عبد العالي حساني... رجل التنظيم الذي قفز إلى الواجهة

04 سبتمبر 2024
حساني بين أنصاره في العاصمة الجزائرية، 15 أغسطس 2024 (Getty)
+ الخط -

كسر المرشح للانتخابات الرئاسية الجزائرية، المقررة في السابع من سبتمبر/ أيلول الحالي، رئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني قاعدتين على الأقل بترشحه لهذا المنصب، هما خروج رجل التنظيم إلى صدارة المشهد، بينما في الغالب، وفي الأحزاب الإسلامية خصوصاً، يليق بهذا النوع العمل بعيداً عن الضوء، وقاعدة التناسب، إذ اختار بنفسه وحكمت عليه الأقدار السياسية منافسة رئيس حالي، لأنه في لحظة ما كان يبدو هذا الرجل البالغ الهدوء أبعد ما يكون عن المناكفة السياسية.


عمل عبد العالي حساني مهندساً في ولاية المسيلة لمدة 12 عاماً

مسيرة عبد العالي حساني

ولد عبد العالي حساني في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 1966 في منطقة مقرة بولاية المسيلة، وسط البلاد، وسط أسرة ثورية متغلغلة في المقاومة الشعبية والحركة الوطنية وجمعية العلماء المسلمين، وأدى بعض أفراد عائلته، مثل جده ووالده، أدواراً مهمة في الكفاح الثوري الجزائري ضد فرنسا قبل الاستقلال في عام 1962. انتسب عبد العالي حساني في مرحلة الفتوة إلى الحركة الكشفية، التي كانت أبرز مدارس التنشئة السياسية والمدنية في الجزائر في سنوات الثمانينيات، وفي جامعة المسيلة درس الهندسة المدنية قبل الانخراط في الحركة الطلابية، وفي الدعوة والعمل السياسي. وبين عامي 1987 و1992، وهي فترة شهدت فيها الجامعة غلياناً سياسياً تزامن مع أفول التيار اليساري وانتفاضة الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول 1988، وما أعقبها من تحولات سياسية ودخول البلاد عهد التعددية الحزبية واشتداد الصراعات السياسية في الشارع كما في الجامعة، مع بروز الحركات الطلابية ومسألة التعريب. لكن عبد العالي حساني كان قد وجد في التيار الوسطي المعتدل (إخوان الجزائر)، بقيادة الراحل الشيخ محفوظ نحناح، اتجاهاً مناسباً لقناعاته السياسية التي تشكلت في تلك الفترة الساخنة، مستفيداً من الخلفية الدينية لوالده الذي كان مفتياً في منطقته.

في عام 1992، تخرّج عبد العالي حساني بشهادة مهندس دولة من الجامعة، والتحق بالعمل مهندساً لدى مديرية الأشغال العمومية بولاية المسيلة لمدة 12 عاماً. وفي الأثناء كان بصدد التدرج في الهياكل التنظيمية لحركة مجتمع السلم (كانت تسمى حركة المجتمع الإسلامي قبل 1996). في الانتخابات المحلية التي جرت في نهاية عام 2002، أصبح عبد العالي حساني عضواً في المجلس الشعبي الولائي (برلمان محلي)، حتى عام 2007. لكنه خسر في انتخابات مجلس الأمة عام 2006 (تجرى فقط بين أعضاء المجالس المحلية)، ثم نجح بعد أقل من سنة في الانتخابات النيابية عام 2007 بالفوز بمقعد في البرلمان، حيث شغل منصب نائب رئيس البرلمان. شكّل عام 2013 منعطفاً سياسياً مهماً بالنسبة لحركة مجتمع السلم، التي قطعت مع خط المشاركة والتحالف مع السلطة في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة نحو خط المعارضة بقيادة عبد الرزاق مقري، ابن المنطقة نفسها المتحدر منها حساني. قد يكون لهذا العامل الجغرافي والحركي الذي يجمع بين الرجلين دور في اختيار مقري كرجل التنظيم الداخلي للحركة، فأصبح عبد العالي حساني مسؤول التنظيم والهياكل في الحركة لعقد كامل. في الغالب إن اختيار مسؤول التنظيم خصوصاً بالنسبة للأحزاب الإسلامية مرتبط بتوفر مواصفات خاصة في "رجل التنظيم"، لجهة الرزانة والهندسة الصامتة والتفكير بصوت منخفض، وكتمان أسرار التنظيم وارتباطاته في بعده السياسي أو الحركي والمالي.


شغل حساني منصب نائب رئيس البرلمان في عام 2007

قيادة حركة مجتمع السلم

ومع أن حركة مجتمع السلم كانت قد خرجت من الشكل النمطي للأحزاب الإسلامية التي يستحكم فيها الشيخ والزعيم، وتحولت إلى حزب قائم على المؤسسات وهياكل عاملة بقدر من الاستقلالية والتخصص الوظيفي، إلا أن "رجل التنظيم" ظل على قدر من الأهمية المركزية في إدارة الشأن الحزبي وتحريك الخيوط الداخلية في أكبر الاستحقاقات التي تكون فيها الحركة معنية بخوضها. وفي الغالب فإن رجل التنظيم يبقى خارج دائرة الضوء، لكن عبد العالي حساني كسر هذه القاعدة، سواء برغبة منه أو بدفع من الجناح الذي كان يسيطر على حركة مجتمع السلم، ليترشح في المؤتمر الثامن للحركة في مارس/ آذار 2023 لرئاسة للحركة وينجح بالأغلبية، فيما تعتقد بعض القيادات المنافسة له أن موقعه كمسؤول للتنظيم ساعده على ترتيب ذلك.

كان واضحاً بالنسبة للمتابعين للشأن السياسي والحزبي في الجزائر أنه سيكون صعباً على عبد العالي حساني بحكم أنه لم يكن وجهاً بارزاً على الصعيد السياسي والإعلامي، القيام على تركة ثقيلة لأكبر الأحزاب الإسلامية والحفاظ على موقعه السياسي. وتعززت هذه المخاوف أكثر مع إعلان حركة مجتمع السلم في مايو/ أيار الماضي، ترشيح عبد العالي حساني للانتخابات الرئاسية، وبكل الحسابات عد ذلك مغامرة قد تقود الحركة إلى صدمة انتخابية. لكن أداء عبد العالي حساني ضمن مجريات الحملة الانتخابية كان مفاجئاً على صعيد الحضور السياسي والإعلامي، من خلال تجاوز وتحييد الخطاب الصدامي وتبني خطاب معارض على قدر من الاتزان واحترام الأخلاقية السياسية يضع في أولوياته الأساسية، أكثر من توصيف المشكلات نفسها، طرح وهندسة حلول لمشكلات التنمية ومعضلات الجزائر.

المساهمون