عام على الانتخابات الرئاسية في الجزائر: ماذا تغير؟

12 ديسمبر 2020
قاطع 77% من الجزائريين استفتاء الدستور (فرانس برس)
+ الخط -

مرّ عام على الانتخابات الرئاسية الجزائرية، التي قادت عبد المجيد تبون إلى السلطة، شهدت خلاله الجزائر محاولات حثيثة من قبل الرئيس لإحداث تحولات سياسية واقتصادية، تضخّ نفساً جديداً وتستعيد عامل الثقة المفقود بين الشعب ومؤسسات الحكم. لكن تلك المحاولات تعطلت لأسباب عدة، مرتبطة بعمق الأزمة وثقل مخلفات عهد الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة وترهّل المؤسسات الحاكمة وبطء استجابتها لخطط التغيير، وصولاً إلى تفشي وباء كورونا الذي عطل الحركة السياسية. وعلى الرغم من تمرير السلطة للدستور الجديد، إلا أن الأزمة السياسية في البلاد ظلت جاثمة بكل تجلياتها، خصوصاً بعد المقاطعة الشعبية الكبيرة للاستفتاء الأخير.

لم يتغير الكثير في الجزائر منذ انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول 2019 الرئاسية، التي جرت في ظروف سياسية متوترة في تلك الفترة، كان الشارع الجزائري خلالها يغلي مع رفض جزء من مكونات الحراك الشعبي لإجرائها، فضلاً عن رفض عدد من القوى السياسية المشاركة فيها لكونها، بحسب ما وصفتها، مساراً مفروضاً من قبل السلطة لا يحقق الانتقال الديمقراطي المأمول. في المقابل، كانت السلطة تستهدف عبر تلك الانتخابات، استكمال المسار الدستوري الذي بدأ منذ استقالة بوتفليقة في 2 إبريل/نيسان 2019، وإحداث تحولات سياسية هادئة تأخذ بعين الاعتبار المطالب الشعبية، لكنها لا تغير موازين القوى في البلاد.


لم يوقّع تبون على الدستور الجديد بعد لوجوده خارج البلاد

وفي سياق إدراك ما تحقق من المطالب السياسية والاجتماعية التي رفعها الحراك الشعبي منذ تظاهرات 22 فبراير/شباط 2019، وما أنجزته السلطة السياسية الجديدة بقيادة تبون منذ ديسمبر 2019 حتى الآن، ظهر بوضوح أن هذه الفترة لم تتح للرئيس إنجاز الكثير من تعهداته المعلنة. فقد طغت الظروف الطارئة المتعلقة بالأزمة الوبائية، وعرقلت كل نيّة سياسية لتحقيق أي من تلك التعهدات، أو على الأقل بدء مسار مؤدٍ إليها، عدا بعض الخطوات التي لم تكتمل بعد. ومن هذه الخطوات، تعديل الدستور الذي وضعه تبون هدفاً مركزياً له منذ انتخابه، بهدف إعادة تأسيس النظام السياسي والمؤسسات والسلطات، وترتيب العلاقات الوظيفية بينها من جديد. واستهلك تحضير وصياغة الدستور الجديد بكل الجدل الذي رافقه، نحو 10 أشهر، قبل أن يطرح للاستفتاء الشعبي، لكن نتائج الاستفتاء الذي أجري في 1 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كانت مخيبة بشكل لافت، بسبب نسبة المقاطعة المرتفعة والتي بلغت 77 في المائة. مع ذلك لم يوقع تبون على الدستور الجديد، بسبب انتقاله إلى ألمانيا للعلاج.

وأظهر الاستفتاء على الدستور تآكل الرصيد الانتخابي وتراجعا كبيرا للكتلة الشعبية المؤيدة للسلطة وتبون بعد عام من الانتخابات الرئاسية، فقد خسر الرئيس 1.6 مليون صوت (من 4.9 ملايين في الانتخابات الرئاسية إلى 3.3 ملايين في الاستفتاء). وبدت هذه المؤشرات مهمة جداً في السياقات السياسية، مؤكدة اتساع المسافة بين الشارع والمشروع السياسي للسلطة. وزادت الأزمة الصحية الطارئة لتبون منذ شهرين تقريباً، في تعقيد الوضع وبروز شكوك أكثر حول مخرجات المسار الانتخابي السابق. وتصاعد القلق من غموض الأفق السياسي في البلاد وتشكل موقف داخلي، حتى لدى القوى التي دعمت المسار الانتخابي السابق، كحركة البناء الوطني، يرى ضرورة تصحيح المسار والبحث عن توافقات سياسية مشتركة بين السلطة والمعارضة، وذلك مع تصاعد دعوات من القوى السياسية للسلطة لاستدارك المسار، ومباشرة حوار سياسي وطني وشامل لتعزيز التوافقات الداخلية.

