شهدت مدينة الباب في ريف حلب الشرقي، الواقعة تحت سيطرة فصائل "الجيش الوطني" المعارض المدعوم من تركيا، توترات خلال الأيام الأخيرة، نتيجة اشتباكات بين عائلات محلية، ما تسبّب بسقوط قتلى وجرحى، وسط استياء من الأهالي إزاء تواصل الفوضى الأمنية وانتشار السلاح بأيدي المدنيين واستخدامه لحل أبسط الخلافات.
قتلى باشتباكات مسلّحة في الباب السورية
وقُتل شاب وأصيب آخر برصاص طائش أول من أمس السبت، بعد مناوشات بالأسلحة في مدينة الباب بين مسلحين من عائلتي آل النجار وآل قديراني. وقال مصدر محلي لـ"العربي الجديد" إن الشاب القتيل يدعى علاوي الديري وهو نازح من البوكمال في دير الزور شرقي البلاد، وقد قُتل برصاص طائش خلال وجوده قرب مجلس كان مخصصاً لفضّ الخلافات بين العائلتين المتقاتلتين قرب مسجد الترك بحي زمزم، حين أقدم مسلحون ملثمون على إطلاق النار في اتجاه المجتمعين.
بدر طالب: الأتراك يسلّمون المدينة لفصيل الحمزات الفاشل والذي ليست له أرضية شعبية
وتدخّلت قوات الأمن العام والشرطة المدنية بأعداد كبيرة لفضّ النزاع، وتمكنت من إيقاف الاشتباك وتفريق الطرفين المتقاتلين، وسط استنفار عسكري لفصائل المعارضة والشرطة العسكرية، ولأبناء دير الزور على خلفية مقتل أحد أفرادهم بالخطأ في الاشتباكات.
وقال مصدر في شرطة مدينة الباب لـ"العربي الجديد" إنه بعد هذه الاشتباكات قام جهاز الشرطة "بنشر الدوريات في الشوارع وعلى المحاور الرئيسية، وجرى اعتقال عدد من الأشخاص كان لهم دور في ترويع الأهالي في مدينة الباب".
ويأتي ذلك بعد يوم من مقتل الشاب حسن الواكي من ذوي الاحتياجات الخاصة، برصاص مجهولين في مدينة الباب، وذلك إثر إطلاق النار عليه بشكل مباشر من ثلاثة مسلحين يستقلون سيارة قرب جامع الإحسان في مدينة الباب.
وسبق ذلك اندلاع اشتباكات بالأسلحة الخفيفة بين عائلتين في الحي الجنوبي لمدينة الباب، أسفرت عن إصابة ثلاثة أشخاص نقلوا إلى مستشفى الباب الأول لتلقي العلاج.
السلاح حكمٌ لأتفه الأسباب
وفيما لا توجد أسباب واضحة لهذه الاشتباكات المتكررة، اعتبر بسام أبو عدنان الناشط السياسي المقيم بمدينة الباب، والباحث في مركز حرمون، أن تكرر الاحتكام للسلاح في مناطق سيطرة "الجيش الوطني" يعود إلى مجموعة من الأسباب، في مقدمتها ضعف الأجهزة الأمنية، وعدم تحمّلها مسؤولياتها، إضافة إلى تفشي العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية مثل الجهل والعصبية والعشائرية والعائلية.
وأضاف أبو عدنان في حديث مع "العربي الجديد"، أن تنامي هذه المظاهر مرده أساساً لغياب السلطة، وعدم الإيمان بقوة القانون كوسيلة لحل الخلافات وتحصيل الحقوق، ما ولّد حالة احتقان بين بعض العائلات التي قد تتقاتل في ما بينها لأتفه الأسباب.
من جهته، قال الناشط الإعلامي بدر طالب، لـ"العربي الجديد"، إن من يتحمّل مسؤولية الفلتان الأمني بالدرجة الأولى الشرطة المدنية والعسكرية لأنهم لا يضبطون الوضع الأمني. وأضاف أن فصيل "الحمزات" الذي انسحب شكلياً من المدينة بعد مقتل الناشط محمد أبو غنوم في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي برصاص أحد عناصر هذا الفصيل، ما زال له نفوذ قوي في المدينة، وعمد عناصره وسط هذه التوترات إلى تمزيق صورة الراحل أبو غنوم بهدف توتير الأجواء.
