عام من عمل البرلمان التونسي: ديمقراطية حيّة رغم الانقسامات

01 يناير 2021
واصل البرلمان أعماله رغم وباء كورونا (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يطوي البرلمان التونسي عامه الأول مع نهاية عام 2020، ليودع سنة تشريعية عصيبة مشحونة بالصراعات والصعوبات والخصومات، في مقابل حصيلة تشريعية يعتبرها برلمانيون مُرضية في سنة استثنائية تحت ضغط وباء كورونا. ويودع البرلمان العام 2020 باعتصام الكتلة الديمقراطية (الكتلة الثانية بـ38 نائباً) في بهو مقر البرلمان وأمام قاعات الجلسات، والذي يتواصل منذ ثلاثة أسابيع، احتجاجاً على اعتداء نواب "ائتلاف الكرامة" على أحد أعضاء الكتلة، أنور بالشاهد، وللمطالبة برفع الحصانة عنهم.
وتصاعدت مع نهاية العام وتيرة الدعوات لرفع الحصانة عن النواب المشتبه في تورطهم في جرائم مختلفة، وخصوصاً بعد الإيقافات التي طاولت وزير البيئة مصطفى العروي ورئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي وآخرين، ليتجدد تبادل البرلمانيين التهم لبعضهم البعض بالفساد المالي والإرهاب، والمطالبات بالكشف عن قوائم المعنيين برفع الحصانة. وكان النائب في الكتلة الديمقراطية والقيادي بحزب "التيار الديمقراطي"، نبيل حجي، قد تقدم بطلب رسمي إلى رئيس مجلس الشعب، راشد الغنوشي، للحصول على المعلومات حول قائمة النواب الذين طلبت النيابة العمومية رفع الحصانة عنهم.


الغنوشي: أداء البرلمان الحالي أفضل من سابقه

في مقابل ذلك، اعتبر الغنوشي، في تصريحات صحافية أخيراً، أنّ "أداء البرلمان الحالي أفضل من سابقه" وأنه "حقق خلال السنة التشريعية الأولى أرقاماً أفضل من المدة البرلمانية الماضية، وفق عدد الجلسات العامة وعدد القوانين المصادق عليها". وحول التشابك والخلافات بين النواب، قال الغنوشي إنها "نتيجة الاختلافات بين التيارات السياسية المكونة للمجلس"، مشيراً إلى أنّ "القانون الانتخابي تسبب في تشرذم تركيبة البرلمان وتشتتها". ولفت إلى أنّ "البرلمانات الأخرى في العالم تعيش صراعات، والخلافات اللفظية مردها إلى الديمقراطية الناشئة"، متوقعاً أن "تنضج التجربة مع مرور الأيام".

وسجل البرلمان الحالي انعقاد 3 جلسات عامة لمنح الثقة لحكومات الحبيب الجملي وإلياس الفخفاخ وهشام المشيشي، كما تم عقد 15 جلسة للحوار مع الحكومة، وتمت المصادقة على قرابة 50 قانوناً، فضلاً عن المصادقة مرتين على العمل بالإجراءات الاستثنائية تزامناً مع أزمة جائحة كورونا، إلى جانب التصويت على تفويض للحكومة لإصدار المراسيم مرة وحيدة. بالإضافة إلى ذلك، تمّ تشكيل لجنتي تحقيق؛ اهتمت الأولى بالتحقيق في حادثة عمدون في محافظة باجة بعد موت 26 شخصاً وإصابة 16 آخرين في حادث سير على طريق جبلية خطرة في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، فيما شُكّلت الثانية للتحقيق بتضارب المصالح وشبهات الفساد المتعلقة برئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ. وبلغ عدد الجلسات العامة الرقابية نحو 20 جلسة، فضلاً عن توجيه نحو 80 سؤالاً شفاهياً للحكومة، في حين تجاوز عدد الأسئلة الكتابية الموجهة لها نحو 1250 سؤالاً.

