مرّت سنة منذ افتتاح أعمال مجلس نواب الشعب التونسي (البرلمان) المكوّن بمقتضى دستور عام 2022 الذي صاغه الرئيس قيس سعيّد بمفرده. ويرى متابعون في جردة حساب لأعمال هذا برلمان قيس سعيّد، بعد عام، أن أداءه لا يزال باهتاً، في استكمال لمرحلة السبات السياسي الذي دخلت فيها تونس منذ انقلاب سعيّد في يوليو/تموز 2021.
وانتخب هذا البرلمان في جولتين، كإحدى آخر مراحل خريطة الطريق التي وضعها سعيّد بعد انقلابه في 25 يوليو 2021. أجريت الجولة الأولى في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022 والثانية في 29 يناير/كانون الثاني 2023، وجرت بنظام الاقتراع على الأفراد، وليس المرشحين على القوائم الحزبية. وشهدت هذه الانتخابات عزوفاً شعبياً كبيراً بتسجيل نسبة مشاركة في حدود 11.4 في المائة (في الدورتين)، وهي أقل نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات بتونس.
برلمان قيس سعيّد... انطلاقة بتفويض شعبي ضعيف
وافتتح البرلمان أعماله في 13 مارس/آذار 2023، منقوصاً عددياً من 8 نواب، 7 منهم عن دوائر الخارج التي لم تسجل أي ترشح، فيما عجزت السلطات عن سدّ الشغور فيها منذ سنة، كما يقبع النائب الثامن وجدي الغاوي في السجن منذ ذلك التاريخ دون تعويضه. وزادت نسبة الشغور في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى 9 نواب، برفع الحصانة عن أحد النواب سامي عبد العال بسبب قضية تلاحقه، فبقي في الخارج. ويواصل برلمان قيس سعيّد عمله بـ152 عضواً فقط من أصل 161 مقعداً نص عليها الدستور.
الحوكي: التونسيون فهموا أنه مجرد برلمان وظيفي وضع لتزكية إرادة رئيس الجمهورية
ويظهر الموقع الرسمي للبرلمان تمكنه من المصادقة على نحو 40 مشروع قانون صدر أغلبها في الجريدة الرسمية للبلاد، غالبيتها اتفاقيات قروض ومذكرات تفاهم، محالة من الرئاسة والحكومة، لا تتعدى البند الواحد. كما تمكن هذا البرلمان من المصادقة على قانون المالية وموازنة للعام 2024 في الآجال المحددة قبل نهاية العام الماضي، وهو يعد أكبر النصوص من حيث عدد البنود والاستماعات.
كما صادق البرلمان على قانون مرسوم الصلح الجزائي الذي أدخل عليه الرئيس تعديلات بسبب تعطل تنفيذه، كما مرّر أخيراً قانون جواز السفر وبطاقة التعريف البيومترية.
كذلك، فإن مقترح النواب لتجريم التطبيع مع إسرائيل، الذي أثار انقساماً وجدلاً، تمّ إرجاؤه وتعديله دون المصادقة عليه لاحقاً، ولم يناقش مجلس الشعب التونسي أي مبادرة تشريعية مقدمة من أعضائه، لتبقى مقترحاته في أدراج اللجان تنتظر البرمجة.
حصيلة ضعيفة ورقابة شكلية
يعتبر أستاذ القانون الدستوري، خالد الدبابي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "إن أردنا تقييم حصيلة عمل البرلمان بطريقة موضوعية، نقول إنها ضعيفة وضعيفة جداً، وهو أمر متوقع باعتبار المكانة السياسية الضعيفة التي أصبحت تحتلها الوظيفة التشريعية في تونس مقارنة بالسلطة التشريعية سابقاً، والتحول الدستوري بالبرلمان من سلطة إلى وظيفة".
ويشرح الدبابي أن "الوضعية السياسية والمشهد غير التعددي وإقصاء الأحزاب وضعف تمثيلها في العملية التشريعية من خلال نظام الاقتراع على الأفراد، أنتجت كما كان متوقعاً برلماناً ضعيفاً وغير قوي لا دستورياً ولا سياسياً".
