مساء 30 مارس/آذار 2022، حلّ الرئيس التونسي قيس سعيّد البرلمان المنتخب وفق دستور 2014، في خطوة اعتبرتها المعارضة الضربة القاصمة للمسار الديمقراطي في البلاد فيما عدّها أنصاره تصحيحاً له.
وتوالت الأحداث على البرلمان التونسي منذ أن بدأ سعيّد إجراءاته الاستثنائية، في 25 يوليو/تموز 2021 بالاستناد إلى البند 80 من دستور 2014، بدءاً من إعلان تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن البرلمانيين والشروع في ملاحقتهم قضائياً.
واحتجت غالبية مكونات البرلمان منذ فجر 26 يوليو 2021، معتبرةً ما حصل "انقلاباً على الدستور وضرباً للشرعية وانتهاكاً لمسار للديمقراطية"، مؤكدةً نضالها لاستعادة المسار. وفي أيلول/سبتمبر 2021 استكمل سعيّد نزع صلاحيات البرلمان التشريعية والرقابية عبر المرسوم 117 الذي مكّنه من التفرد بجميع الصلاحيات بدعوى مقاومة الخطر الداهم.
حلّ البرلمان في مارس 2022
وانتهى سعيّد إلى حلّ مجلس نواب الشعب نهائياً في 30 مارس 2022 إثر جلسة عامة عقدها نحو 120 برلمانياً عن بعد، أقرّت وقف العمل بالتدابير الاستثنائية وإبطال جميع المراسيم الرئاسية التي اتخذها سعيّد.
وقال سعيّد خلال ترؤسه اجتماعا لمجلس الأمن القومي يومها: "بناء على الفصل 72 من الدستور أعلن اليوم في هذه اللحظة التاريخية عن حلّ المجلس النيابي حفاظاً على الشعب ومؤسسات الدولة". من جانبها، طلبت وزيرة العدل التونسية ليلى جفال من وكيل الدولة بمحكمة الاستئناف فتح تحقيق ضد عدد من النواب، بتهمة التآمر على أمن الدولة وتكوين وفاق إجرامي.
زياد الهاشمي: حلّ البرلمان كان إعلاناً لهدم التجربة الديمقراطية في تونس
أنهى سعيّد في 25 يوليو 2022 ما بدأه بتمرير دستور جديد عبر استفتاء شعبي، بدلاً من دستور 2014 ليحدد سلطة البرلمان ويقلّصها، ويحولها إلى وظيفة تشريعية في نظام رئاسي مختل التوازن لصالح رئيس الدولة، كما وصفه غالبية خبراء القانون الدستوري.
وتم انتخاب برلمان جديد على دورتين في ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني الماضيين، بنسبة مشاركة بلغت 11 في المائة، وهي الأقل في تاريخ البلاد، وانطلق البرلمان الجديد في عمله في 13 مارس الحالي، على الرغم من عدم اكتمال عدد أعضائه الـ161.
ولكن بعض نواب المجلس المنحلّ يتمسكون بشرعيتهم الانتخابية، معتبرين أن البرلمان الجديد فاقد لأي شرعية على غرار كامل المسار الذي يعارضونه.
وحول هذا الوضع، اعتبرت النائبة بالبرلمان المنحلّ عن حزب النهضة، يمينة الزغلامي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "تونس خسرت مؤسسات ديمقراطية كانت تحت رقابة الإعلام والمجتمع المدني".
ولفتت إلى أن "تبرير الدعوة لغلق البرلمان أو حلّه بغير الأساليب الديمقراطية من طرف بعض النخب أو المنظمات الاجتماعية، سمح لسعيّد بالتمادي في هدم بقية المؤسسات وعلى رأسها المجلس الأعلى للقضاء، وخسارة الديمقراطية أدت إلى خسارة الحرية في المعلومة والنفاذ لها".
وتابعت الزغلامي: "الميزانيات والقروض والهبات وكل الاتفاقيات كانت تناقش تحت أنظار المجتمع التونسي وفي بث مباشر، وكان هناك الرأي والرأي المخالف والمصوت بنعم والرافض والمتحفظ. كل هذه الخسارة أدت إلى الرأي الواحد والحكم الفردي، إلى جانب خسارة العمل الرقابي للحد من عدة ظواهر كان يعاني منها الشعب التونسي. وللأسف تتالت الخسائر ولم تكسب تونس إلا خطاباً شعبوياً فوضوياً عنصرياً عمق عزلتها إقليمياً ودولياً".
هدم التجربة الديمقراطية
من جهته، قال النائب في البرلمان المنحلّ عن حزب ائتلاف الكرامة، زياد الهاشمي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "حلّ البرلمان لم يكن سوى الإعلان الرسمي عن انطلاق مخطط هدم التجربة الديمقراطية في تونس، وإطفاء الشمعة الوحيدة الباقية من ربيع الشعوب. وفي المقابل، إعلان عودة الشعب التونسي تدريجياً إلى بيت الطاعة كباقي شعوب الدول المتخلّفة والمستعمرة".
وأضاف الهاشمي: "لقد كان بعض السذج من العامة، والبعض من الطبقة السياسية، خصوصاً الحزام البرلماني والسياسي لقيس سعيّد المكون من التيار الديمقراطي وحركة الشعب والدستوري الحر من المهللين لانقلاب 25 يوليو، ظناً منهم أنه النجاة والغنيمة التي لم يستطيعوا الفوز بها بصناديق الاقتراع لكنهم قد يظفرون بها من خلال الانقلاب، وهو تغيير المشهد السياسي والتخلص من الإسلاميين والمحافظين والتيار الثوري من البرلمان ومن الساحة السياسية. لكنهم كانوا فقط وقود المعركة وحطبها، واليوم يدفعون الثمن أكثر من الشعب، فقد فقدوا أهم معطى سياسي يعطيه الشعب للأحزاب وهو الثقة".
وتابع الهاشمي: "اليوم من كان يعتقد أن حلّ البرلمان والانقلاب على إرادة الشعب هما الحلّ السياسي والاقتصادي خاب ظنه، وخسر الديمقراطية كما أفلست البلاد، وهذا ما أجمع عليه المجتمع الدولي من خلال بيانات البرلمان الأوروبي والخارجية الأميركية".
وأضاف الهاشمي أن "تونس اليوم كما وصفها البرلمان الأوروبي تشهد حالة من الانهيار وهذا ما حذّرنا منه منذ لحظة الانقلاب، وما كان كلام سعيّد حول خزائن الدولة المليئة بالأموال ومليارات الدولارات من أموال الصلح الجزائي سوى سراب".
شاكر الحوكي: البرلمان الجديد سيكون خاضعاً وتابعاً لقيس سعيّد
وبرأي رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية، أستاذ القانون الدستوري شاكر الحوكي، فإن "البرلمان الجديد محدود الصلاحيات والاختصاصات في نظام سياسي مختل الموازين لصالح سلطة رئيس الجمهورية، الذي يستحوذ على السلطات وتسييرها من دون الخضوع للمساءلة، في مقابل تحول السلطة التشريعية إلى وظيفة".
وشدّد في حديثٍ مع "العربي الجديد" على أن البرلمان الجديد "لن يكون مجلساً فاعلاً ومؤثراً، بل برلماناً خاضعاً وتابعاً لقيس سعيّد ينفذ أجندته ويمرر القوانين التي يقدمها".
وفسّر الحوكي ذلك بأن "دستور 2022 الذي صاغه سعيّد على مقاسه جرّد البرلمان من صلاحياته الحقيقية والفعلية، وجعله محكوماً بالخوف والخشية من الحلّ وسحب الوكالة، بالإضافة إلى أن كل النواب الذين صعدوا هم من المساندين له ولمساره في غياب لأي معارضة تذكر".
في المقابل، اعتبر النائب المنتخب في البرلمان الحالي، عضو البرلمان المنحلّ عن حركة الشعب، عبد الرزاق عويدات، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن البرلمان السابق وصل إلى حالة من الفوضى والتشويش والصراعات بسبب الخلافات داخل مكوناته، وأيضاً سوء إدارته وتسييره بتعدد مخالفات القانون الداخلي، وهو ما يفسر موقف الرأي العام السلبي منه ومطالبة الشعب بحلّ البرلمان".
ورأى أنه "خلافاً لما يروّج، فإن المجلس النيابي الجديد ليس منقوص الصلاحيات بل يجب فهم الاختلاف بين صلاحيات برلمان في نظام رئاسي وبين برلمان في نظام برلماني أو شبه برلماني". وأشار إلى أن "المجلس الجديد سيتعامل مع المظاهر التي أساءت لصورة المؤسسة التشريعية، من خلال العمل البرلماني وتركيز عمله لصالح الشعب".