عامان من حكم "طالبان"... متطلبات فكّ العزلة الدولية والتشدّد لا يجتمعان في سلّة واحدة
فيما تسعى حركة طالبان الأفغانية لكسر العزلة الدولية المفروضة عليها منذ عودتها إلى الحكم قبل أكثر من عامين، يرفض المجتمع الدولي الاعتراف بالحركة رسمياً، ويوجّه انتقادات مستمرة لسياساتها في قضايا الحقوق والحريات وتعليم الفتيات.
وتشترط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ضرورة تشكيل "طالبان" حكومة شاملة وسن قوانين تحمي حقوق الإنسان، وخاصة حقوق المرأة، وضمان عدم تحول أفغانستان إلى قاعدة للإرهابيين لاستهداف دول أخرى، من أجل الاعتراف بها ورفع العقوبات المفروضة عليها. وفيما أظهرت الجماعة بعض النجاح في التصدي للجماعات الإرهابية، مثل تنظيم داعش الإرهابي، وتوفير الأمن، وتطهير البلاد من زراعة الخشخاش (الأفيون) التي يصنع منها مخدر الهيروين، إلا أنها تواجه انتقادات وضغوطاً فيما يخص قضايا الحقوق والحريات.
ويستبعد أستاذ حل النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا، إبراهيم فريحات، أن تقدم حركة طالبان تنازلات أو أن تصبح أقل تشدداً في موضوع إدارة الحكم وحقوق المرأة والحريات من أجل فك العزلة الدولية.
ويقول فريحات لـ"العربي الجديد" إن حركة طالبان ترى أنها قد وصلت إلى أقصى درجة فيما يخص الإصلاحات في سياساتها في موضوع المرأة والحقوق والحريات، مشيراً إلى أنها من المستبعد أن تقدم أكثر مما قدمته.
السير في الاتجاه المعاكس
ويرى فريحات أن "طالبان" في بداية استيلائها على السلطة، بدت أكثر انفتاحاً مما هي عليه الحال في الأشهر الأخيرة، مشيراً إلى أنها تشددت أكثر في مسألة التعامل مع المرأة وتعليم الفتيات، وأصبحت تسير بالاتجاه المعاكس، وحرمت النساء من وظائف معينة ومنعت تعليم الفتيات.
ويضيف فريحات "مواقف طالبان تستند إلى عوامل أيديولوجية في قضية التعامل مع المرأة وغيرها"، مشيراً إلى أن الحركة لن تكترث في ما يخص تعامل المجتمع الدولي معها. واستدرك بالقول "هناك كثير من اللاعبين الدوليين لديهم استعداد للتعامل مع طالبان دون أن يطلبوا منها التغيير في سياساتها"، في إشارة إلى روسيا والصين وإيران وبعض دول الجوار.
من جهته، قال رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان في الدوحة سهيل شاهين لـ"العربي الجديد" إن هناك معالجات جارية لإيجاد حلول لقضايا الحقوق وحرمان الفتيات من التعليم، مشيراً إلى أن الكثير من النساء يعملن حالياً في قطاع الصحة والتعليم وفي القطاع الخاص.
وبخصوص العلاقات الدبلوماسية مع العالم الخارجي، أوضح أن هناك اعترافاً غير معلن بحكم الأمر الواقع وأن العلاقات مع الصين وصلت إلى مستويات عالية وتكللت بتعيين سفير جديد للصين مؤخراً، مشيراً إلى أن تعيين السفير سيتيح للبلدين تقوية تعاونهما وعلاقتهما وأن الاعتراف الرسمي المعلن سيحدث مستقبلاً.
وعبّر شاهين عن أمله في أن تبدأ الصين قريباً في التنقيب عن المعادن في أفغانستان، لافتاً إلى أن هناك وفداً صينياً في كابول من أجل ذلك الغرض. وأشار إلى أهمية الاستثمار في الثروات الهائلة والمتعددة في أفغانستان مثل النحاس والذهب والحديد والليثيوم، داعياً الدول الأخرى للقدوم إلى أفغانستان وإقامة علاقات إيجابية وإقامة مشاريع استثمارية.
ويمارس المجتمع الدولي ضغوطاً على طالبان لتخفيف سياساتها في ما يخص تعليم والفتيات والقضايا الحقوقية الأخرى. ولم تعترف إلى الآن أي دولة بحكومة طالبان رسمياً، رغم أن الحركة نجحت في الحفاظ على تواصل مع بعض دول الجوار، وروسيا والصين، التي طورت التعاون معها في مجال التنقيب عن النفط والمعادن.
وتتهم "طالبان" الولايات المتحدة بعرقلة مسألة الاعتراف بها كحكومة، وتقول إنها تؤثر على القرارات الأممية، لكن لقاءات تحدث بين الفينة والأخرى بين طالبان ومسؤولين أميركيين في الدوحة قد تتمخض في نهاية المطاف عن تليين المواقف الأميركية المتصلبة تجاه "طالبان".
وفيما تسعى الصين لاستغلال فرصة الانسحاب الأميركي لفرض وجودها كلاعب حاسم في المنطقة، إلا أنها ما تزال تتخوف من الاعتراف رسمياً بحركة طالبان، رغم أنها عيّنت مؤخراً سفيراً جديداً لدى أفغانستان.
وخلال استقبال السفير الصيني الجديد هذا الشهر، دعت حركة طالبان الدول الأخرى للتقدم وإقامة علاقات معها. وقال وزير خارجية "طالبان" أمير خان متقي، خلال استقبال سفير الصين الجديد، إن تعيين سفير صيني جديد "يعدّ خطوة مهمة ويحمل رسالة مهمة".
ومنذ الانسحاب الأميركي من أفغانستان في أغسطس/ آب 2021، تراجع الاقتصاد الأفغاني، ويعاني حوالي 20 مليون أفغاني من انعدام الأمن الغذائي. وفي الواقع، فإن العقوبات الاقتصادية المفروضة على طالبان هي بمثابة عقوبات اقتصادية ضد الشعب الأفغاني.