عباس يواجه أزمات داخلية وخارجية

23 أكتوبر 2021
لم يطبق عباس فعلياً وعوده السابقة (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -

عكس اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مساء الإثنين الماضي، عمق الأزمة التي تمر بها القيادة الفلسطينية على الصعيد الداخلي من جهة، بعد إعلان حزبين رئيسيين، هما "الشعب" و"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين"، مقاطعة الاجتماع وعودتهما للمشاركة المشروطة، وخارجياً من جهة أخرى، بعد إقرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" المقرب منه حسين الشيخ أن الإدارة الأميركية "تماطل" و"تكذب" في وعودها للقيادة الفلسطينية.
على الصعيد الداخلي، نجحت حركة "فتح" في إقناع "الشعب" و"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" بالعودة عن قرار مقاطعة اجتماع اللجنة التنفيذية للمنظمة، والذي جاء قبل يوم واحد من الاجتماع، ولأسباب عدة، لكن السبب الواضح هو قطع عباس مخصصات الحزبين منذ يونيو/حزيران الماضي وحتى سبتمبر/أيلول الماضي، على خلفية مواقفهما من مقتل المعارض السياسي نزار بنات في 24 يونيو الماضي، وانتقادهما قمع الحريات وضرب المتظاهرين.

توصل "الشعب" و"الجبهة الديمقراطية" و"فتح" إلى اتفاق بشأن عدة نقاط

اجتماعات نائب رئيس "فتح" محمود العالول وأمين سر اللجنة المركزية للحركة جبريل الرجوب وعضو مركزية "فتح" وتنفيذية المنظمة عزام الأحمد، على مدار يومي الأحد وحتى ظهر الإثنين الماضيين، نجحت بإقناع الحزبين بالعدول عن المقاطعة، وذلك بعد أن وافق عباس على أمر صرف المخصصات لأربعة أشهر بأثر رجعي يوم الإثنين، في تراجع عن إجرائه المالي العقابي بحق الحزبين، ليتم صرف المخصصات بشكل فعلي يوم الأربعاء الماضي.
ومنذ توليه رئاسة السلطة الفلسطينية قبل 16 عاماً، يدرك المتابع لسياسة عباس أن الأخير يلجأ لخطوات كلما واجهته أزمة، كالحوار مع الفصائل وعقد اجتماعات لها، أو عقد المجلسين الوطني والمركزي، لكن الأمر ينتهي عادة بعدم تطبيق قرارات تخرج بها تلك الاجتماعات والحوارات.

كوادر في الحزبين، أي "الشعب" و"الديمقراطية"، أكدوا، لـ"العربي الجديد"، أن الأمر لا يتعلق بالمخصصات فقط، وإنما تم التوصل لاتفاق ثلاثي بين "فتح" والحزبين تضمن عدة نقاط، أهمها أن الحقوق المالية للفصائل جميعاً محفوظة ولا تمس نتيجة الخلافات السياسية، ويتم الالتزام بهذا المبدأ وإعادة صرف مخصصات الفصائل. وأكد الاتفاق تصويب وضع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وضرورة انتظام اجتماعاتها برئاسة الرئيس، واضطلاعها بدورها كاملاً في ما يتعلق بمسؤوليتها، من حيث الاطلاع والمشاركة في القرارات التي تتعلق بالشأن السياسي والقيادي للشعب الفلسطيني، وضمان انتظام حصولها على التقارير المتعلقة بالاتصالات السياسية في هذا الإطار. وتضمن الاتفاق التأكيد على أن منظمة التحرير هي مرجعية السلطة الفلسطينية، والفصل بوضوح بين المنظمة والسلطة، وكذلك توضيح العلاقة المترتبة على ذلك بين المنظمة وبين مؤسسات السلطة المختلفة، بما فيها الحكومة. كما تضمن الاتفاق المباشرة بالحوارات الثنائية والجماعية، من أجل معالجة القضايا العالقة بين قوى منظمة التحرير، بما يعزز دور المنظمة، والتحضير الفوري لعقد لقاء رباعي يضم "فتح" و"الشعب" والجبهتين "الشعبية" و"الديمقراطية"، إضافة لكل اللقاءات الجماعية مع القوى الأخرى، بما يحافظ أيضاً على الجهد الجماعي، من أجل إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة.

اتفاق فتح والشعب والجبهة الديمقراطية

لكن مصادر من "الجبهة الديمقراطية" و"الشعب" قالت، لـ"العربي الجديد"، إنه "بات معلوماً أن عباس لن يلتزم بأي بند من الاتفاق الثلاثي، وهو يكرر وعوده بإصلاح المنظمة وإجراء حوار جذري مع الفصائل منذ سنوات، وتطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي بالانفكاك عن الاحتلال، ولم يطبق شيئاً فعلياً من هذه الوعود".