وفي مقارنة منشورة على موقع البرلمان، يتفوق المجلس الحالي على سابقه خلال الفترة المحددة من بدايته في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إلى حدود نهاية شهر يوليو/تموز الماضي من حيث عدد الجلسات العامة بـ52 جلسة مقابل 43، فيما بلغ عدد ساعات المداولات 355 مقابل 203 للبرلمان السابق. كما بلغ عدد تدخلات النواب في الجلسات العامة 2030 تدخلاً، مقابل 1542 تدخلاً، وعدد الجلسات الرقابية 16 مقابل 6، وعدد اجتماعات اللجان 350 مقابل 356 للمجلس السابق. كذلك بلغ عدد الاستماعات 270 مقابل 171، وعدد ساعات عمل اللجان 1080 مقابل 1057. في حين تم تشكيل لجنتي تحقيق مقابل صفر لجان تحقيق مشكلة سابقاً في الفترة نفسها، بينما بلغ عدد الأسئلة الكتابية 1180 مقابل 0 سؤال كتابي، و73 سؤالاً شفوياً مقابل 9 فقط في الفترة نفسها للبرلمان السابق.

في السياق، اعتبر ممثل جمعية "مرصد" التابعة لمنظمة "البوصلة" المختصة في مراقبة أعمال مجلس النواب، يوسف عبيد، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "البرلمان الحالي شهد خلال السنة الأولى تحسناً طفيفاً، مقارنة بالفترة نفسها من عمر المجلس السابق، غير أنّ هذا الأداء يعتبر دون المأمول، فالبرلمان الحالي يعتريه ضعف الأداء على المستويين التشريعي والرقابي، فالتحسن المسجل كان عددياً وكمياً وليس نوعياً. فمثلاً تمّت المصادقة على 42 مبادرة تشريعية مقابل 27 فقط في الفترة الماضية، غير أنه من بين القوانين المصادق عليها قوانين ذات صبغة مالية، 36 منها تحتوي على فصل وحيد". ولفت إلى أنّ "أعمال المجلس شهدت تعطيلاً في مناسبات عدة واتسمت بالتشنج، كما عُرف للمرة الأولى في تاريخ البرلمان التونسي تنظيم جلسة لسحب الثقة من رئيسه".


أعمال المجلس شهدت تعطيلاً في مناسبات عدة واتسمت بالتشنج

ويرى مراقبون أنه تصعب المقارنة، حيث إن الحصيلة التشريعية للبرلمان السابق، باعتباره أول برلمان منتخب منذ المصادقة على الدستور، وقد انطلقت أعماله في ظروف استثنائية تضمّنت تركيز هياكله الجديدة بعد اعتماد نظام داخلي جديد استغرق منه وقتاً، بينما انطلق البرلمان الحالي بقوانين وأعراف جاهزة. في حين يسجّل لمجلس الشعب خلال المدة الحالية أنه واصل أعماله على الرغم من وباء كورونا والتدابير الاستثنائية وإصابة عدد هام من نوابه بالفيروس، إذ تمسّك بالانعقاد وبإيجاد وسائل بديلة للحيلولة دون تعليق أعماله.

من جهته، اعتبر المحلل السياسي، عبد المنعم المؤدب، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "على الرغم من عثرات المجلس الحالي والصراعات التي طغت على أعماله، فإنه يعدّ منبراً للحرية وممارسة الديمقراطية، مقارنة بالجوار والمحيط الإقليمي، الذي يصعب أن تشاهد فيه مساءلة لرئيس البرلمان ومحاولة لسحب الثقة منه". ورأى أنّ "التجاوزات التي سجلها البرلمان وبلغت حدّ العنف اللفظي، يمكن اعتبارها مؤشراً لفرط مناخ الحريات، وهي تعدّ ظواهر غريبة في برلمانات صامتة، وأخرى تشبه غرف التسجيل وصناديق البريد. فبعض البرلمانات العربية تنعقد لمدح الحكومات والرؤساء وترديد البيانات التي تأتيها جاهزة، حتى أن معارضين في الخارج والمنافي يتمنون أن يصدحوا بما يقوله البرلمانيون التونسيون في وجه وزراء الداخلية والدفاع والمسؤولين من دون خوف أو تردد". وقال إنّ "ألف يوم من الحرية والديمقراطية تحت برلمان متعدد متشنج تحكمه الصراعات والخلافات، خير من يوم من الديكتاتورية والاستبداد في برلمان من لون واحد وصوت واحد، فالديمقراطية الفتية مصيرها النضج والاستقرار في النهاية".

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون