يوافق اليوم 6 تموز/ يوليو، مرور عام كامل على حادثة اغتيال الباحث والخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي في هجوم مسلح قرب منزله في حي زيونة ببغداد، بعد خروجه من مقابلة تلفزيونية انتقد فيها أنشطة الجماعات المسلحة المسؤولة عن إطلاق الصواريخ ومهاجمة البعثات الدبلوماسية في المنطقة الخضراء ببغداد، واصفاً إياها بـ"قوى اللادولة".
شكلت الجريمة يومها صدمة لدى الأوساط الأكاديمية والسياسية والشعبية العراقية وحتى الدولية على حدّ سواء، من دون التوصل إلى الجناة أو الكشف عنهم. وعلى الرغم من وضع الأمن العراقي يده على أكثر من تصوير حيّ من كاميرات المراقبة لمنزل الهاشمي والمنازل القريبة منها والأزقة والشوارع التي مرَّ منها القتلة، لكن من دون نتائج، علماً أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وهو صديق شخصي للهاشمي، أعلن التوصل إلى خيوط تتعلق بالجريمة، لكن لا شيء واضحاً على أرض الواقع.
الملف كشف عن هوية المتورطين بالجريمة، وجميعهم ينتمون إلى فصيل مسلح منضوٍ ضمن "الحشد الشعبي"
وكان آخر تعليقٍ من حكومة الكاظمي بشأن الحادثة، هو ما صدر عن المتحدث السابق باسم رئيس الوزراء أحمد ملا طلال، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حين قال إن "قوات الأمن تعرفت إلى قتلة الهاشمي من خلال ضبط دراجتين ناريتين في منطقة بالعاصمة بغداد"، كاشفاً عن "التعرف إلى شخصين كانا يستقلان إحدى الدراجتين في عملية الاغتيال". وأضاف "تبين لاحقاً أنه تم تهريب هؤلاء الأشخاص إلى خارج العراق من قبل بعض الجهات". ولم يصدر أي توضيح من الحكومة حول عملية التهريب، ما دفع شخصيات سياسية لإبداء خشيتها من محاولة تذويب الملف كغيره من الملفات التي تتهم بتنفيذها أطراف من المليشيات المسلحة الموالية لإيران.
وقبل فترة وجيزة، وفي لقاء تلفزيوني، ذكر رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي أنه زار أسرة الهاشمي والتقى بزوجته، التي تطالب باللجوء السياسي إلى أي دولة، لأن أطفالها شاهدوا والدهم مضرجاً بدمه عند مقتله، وباتوا يشعرون بالخوف وعدم الأمان، ولم يستطيعوا لحد الآن أن ينسوا مشهد قتل والدهم. وأشار علاوي إلى أنه "تواصل مع عدد من السفارات الأجنبية من أجل القبول بلجوء أسرة الهاشمي في أحد البلدان الأوروبية، لإنقاذ الوضع النفسي لأطفال الفقيد". وفتح تعليق علاوي باب النقاش عن مصير تعهدات الكاظمي التي كان قد أطلقها في أكثر من مكان ومناسبة وأنه سيشرف بنفسه على عملية التحقيق، بعدما أمر بتسخير كلّ الإمكانيات للكشف عن أي خيوط توصل إلى المجرمين أو الجهة المتورطة بالجريمة.
وحول تطور التحقيقات، يكشف حارث الهاشمي، شقيق هشام، لـ"العربي الجديد"، أن "أسرة المغدور لا تزال تنتظر نتائج التحقيقات التي تأخرت كثيراً، رغم أن هناك بعض الأطراف الحكومية والقضائية كانت قد وعدت بأن عملية التحقيق لن تأخذ وقتاً طويلاً، نظراً للتنسيق العالي بين الأجهزة الأمنية". ويشير إلى عدم معرفته "بأي تطورات عن التحقيق، حتى أن إخوته لا يعرفون شيئاً عن تطورات التحقيقات وإلى أين وصلت القوات الأمنية والقضاء العراقي في الملف". وبدا شقيق الهاشمي حذراً جداً في حديثه ولم يجب عن كثير من الأسئلة.
