مضى عام على إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب اعتراف بلاده بـ"سيادة المغرب على الصحراء"، بالتوازي مع إعلان إقامة علاقات بين المغرب وإسرائيل، ومنذ ذلك الحين شهد ملف الصحراء تحولاً، لاسيما أن الاعتراف كان الفصل الأكثر إثارة في قضية امتدّت لأكثر من 46 عاماً.
وفي وقت واجهت فيه قضية الصحراء، قبل العاشر من ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، انسداداً واضحاً كاد أن يُشعل نار الحرب مجدداً في المنطقة، بعد إقدام محسوبين على "البوليساريو" على إغلاق معبر الكركرات الحدودي بين المغرب وموريتانيا، وتدخل الجيش المغربي لتأمين حركة المرور في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، كان إعلان الرئيس الأميركي السابق اعترافه بمغربية الصحراء أهم ثالث حدث في تاريخ هذا النزاع، بعد انسحاب إسبانيا عام 1975 من المنطقة، ثم توقيع الهدنة بين المغرب وجبهة "البوليساريو" الانفصالية عام 1991، بعد حرب دامت 16 سنة.
وإذا كان إعلان ترامب اعتراف بلاده بمغربية الصحراء، وفتح تمثيلية قنصلية في مدينة الداخلة، واعتبار أن "إقامة دولة مستقلة في الصحراء ليست خياراً واقعياً لحلّ الصراع"، مؤشراً على بداية "مرحلة جديدة" لها ما بعدها على الملف، فإن السؤال الذي يطرح بعد مرور سنة على ذلك هو: إلى أين تتجه الأمور بعد عام على الاعتراف الأميركي؟.
كأي حدث يشكل تحولا، خاصة إذا ارتبط بقرار دولة مؤثرة، أثار الاعتراف الأميركي ردود فعل متباينة بين أطراف القضية في الصحراء، وطُرحت أسئلة حول مآل النزاع وتأثيره على موقع الأطراف المتنازعة، بعدما حرّك المياه السياسية الراكدة، وكذلك بشأن إمكانية تراجع إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن عنه.
الرباط في "موقف مريح"؟
اليوم، وبعد مرور عام على إعلان ترامب، تبدو الرباط في "موقف مريح"، بحسب ما تقول، في ظل إشارات عدة تراها أنها تشير إلى استبعاد تراجع إدارة بايدن عن المرسوم الرئاسي الذي اعترف بموجبه ترامب بسيادة المغرب على الصحراء، من أبرزها اعتماد خريطة المغرب بما يشمل منطقة الصحراء، وتنظيم مناورات عسكرية "الأسد الأفريقي" لأول مرة في منطقة المحبس الصحراوية غير البعيدة عن مخيمات تندوف، وكذلك تأييد المبادرة المغربية بتمتيع الصحراء بحكم ذاتي، وهو التأييد الذي بدا واضحاً خلال مناقشة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2606 نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حينما أعلن المندوب الأميركي أن بلاده تعتبر أن "مبادرة الحكم الذاتي المغربية واقعية، وذات مصداقية، وتلبي طموح الصحراويين".
وإذا كان موقف الإدارة الأميركية الجديدة من اعتراف الإدارة السابقة بسيادة الرباط على الصحراء ومن النزاع ككلّ، يمكن إدراكه من خلال التغييرات الكبيرة التي صارت تلمس في القرارات الأممية الأخيرة، حيث تتجه تدريجياً إلى "تفتيت" أطروحات الطرف الآخر، مقابل "إضفاء المزيد من الشرعية" على مبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها "الحل السياسي الواقعي والأمثل للنزاع"، إلا أن الموقف أكثر وضوحاً من إدارة بايدن، بالنسبة للرباط، لتأكيد أن إعلان ترامب لم يكن "مجرد تغريدة"، كما تصف ذلك جبهة "البوليساريو"، ما انتهى إليه لقاء وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بنظيره الأميركي أنتوني بلينكن في واشنطن، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حين أعلن الأخير دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي، باعتباره "مبادرة جادة وواقعية وذات مصداقية" لنزاع الصحراء.
ويرى القيادي السابق في جبهة "البوليساريو"، مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء "شكّل منعطفاً حاسماً في مسلسل تسوية نزاع الصحراء الذي عمّر طويلاً"، لافتاً إلى أن "المجتمع الدولي منشغل منذ أزيد من ثلاث عقود بإيجاد تسوية سلمية للنزاع، من دون أن تنعكس تلك المساعي والمجهودات على الأرض، بسبب معالجة موضوع النزاع تحت البند السادس من ميثاق مجلس الأمن، ما جعل من القرارات الدولية مجرد حبر على ورق، وترك النزاع يراوح مكانه، على الرغم من أن تكاليف بعثة الأمم المتحدة في الصحراء "المينورسو" تجاوزت المليار ونصف مليار دولار، من دون أن تحقق نتائج".
وبحسب ولد سيدي مولود، فإن المبادرة الأميركية بالاعتراف بمغربية الصحراء "جاءت لكسر الجمود الحاصل على مستوى التسوية، كما أنها لم تأتِ من فراغ، وليست بدعة، وإنما اعترافاً بالأمر الواقع على الأرض المستقر منذ عقود، ولمصداقية ووجاهة المقترح المغربي للحكم الذاتي، والمجهودات التنموية التي شهدها الإقليم"، بحسب قوله.
ويؤكد القيادي السابق في "البوليساريو" أن "المبادرة الأميركية حرّرت الديبلوماسية المغربية والكثير من دول العالم، وأخرجتها من دائرة التردد، كما شكلت ضغطاً على الأطراف الأخرى من أجل التقدم نحو الحل السياسي الذي يطالب به المجتمع الدولي".
"موقف أميركي ثابت"
من جهته، يقول الباحث في العلاقات الدولية بوبكر أونغير، إن الموقف الأميركي الداعم للمبادرة المغربية "موقف ثابت وراسخ، وبني على قناعة تامة بين الجهود التي بذلها المغرب في أقاليمه الجنوبية، والدور المحوري الذي يقوم به المغرب على الصعيد الاقليمي والدولي، سواء في ترسيخ الأمن والاستقرار الدوليين، أو في دعم السلام في الشرق الأوسط، كلها مجهودات أدت إلى اقتناع الإدارة الأميركية بالدور المغربي، وبضرورة الحفاظ على وحدة واستقرار المغرب"، وفق ما صرّح به.
ويضيف أونغير، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "تصريح الخارجية الأميركية بخصوص المبادرة المغربية هو تتويج للعمل الديبلوماسي الكبير الذي قام به المغرب على الصعيد الدولي، وفي كل الاتجاهات. كما أنه جواب على كل الادعاءات والتشكيكات التي يروّج لها البعض من أن إدارة بايدن ليست كنظيرتها السابقة بخصوص قضية الصحراء. لكن الحقيقة أن الإدارة الحالية أكثر تشبثاً ودفاعاً عن الحقوق المغربية في استكمال وحدته الترابية وبسط سيطرته على كافة أراضيه".
أمّا الباحث في شؤون الصحراء نوفل البعمري، فيقول إنه "بإعلان واشنطن الجديد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي، تكون قد أنهت الجدل السياسي حول الموقف الأميركي من المبادرة السياسية التي اقترحها المغرب لطي النزاع المفتعل حول الصحراء"، لافتاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنها بهذا الموقف، تعلن انخراطها السياسي في دعم المبادرة المغربية، خصوصاً أن تصريح الخارجية الأميركي تزامن مع تأكيدها أهمية إطلاق العملية السياسية من جديد، ودعم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا.
ويعتبر الباحث المغربي أن "الموقف الأميركي فيه ربط بين دعم الحكم الذاتي ودعم دي ميستورا"، مشيراً إلى أن "هذا الموقف جدّ مهم لإنهاء النزاع"، نظراً لما يعتبره "قوة الطرح المغربي الذي يحظى بدعم جديد، خصوصاً أنه آتٍ من طرف الولايات المتحدة الأميركية".