هاني خليل: الواقع الحالي لمنظمة التحرير لن يقدّم للشعب الفلسطيني أي شيء لتجاوز المخاطر المحيطة به

وعلى الرغم من أن حزب "الشعب" هو من بدأ التحرك وتواصل مع الجبهتين "الديمقراطية" و"الشعبية" لمقاطعة اجتماع اللجنة التنفيذية للمنظمة، إلا أن الاتفاق تم بين "فتح" و"الشعب" و"الجبهة الديمقراطية"، فيما بقيت "الجبهة الشعبية" على موقفها المقاطع لاجتماعات اللجنة التنفيذية منذ أكثر من عامين، لأسباب أكدتها الجبهة أكثر من مرة، تتعلق بمطالبها "بإنهاء تفرد الرئيس (أبو مازن) بالقرار السياسي وإصلاح منظمة التحرير". وقالت مصادر في "الجبهة الشعبية"، لـ"العربي الجديد"، إن عباس يعاقب "الجبهة الشعبية" بوقف مخصصاتها من الصندوق القومي الفلسطيني منذ نحو ثلاث سنوات بشكل متواصل وحتى الآن. وذكر القيادي في "الجبهة الشعبية" في قطاع غزة هاني خليل، لـ"العربي الجديد"، أن "الجبهة الشعبية تقاطع اجتماعات اللجنة التنفيذية منذ العام 2018، وطوال السنوات الماضية لم تقم القيادة بتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي، وأصبح لا قيمة للقرارات التي تتخذ مراراً وتكراراً". وقال خليل: "كل هذا يؤكد صواب قرار الجبهة الشعبية بمقاطعة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، التي باتت تحتاج إلى إصلاح حقيقي وجذري، لأن واقعها الحالي لن يقدّم للشعب الفلسطيني أي شيء لتجاوز المخاطر المحيطة به".

وبعيداً عن الاجتماع الشكلي والهش لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي تم تحت التهديد بقطع المخصصات، والابتزاز المضاد من "الجبهة الديمقراطية" و"الشعب" بمقاطعة الاجتماع، أكدت مصادر من اللجنة التنفيذية، لـ"العربي الجديد"، أن عباس ما زال يصر على موقفه من التزام حركة "حماس" بجميع قرارات الشرعية الدولية كخطوة تسبق مشاركتها في أي حكومة فلسطينية. أما على الصعيد الخارجي، فقد قدّم عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" حسين الشيخ، الذي حضر اجتماع اللجنة التنفيذية، مداخلة حول العلاقات مع الإدارة الأميركية، والتي وصفها بالمخيبة للآمال، إذ لم يفِ الرئيس الأميركي جو بايدن بأي من وعوده للفلسطينيين، ما جعل عباس والشيخ يصفان المسؤولين الأميركيين قائلين: "عم يضحكوا علينا"، و"كذابين".

وصف عباس والشيخ المسؤولين الأميركيين بالكذابين

ويأتي هذا الغضب الفلسطيني من الإدارة الأميركية عقب لقاء مساعد وزير الخارجية الأميركي هادي عمرو مع عباس في الرابع من الشهر الحالي، والذي عبّر فيه عمرو عن استيائه من خطاب أبو مازن في الأمم المتحدة في 24 سبتمبر/ أيلول الماضي، وحذره من أي خطوة باتجاه سحب الاعتراف بدولة إسرائيل أو الحديث عن حل الدولة الواحدة، حسب ما أكدته مصادر "العربي الجديد". واستعرض عباس والشيخ الوعود الأميركية، وأبرزها إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وتقديم الدعم المالي للسلطة الفلسطينية - بمعزل عن الدعم للأجهزة الأمنية الذي لم ينقطع - والاعتراف بحل الدولتين، وإطلاق مسار مفاوضات مع إسرائيل على أساسه، وإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية. وكانت الإدارة الأميركية قد وعدت بأن تنفيذ الأخيرة، أي إعادة فتح القنصلية الأميركية، سيتم في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، غير أن قادة الحكومة الإسرائيلية يقفون بالمرصاد لهذه الخطوة حسب تصريحاتهم لوسائل الإعلام.

وأكد مصدر رفيع، لـ"العربي الجديد"، أن الإدارة الأميركية تخضع علاقتها مع السلطة الفلسطينية للابتزاز، من خلال رزمة شروط أبرزها قطع مخصصات الأسرى والشهداء، وهذا ما يؤكده رفض بايدن لقاء عباس حتى اليوم. وكان رئيس الوزراء الفلسطيني وعضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" محمد اشتية قد صرح، خلال مؤتمر صحافي أمس الأول الخميس، بـأنه "لا أفق سياسياً يلوح في المنطقة ولا يوجد لدى الإدارة الأميركية رؤية، وإن المبادرة العربية للسلام دفنت مع موجات التطبيع الأخيرة".

المساهمون