات محتملة في المستقبل، سواء كانت مع جبهات المعارضة الداخلية، أو مع جهات دولية خارجية".

في المقابل، قالت مصادر حقوقية قريبة من "لجنة العفو الرئاسي"، إنها لا تستبعد أن يصدر عفو رئاسي عن أبو الفتوح، بعد الحكم عليه بالسجن المشدد 15 عاماً، وتأكيد النظام على "تجريم المعارضة".

الحكم على أبو الفتوح الصادر عن دائرة "أمن الدولة العليا طوارئ" بمحكمة جنايات القاهرة، غير قابل للطعن

اتهامات غير منطقية لعبد المنعم أبو الفتوح

وأكدت المصادر أن قائمة التهم الطويلة التي أدين بها أبو الفتوح "غير منطقية، وتتنافى مع الواقع، إذ إنه من المستحيل إثبات أن الرجل قام بقيادة جماعة إرهابية تهدف إلى استخدام القوة والعنف والتهديد والترويع في الداخل بغرض الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع ومصالحه وأمنه للخطر، وإيذاء الأفراد وإلقاء الرعب بينهم وتعريض حياتهم وحرياتهم وحقوقهم العامة والخاصة وأمنهم للخطر".

وتابعت: "كذلك الحال بالنسبة لتهم الإضرار بالسلم الاجتماعي والأمن القومي، ومنع وعرقلة السلطات العامة ومصالح الحكومة من القيام بعملها، وتعطيل تطبيق أحكام الدستور والقوانين واللوائح. إضافة إلى تهم تغيير نظام الحكم بالقوة، وتنفيذ عمليات عدائية ضد القضاة وأفراد القوات المسلحة والشرطة وقياداتها ومنشآتها، والمنشآت العامة، بغرض إسقاط الدولة والإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر".

وقالت المصادر إن الحكم على أبو الفتوح والمتهمين الآخرين الصادر عن دائرة "أمن الدولة العليا طوارئ" بمحكمة جنايات القاهرة، غير قابل للطعن، وينتظر إما تصديق رئيس الجمهورية عليه، أو إعادته للمحاكمة.

وأكدت المصادر أن "أغلب أحكام دائرة أمن الدولة العليا طوارئ، تستند إلى التحريات التي يقدمها الأمن الوطني، وهي عادة ما تكون مجافية للحقيقة".

وأشارت المصادر إلى أنه "من المفترض أن تقوم النيابة العامة بدورها في التحقيق بالاتهامات المنسوبة إلى المتهمين، لكن المعروف أن نيابة أمن الدولة العليا، تأخذ تحريات الأمن الوطني على أنها مسلمات غير قابلة للنقض، ولذلك، فإنها تحيل القضية إلى المحكمة بلائحة اتهام منقولة نصاً من تحريات الأمن الوطني".

واعتبرت المصادر أن ذلك "كارثة بحد ذاتها، إذ إن النيابة بذلك تكون قد أهملت الدور المنوط بها قانونياً في التحقيق والتأكد من سلامة تحريات جهاز الأمن الوطني".

الحكم بحق أبو الفتوح جاء عقاباً له لمعارضته لسياسات النظام

وأضافت المصادر أن "الأخطر من ذلك، هو أن المحكمة نفسها تهدر حق المتهمين، وتحكم بناء على تحريات جهاز الأمن الوطني، ويصل بها الأمر إلى أنها تصدر حيثيات الحكم على المتهمين بناء على تلك التحريات، من دون تحقيق، فمن غير المعقول بأي حال من الأحوال أن تكون حيثيات الحكم منقولة نصاً من تحريات الأمن الوطني".

وقالت المصادر إنه "طالما أن حكم المحكمة يصدر بناء على تحريات الأمن الوطني، فإن إجراءات التقاضي المنصوص عليها في القانون والدستور تصبح بلا قيمة، وتتحول النيابة العامة والقضاء إلى مجرد قنوات لتمرير أحكام الأجهزة الأمنية على المعارضين السياسيين، وتكون مجرد وسيلة لعقاب المعارضين والتنكيل بهم".

وأكدت أن "هذا ما حدث مع عبد المنعم أبو الفتوح، إذ إن الحكم عليه بـ15 سنة، جاء عقاباً له لمعارضته لسياسات النظام ليس أكثر من ذلك".

تنكيل بعبد المنعم أبو الفتوح لمعارضته النظام المصري

وقالت المصادر إن ما يتعرض له أبو الفتوح، منذ إلقاء القبض عليه في فبراير/شباط 2018، مع 5 من مساعديه من حزب "مصر القوية" الذي أنشأه إثر انشقاقه عن جماعة الإخوان المسلمين، يأتي في إطار معاقبته على سفره إلى لندن وإجرائه مقابلات تلفزيونية، انتقد فيها حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، ودعا لمقاطعة الانتخابات التي جرت في مارس/آذار 2018 والتي فاز بها السيسي من دون منافسة.

وأشارت المصادر إلى أنه "بعد الحجز على أملاك أبو الفتوح، قرر النائب العام حمادة الصاوي في 20 يونيو/حزيران 2021، تمديد اعتقاله بتهمة نشر أخبار كاذبة من شأنها الضرر بسمعة البلاد، وذلك لأنه شكك في مصداقية الانتخابات الرئاسية التي كان يتم التحضير لها آنذاك، منادياً بمقاطعتها".

ومنذ اعتقاله، واصلت السلطات حبس السياسي المصري في زنزانة انفرادية، ولم تستجب لمطالب أسرته ومحاميه بالإفراج عنه على الرغم من تعرضه لأزمات صحية عديدة.