ويبيّن الدبابي أن "هناك العديد من الملفات التي لم يعالجها البرلمان منذ عام، وخصوصاً المحكمة الدستورية، فنحن لا نعلم لماذا لم يتم إلى اليوم التصويت على قانون المحكمة الدستورية وكذلك قانون أساسي للمجلس الأعلى للقضاء؟ ولماذا لم ينكب البرلمان على سنّ قانون انتخابي ينظم الانتخابات الرئاسية المستعجلة، خصوصاً وأن الدستور جاء بشروط جديدة أصبحت تناقض القانون الانتخابي لعام 2014؟".
الدبابي: تخلي البرلمان عن قانون تجريم التطبيع، يؤكد أن سردية تجريم التطبيع كانت سياسية
كذلك يشير أستاذ القانون الدستوري إلى أن "مراقبة الحكومة أصبحت شكلية حيث تتم دعوة عضو في الحكومة لتوجيه أسئلة شفوية أو كتابية"، مشدداً على أن "هناك وسائل رقابية لا يمكن تطبيقها على غرار توجيه لائحة لوم لأنها تتطلب موافقة المجلسين (مجلس النواب ومجلس الجهات والأقاليم)". ويذكّر بأنه "حتى اليوم لم يتم تركيز (تنصيب) الغرفة التشريعية الثانية، ناهيك عن الأغلبية المطلوبة، ما يجعل تطبيق هذه الآلية مسألة صعبة جداً، حتى لا نقول مستحيلة التنفيذ".
ويختم الدبابي رأيه بأن الأداء التشريعي لبرلمان قيس سعيّد اليوم "ضعيف جداً باكتفائه بتمرير القروض والاتفاقيات الواردة عليه من السلطة التنفيذية"، مشيراً إلى أن "المبادرة الوحيدة التي قام بها ثم تخلى عنها هي قانون تجريم التطبيع، ما يؤكد أن سردية تجريم التطبيع كانت سياسية تهدف إلى كسب نقاط انتخابية سابقة لأوانها، والواضح أن الهدف كان بروباغندا (دعاية) سياسية وحشد تعاطف شعبي أكثر منه رؤية وتصورا لحل في مسألة شائكة، ما زاد من خلق مشاكل جديدة للبلاد".
من جهته، يرجع رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية، أستاذ القانون الدستوري، شاكر الحوكي، في حديث لـ"العربي الجديد"، ما يصفه بـ"الأداء الهزيل للبرلمان وضعف حصيلته" خلال السنة الأولى، إلى "النظام السياسي الذي فرضه سعيّد". ويشدد على أن "النتيجة كانت معروفة سلفاً، فبرلمان لم يجر انتخاب أعضائه إلا من عدد قليل من الناخبين ولا يمثل إلا نفسه، لا يمكن أن يُوفّق في أعماله أو يؤخذ على محمل الجد"، بحسب تعبيره.
ويتابع الحوكي: "لا أحد يتابع أعمال البرلمان اليوم أو يهتم بما يقول أو يصدر من قوانين لا تقدم ولا تؤخر"، مؤكداً أن المواطنين "فهموا أنه مجرد برلمان وظيفي وضع لتزكية إرادة رئيس الجمهورية بغطاء مؤسساتي وتمرير مشروعه باغتيال الديمقراطية في هذا البلد".
ويشير الحوكي إلى أنه "منذ إعلان الانقلاب، دخلت الحياة السياسية في تونس مرحلة سبات شتوي دون أفق، والمحاولات التي جرت من قبل بعض المناضلين كلّفتهم حريتهم وتم سجنهم ظلماً وعدواناً بعد اتهامهم بالتآمر على أمن الدولة".
ويخلص أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية إلى أن "المشهد السياسي اليوم يتكوّن من رئيس وأنصار الرئيس، ومن المبالغة واقعاً الحديث عن برلمان ومؤسسات، وهي مرحلة تذكرنا بدولة البايات في القرن التاسع عشر وما قبله". ويضيف: "إذا شئت، فنحن في مرحلة ما قبل السياسة بالمعنى الذي قصدته حنا أرندت (منظرة سياسية ألمانية أميركية – 1906 - 1975)"، بحسب توصيفه.