وإضافة إلى تعطيل أزمة كورونا مسار إنجاز انتخابات نيابية ومحلية تتيح برلماناً ومؤسسات حكم محلي جديدة، تتماشى مع المناخ السياسي لما بعد الحراك الشعبي، فإن لجوء السلطة السياسية الجديدة إلى استحداث عدد من الهيئات الجديدة، كوكالة الطاقة ووكالة الطيران المدني ووكالة التعاون الدولي ووكالة الصحة، وإنشاء هيئة وسيط الجمهورية، لم يسهم في المقابل في خلق ديناميكية حكم جديدة. كما ظهر بطء كبير في استجابة المؤسسات الإدارية وتنفيذ الخطط الحكومية للإنعاش الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما أقرّ به تبون نفسه في أغسطس/آب الماضي، من دون أن يجد حلولاً مناسبة لمعضلة البيروقراطية المتكلسة في المؤسسات الحاكمة في الجزائر.

وبغض النظر عن أن الحراك الشعبي لم يكن "ثورة خبز" مقارنة بالمطالب الديمقراطية، ولم تكن المطالب الاجتماعية بارزة فيه، فإن ما يعزز الاعتقاد بضعف مخرجات السنة الانتخابية الأولى من ولاية تبون، هو إخفاق الحكومة التي شكلها منذ 5 يناير/كانون الثاني الماضي، في طرح حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتحريك عجلة الاقتصاد. وكررت حكومته نفس المقاربات التي كانت تنتهجها الحكومات السابقة، في ظلّ العجز عن إنقاذ المؤسسات العامة وبروز مشكلات السيولة النقدية في المراكز البريدية، والارتباك الكبير في إدارة الأزمة الصحية. وظهرت الإشكالات أيضاً في تعدد القرارات إزاء السنة المدرسية والجامعية، في ظلّ المؤشرات الاقتصادية والمالية السلبية وارتفاع نسبة التضخم والعجز في الموازنة، مُظهرة فشل الحكومة، ما دفع أحزاباً ونواباً في البرلمان للمطالبة بالإسراع في إجراء تعديل حكومي عاجل.


تشدّدت السلطة إزاء الحريات والملاحقة البوليسية للناشطين

وعدا عن هذه الملفات، لم يتمّ تحقيق أي تقدّم في ملف الحريات، على الرغم من كونه الملف الأكثر تحفيزاً لحراك الجزائريين ضد بوتفليقة. لكن الأوضاع لم تتغير، بل على العكس، فقد تشدّدت السلطة إزاء الحريات والملاحقة البوليسية للناشطين وحملات الاعتقالات واستمرار الإدانات القضائية، إضافة إلى التضييق على الصحافة ووسائل الإعلام وحجب المواقع الإخبارية. واعتبر الناشط عبد الغني بادي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "المنطق كان يقول إن أي انتخابات رئاسية تجرى بعد ثورة شعبية، تأتي برئيس يعمد إلى إطلاقٍ لمزيد من الحريات وتكريس لمزيد من الحقوق، لإتاحة شعور عام بوجود تغيير وعهد جديد، للأسف هذا لم يحدث منذ انتخابات ديسمبر 2019، بل حصل عكسه".

على الصعيد الخارجي، ورغم التطلعات الجزائرية الكبيرة في أن تسهم مخرجات الانتخابات الرئاسية وصعود رئيس جديد للبلاد، في محو آثار غياب جزائري عن المحافل الدولية في السنوات السبع الأخيرة من حكم بوتفليقة، ومع تزايد التوترات الإقليمية قرب الجزائر، لم تنجح الدبلوماسية الجزائرية في تحقيق اختراق أو تحركات بالغة الأهمية. فقد استُبعدت الجزائر من أداء أي دور في الأزمة الليبية التي تعددت مساراتها بين حوارات القاهرة وتونس وطنجة، من دون أن تكون الجزائر محطة لذلك. كما تأخر الدور الجزائري في مالي عقب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا. وخلال عام كامل لم يقم تبون بأية زيارة إلى الخارج، عدا مشاركته في مؤتمر برلين حول الأزمة في ليبيا، كما لم تظهر خلال هذا العام أي تحالفات استراتيجية جديدة للجزائر.