وحيال شكوك العائلة، يؤكد مصدر أمني رفيع من وزارة الداخلية أن "التحقيقات التي أجريت للتعرف إلى قتلة الهاشمي، كانت مشتركة من قبل جهاز المخابرات ولجان تحقيقية من وزارة الداخلية ووكالة الاستخبارات وجهاز الأمن الوطني. وقد حاولت (مديرية أمن الحشد الشعبي) الدخول ضمن فريق التحقيق إلا أن مصطفى الكاظمي رفض ذلك". ويكشف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الملف الخاص بالتحقيقات أُنجز بالكامل وتمَّ تحويله إلى مكتب رئيس الحكومة، وكان من المفترض أن تتم مناقشته بين الكاظمي والقضاء العراقي، لكن لا أحد يعرف شيئاً عن مصير الملف بعد تسليمه". ويستفيض بالقول إن "الملف كشف عن هوية المتورطين بالجريمة، وجميعهم ينتمون إلى فصيل مسلح منضوٍ ضمن (الحشد الشعبي). وبحسب التحقيقات فقد كان القتلة ثلاثة شبّان، وقد هرب أحدهم إلى إيران فعلاً عبر منفذ بري".
من جهته، يرى سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي أن "ملف التحقيق بمقتل هشام الهاشمي مرتبط بشكلٍ أو بآخر بملف قتلة المتظاهرين والناشطين العراقيين منذ اندلاع انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 2019، لأن القَتَلَة عملوا في سبيل إسكات كل الأصوات الوطنية عبر تصفيتها الجسدية، كونهم غير قادرين على مواجهة الفكر بالفكر، لذلك يلجأون إلى أساليب القنص والأسلحة الكاتمة للصوت". ويوضح في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "ملف الهاشمي وغيره من الملفات التي من المفترض أن تكون جنائية، لا تزال أسيرة الضغوط السياسية والتهديدات، بالتالي قد نشهد تأخراً بإعلان النتائج أو تعمد السلطات العراقية تذويب هذا الملفات، عبر اختلاق مشاكل جديدة وأزمات، ولكن مثل هذه القضايا لا تسقط بالتقادم، وباتت للشعب العراقي ذاكرة لا تسامح القتلة ولا تغفر لهم".
الحكومة العراقية تعرف الجهات التي تقف خلف أغلب عمليات الاغتيال
وحيال هذه التطورات، يشير النائب رعد الدهلكي إلى أن "الحكومة العراقية تعرف الجهات التي تقف خلف أغلب عمليات الاغتيال والخطف والتهديد وعمليات القصف الصاروخي، لكنها تخشى من كشف هويتها بسبب نفوذ تلك الجهات القوي في مؤسسات الدولة العراقية". ويقول في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة تملك الإمكانيات للنيل من القتلة والجهات التي تقف خلفهم، سواء كانت داخلية أم خارجية، لكن يبدو أنها لا تملك الإرادة لكشفهم ومعاقبتهم، لأن ذلك سينعكس عليها سلباً وتعتبره الجهات التي تدعم المجرمين أنه استهداف لها. بالتالي قد تلجأ إلى تهديد الدولة عبر قصف المصالح الأجنبية في البلاد والاستعراضات العسكرية في وسط المناطق العراقية، وتحديداً بغداد".
ويتفق الباحث السياسي غيث التميمي، وهو أحد أصدقاء الهاشمي، مع تعليق الدهلكي، مشدّداً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، على أن "الكاظمي يعرف كل حيثيات القضية، والجهات التي دفعت القَتَلَة للتخلص من هشام الهاشمي بهذه الطريقة الإجرامية، لكنه غير قادر على فتح الملف والكشف عن أسمائهم وصورهم، لأن ذلك قد يودي بحكومته".
ويؤكد أن "أسباب قتل هشام الهاشمي كثيرة بالنسبة لوجهة نظر المليشيات الولائية، وأبرزها أن المغدور كان قد كشف للمرة الأولى عن وجه القيادي في مليشيا (كتائب حزب الله) حسين مونس، المعروف باسم (أبو علي العسكري)، على تويتر. وهو ما دفع المليشيا إلى تهديده لأكثر من مرة بالتصفية". ويلفت إلى أن "اقتحام القوات العراقية أحد مقرات كتائب حزب الله في بغداد، التي سُمّيت بحادثة البوعيثة واعتقال نحو 14 عنصراً من المليشيا، وما أعقبها من اقتحام للخضراء، كان مؤذياً بالنسبة للمليشيات، لذلك كان مقتل الهاشمي، وهو مقرّب جداً من الكاظمي، بمثابة درس للأخير نفذته المليشيات".