واصلت السلطات حبس أبو الفتوح في زنزانة انفرادية منذ اعتقاله

وكانت أسرة أبو الفتوح قد استنكرت ودانت بشدة في بيان في إبريل/نيسان الماضي ما قالت إنه "الاعتداء الهمجي الذي تعرض له في محبسه (من قبل ضباط) بسجن مزرعة طرة في 23 مارس/آذار الماضي"، وحمّلت النظام الحالي "المسؤولية الكاملة عن حياته وسلامته الجسدية والنفسية".

كما حمّلت وزير الداخلية محمود توفيق، ومساعد وزير الداخلية لقطاع مصلحة السجون ومأمور سجن المزرعة المسؤولية المباشرة عن ذلك.

وقالت الأسرة وقتها إن "آخر رسالة استلمتها من أبو الفتوح كانت في 21 مارس الماضي، بعدها، منعت إدارة السجن أي رسائل منه إلى أسرته. وقد ظلّت الأسرة في حالة انقطاع تام عنه حتى زيارته في 2 إبريل الماضي".

وقالت المصادر الحقوقية إنه وفقاً لقانون تنظيم السجون، فإن المادة 43 بالفصل التاسع -الخاص بتأديب المسجونين- تنص على "الحبس الانفرادي لمدة لا تزيد على 30 يوماً، ووضع المحكوم عليه بغرفة شديدة الحراسة لمدة لا تزيد على 6 أشهر، في حين أنه لا يجوز نقل المحكوم عليه من السجن إلى تلك الغرفة إلا إذا كان عمره لا يقل عن 18 سنة، ولا يجاوز الـ60 سنة".

وتابعت: "لكن أبو الفتوح، الذي تجاوز الـ70 من عمره، ظل محبوساً لمدة فاقت المنصوص عليها في القانون والمحددة بعامين (في الاتهام الذي تكون عقوبته السجن المؤبد أو الإعدام)، وكل ذلك لا لسبب إلا الرغبة في التنكيل به لمعارضته النظام".

وأضافت المصادر أن "التنكيل بأبو الفتوح، طاول أسرته أيضاً؛ إذ تمت إضافة نجله إلى ذات القضية المتعلقة بالانضمام لجماعة إرهابية، بالإضافة لإدراجه في قوائم الإرهاب في فبراير/شباط 2018، وهو ما يمنعه من ممارسة الحقوق السياسية، وإجراء تعاملات البيع والشراء واستخراج جواز سفر، فضلاً عن التحفظ على رصيده البنكي وتجميد الأصول المملوكة له، وكل ذلك من دون أن يرتكب أي جريمة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

عفو رئاسي عن عبد المنعم أبو الفتوح؟

واعتبرت المصادر أنه "بعد تجريم معارضة النظام والحكم على أبو الفتوح، يمكن أن يستخدم النظام ورقة العفو لتقليل سقف المعارضة المقبلة في إطار الدخول في حوار سياسي مع النظام، إلى حد الحصول فقط على بعض قرارات العفو، من دون التوسع في المطالب الديمقراطية والسياسية الأخرى".

بدورها، قالت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، إن "المعروف أن قوائم العفو الرئاسي التي تصدر للإفراج عن معتقلين، عادة ما تكتب بواسطة جهاز الأمن الوطني، وهو صاحب القرار فيها، والمعروف أيضاً أن أبو الفتوح مصنف أمنياً ضمن قيادات الإخوان المسلمين، ولذلك من الصعب إدراجه في قوائم العفو".

وتابعت: "لكن إذا حدث وحصل أبو الفتوح على عفو رئاسي من الرئيس شخصياً وبشكل مباشر بعيداً عن الأمن الوطني، كما حدث أخيراً مع الصحافي حسام مؤنس، بوساطة من حمدين صباحي، كخطوة من الرئيس لإثبات قربه من المعارضة، فإن ذلك قد يفجر صراعات داخل أجهزة النظام نفسه. ولكن إذا لم يصدر عفو في الوقت الحالي، فسيكون ذلك دليلاً على انتصار الجناح المتشدد داخل النظام".

عدم العفو عن أبو الفتوح سيجعل منه ورقة مساومة في يد النظام

وأشارت المصادر إلى أن "عدم العفو عن أبو الفتوح سيجعل منه ورقة مساومة في يد النظام، يستخدمها في ما بعد إذا تصاعدت الضغوط عليه سواء من المعارضة المصرية في الداخل، أو من القوى الخارجية ولا سيما أميركا".

واعتبرت المصادر أن "مسألة العفو عن أبو الفتوح ستكون مؤشراً لاستكشاف نية النظام في التعامل مع المعارضة في المستقبل".

وقالت إنه "مع اقتراب اللقاء المقرر بين السيسي ونظيره الأميركي جو بايدن، والمتوقع أن يكون في السعودية ضمن قمة عربية أميركية متوقعة، يمكن أن يقدم النظام المصري على بعض التنازلات لصالح المعارضة لا سيما في ملف المعتقلين، وذلك لتجنب أي انتقادات مباشرة من قبل بايدن للسيسي في ملف حقوق الإنسان".

ولطالما تحدثت الإدارة الأميركية عن الملف الحقوقي في مصر في أكثر من مناسبة، مع العلم أنه قد يكون ذلك مستبعداً في الوقت الراهن، إذ إن إدارة بايدن تحتاج للنظام المصري حالياً، ولدعمه في عدة ملفات تهم الجانب الأميركي، ومنها العلاقات مع الخليج العربي وأمن إسرائيل، وبشكل أساسي في المواجهة مع روسيا في إطار الحرب الأوكرانية، وفق المصادر.

المساهمون