صواريخ غزة... من البدائية إلى ما بعد تل أبيب

26 مارس 2019
خلال استعراض عسكري لكتائب القسام في غزة(عبد الحكيم أبورياش)
+ الخط -
شكّل الصاروخ الذي قطع مسافة تتجاوز 120 كيلومتراً وأصاب منزلاً شمالي تل أبيب، أمس الإثنين، صدمة للاحتلال الإسرائيلي من حجم التطور الذي وصلت إليه صواريخ المقاومة، التي أضحت قادرة على حمل رؤوس متفجرة كبيرة الحجم، فيما لم تتضح كامل التفاصيل حول نوعية الصاروخ. وكان لافتاً أن منظومة القبة الحديدية التي يتباهى بها الاحتلال، لم ترصد الصاروخ المذكور، وهو ما يسجل فشلاً إسرائيلياً على هذا الصعيد. ومرّ تطور صواريخ المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بمراحل عدة. وشكّل يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 2001 نقطة تحول مهمة في عمل الأذرع العسكرية للفصائل، حين سقط أول صاروخ محلي الصنع داخل مستوطنة سديروت التي تبعد عن شمالي قطاع غزة نحو 1.6 كيلومترات. وتبنت الصاروخ في حينه كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، والذي أطلقت عليه اسم "قسام 1"، وعمل مهندسوها على تطويره بإمكانيات بدائية للغاية مقارنة مع الصواريخ الأخرى المتطورة حالياً.


وواصلت المقاومة الفلسطينية محاولاتها الحثيثة لتطوير المنظومة الصاروخية التي امتلكتها، رغم صعوبة وصول المعلومات وحتى المواد المستخدمة في عملية تصنيع الصواريخ. إذ شهدت الفترة ما بين 2001 وحتى 2007 انتشار الفكرة لتشمل مختلف الأذرع العسكرية لقوى المقاومة في غزة. وكانت الصورة في حينه تشير إلى مدى بدائية الصواريخ خلال هذه الفترة والمدى الذي كانت تبلغه، وحتى طريقة الإطلاق مقارنة مع الصواريخ الحالية التي تمتلكها الفصائل، إذ كان حجم الضرر المادي والإصابات طفيفاً للغاية. ومع حلول عام 2007، شهدت منظومة الصواريخ التي تمتلكها المقاومة نقلة نوعية، إذ تمكنت من تهريب صواريخ "غراد" التي وسعت رقعة المناطق المستهدفة. فمن مسافة لا تتجاوز 7 إلى 10 كيلومترات، اتسع مدى رقعة نار المقاومة لتصل إلى ما بين 25 و40 كيلومتراً، أي ما بين أسدود وبئر السبع، مع تقدم ملموس في القدرة التدميرية لهذه الصواريخ مقارنة مع الصواريخ محلية الصنع.

وشكّل العدوان الإسرائيلي في عام 2008 نقطة فاصلة في سعي المقاومة الفلسطينية لتطوير صواريخها ومنظومتها بشكلٍ عام. ومع اغتيال قائد أركان كتائب القسام السابق أحمد الجعبري، في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، فوجئ الاحتلال بقصف المقاومة، تحديداً سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، وكتائب القسام، لتل أبيب بصواريخ من طراز "فجر 5" إيرانية الصنع. وخلال هذه الحرب، أعلنت الذراع العسكرية لحركة حماس تطويرها صاروخ "m75" بشكلٍ محلي، وتمت تسميته نسبة إلى القيادي البارز في الحركة الذي اغتاله الاحتلال الإسرائيلي إبراهيم المقادمة. ويستطيع هذا الصاروخ أيضاً ضرب تل أبيب والقدس المحتلة وضواحيهما. وبرزت خلال هذه المواجهة زيادة المسافات التي تستطيع المقاومة الفلسطينية ضربها، مقارنة مع ما كانت تمتلكه في السابق، إلى جانب القدرة التدميرية لهذه الصواريخ، سواء المهربة من إيران أو التي جرى تطويرها محلياً. ومع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع في عام 2014، فاجأت المقاومة إسرائيل مرة أخرى بصواريخ جديدة أسهمت في تسديد ضربات نوعية للاحتلال، كان من أبرزها صاروخ "j80" نسبة لأحمد الجعبري، والمزود بتقنيات خاصة. وكانت كتائب القسام قد تحدت الاحتلال، وقدرته على اعتراض الصاروخ، من خلال تحديد موعد مسبق لقصف تل أبيب، وهو ما فشلت "القبة الحديدية" في القيام به. أما صاروخ "r160" الذي تمتلكه كتائب القسام، والذي يعد اختصاراً لاسم القائد الأسبق لحركة حماس وأحد مؤسسيها، عبد العزيز الرنتيسي، ففقد تمكنت المقاومة من خلاله، في عام 2014، من ضرب حيفا المحتلة، للمرة الأولى، منذ بداية الصراع مع الاحتلال.

في هذا الوقت، كشفت سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، عن صواريخ "براق 70" و"براق 100"، والقادرة أيضاً على ضرب تل أبيب والعمق الإسرائيلي بدقة، مع الإشارة إلى كون هذه الصواريخ محلية الصنع. وفي السنوات التي تلت الحرب الأخيرة كشفت الأذرع العسكرية المختلفة عن صواريخ جديدة أكثر تطوراً من سابقتها من دون أن تحدد المدى الذي تبلغه كلّ منها أو حتى قدرتها التدميرية. وكشفت كتائب القسام عن صاروخي "sh" نسبة للقائد السابق فيها محمد أبو شمالة وصاروخ "A" نسبة لرائد العطار أحد قادتها أيضاً، في الوقت الذي أفصحت فيه سرايا القدس وألوية الناصر صلاح الدين عن صواريخ أخرى.

وخلال جولة التصعيد التي أعقبت محاولة التسلل الفاشلة شرقي خان يونس جنوبي القطاع، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كشفت سرايا القدس عن صاروخ "بدر1" والذي وصفته بأنه "جحيم عسقلان"، إذ أحدث هذا الصاروخ ضرراً كبيراً في مستوطنة عسقلان التي قصفتها الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي. ويشهد القطاع بشكلٍ شبه دوري إطلاق المقاومة الفلسطينية وأذرعها المختلفة لعدد من الصواريخ باتجاه البحر (للتجريب ومعرفة المدى) ضمن عملياتها المتواصلة لتطوير منظومتها الصاروخية استعداداً لأي مواجهة محتملة مع الاحتلال الإسرائيلي في المستقبل القريب.