وأضاف طالب أنه "لا يمكن تعيين المجلس المحلي في مدينة الباب إلا بعد موافقة فصيل "الحمزات"، وكذلك قائد الشرطة العسكرية والشرطة المدنية في المدينة، لا بد عند تعيينهما من الحصول على تزكية من الفصيل ذاته". وأكد على "ضرورة تسمية الأمور بمسمياتها وتوضيح الواقع كما هو، إذ يسلّم الأتراك المدينة لفصيل واحد فاشل ليست له أرضية شعبية، وغير قادر على إدارة المدينة".
عمار نصار: دور الشرطة سلبي إذ لا تقوم باعتقال المذنبين، وتكتفي بفض الاشتباك
وتخضع مدينة الباب التي تعد أكبر مدن ريف حلب لسيطرة فصائل "الجيش الوطني" منذ سيطرتها مع القوات التركية عليها ضمن عملية "درع الفرات" في أغسطس/آب 2016، التي استهدفت تنظيم "داعش". ومنذ ذلك الحين، تعاني المدينة من فوضى أمنية وعمليات تفجير واغتيال، غالباً ما تستهدف المدنيين، إضافة إلى انتشار السلاح والاشتباكات بين الفصائل المسيطرة.
أما الناشط الإعلامي من مدينة الباب عمار نصار فقال إن "أغلب المشكلات لا تُعرف أسبابها وقد تكون على توزيع حصص لحم الأضاحي أو خلافات بين الصغار تقود لتدخل الكبار، وفي كل مرة تتدخل الشرطة وتفض الاشتباك من دون اعتقال أحد، ثم يعود الطرفان للاشتباك". واعتبر في حديث مع "العربي الجديد" أن "دور الشرطة سلبي إذ لا تقوم باعتقال المذنبين، وتكتفي بفض الاشتباك، ما يجعل الأطراف المتنازعة تعود للصدام حالما تنصرف الشرطة".
ضعف الأمن والقضاء
من جهته، رأى أمين حويش، وهو مهجر من دير الزور ومقيم في مدينة الباب، أن الفلتان الأمني الملحوظ في المدينة والذي راح ضحيته عدد كبير من المدنيين، والاشتباكات العائلية أو الفصائلية شبه اليومية داخل المدينة، يشيران إلى ضعف الجانب الأمني وبالأخص قيادة الشرطة المدنية والعسكرية، وضعف تطبيق القانون من قبل القضاء على الجناة. وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن المسؤولين عن إدارة المدينة يتحملون كامل المسؤولية عن هذا الفلتان الأمني.
لكن القيادي في "الجيش الوطني" الفاروق أبو بكر، وصف ما يحصل في مدينة الباب بأنه "عبارة عن عبث، فهناك أياد خارجية تعبث بالمدينة مثل النظام السوري، وجماعة أبو محمد الجولاني (هيئة تحرير الشام – جبهة النصرة سابقاً)، بهدف نشر الفوضى في المنطقة، وتكريس الانطباع بأن هذه المناطق تسودها الفوضى، ويجب دخولهما إليها لضبط الوضع".
وأضاف أبو بكر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المسؤولية تقع على قيادة "الجيش الوطني" وكل المؤسسات والأجهزة الموجودة في المنطقة مثل الشرطة المدنية والعسكرية والفصائل والمجالس المحلية، إذ لا مبرر لعدم قدرتها على ضبط الوضع الأمني. وحذّر أبو بكر من أن "ما يجري في الباب يدق ناقوس الخطر، وعلى الجهات المعنية التعامل بحزم مع المجرمين والمفسدين وتجار المخدرات وصنّاع الفوضى، وضبط انتشار السلاح في المنطقة، وإلا سنكون أمام سيناريوهات خطيرة في المستقبل".